دعوا عفرين لأبنائها

حيدر عمر

رغم أن السياسة كثيراً ما تفتقر إلى المشاعر، ولكن هذه تفرض نفسها على السياسة أحياناً وتقتحمها رغم عدم رغبة السياسي، وذلك في ساعات المحن وأوقات الكوارث والنكبات التي حلَّت وماتزال تحلُّ بالانسان الشعوب أينما كان. من ذلك مثلاً لايملك السياسي نفسه إلا أن يتعاطف مع المدنيين من ضحايا حرب إسرائيل ومنظمة حماس في غزة، التي مازالت على أشدّها منذ أكثر من ثلاثين يوماً. ومن ذلك أيضاً لا بدَّ أن يتعاطف السياسي الذي يمتلك ولو قليلاً من الضمير مع الكرد سكان جبل الكرد / عفرين، الذين مازالوا، منذ ما يقرب من ستّ سنوات، فرائس شتى أنواع الانتهاكات من قتل وتشريد واختطاف وسرقات واستيلاء على عقاراتهم السكنية والزراعية والصناعية (معاصر الزيتون)، التي تقترفها الميليشيات الراديكالية الإسلامية الإرهابية التابعة للائتلاف الوطني  السوري المعارض، الذي يقتات على فضلات موائد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومخابراته، وذلك على مرأى من سلطات الاحتلال التركي البغيض، الذي لا شكَّ في أنه يشارك في تلك الانتهاكات متجاوزاً واجبات سلطة الاحتلال وفق القوانين الدولية.
الغريب أن بعض الساسة الكرد، قادة المنظمتين ال پ ي د، والمجلس الوطني الكردي في سوريا، لا يبدون أي اهتمام بما يحدث في عفرين، لكأن عفرين لا تهمهم.
أقول قادة المنظمتين، لأنني أرى الأولى مشاركة في سقوط منطقة جبل الكرد / عفرين تحت الاحتلال التركي بتواطؤ من بعضهم أو من ينوب عنهم مع الاحتلال التركي، وإلَّا ما معنى إخلاء القرى الكردية من ساكنيها أثناء الحرب في 2018 قبل وصول جيش الاحتلال ومرتزقته إليها. إن ما فعله هؤلاء يعتَبر سابقة في تاريخ حركات التحرُّر في العالم، إذ أننا لا نجد حركة تحررية في العالم أجبرت شعبها على التخلي عن أرضه وعن مساكنه وممتلكاته. ومما يزيد من قناعتي هو أن في سقوط عفرين سرَّاً لا يُفسَّرُ إلا بتواطؤ بعض المتنفِّذين من هؤلاء مع الاحتلال التركي، وإلَّا ما معنى فرارهم من عفرين قبل عدّة أيام من السقوط في 18. 03. 2023، ومن بقي منهم في عفرين نادوا الشعب، قبل وصول جيش الاحتلال ومرتزقته، من خلال مكبرات الصوت يحثُّونه على مغادرة مدينة عفرين التي اجتمع فيها كل سكان الجبل نتيجة إخلاء القرى، وكرروا النداء مرات عديدة قائلين “من يبقى في عفرين فهو خائن”. أليس غريباً أن يوصَفَ المتمسكون بأرضهم وممتلكاتهم بالخونة؟! 
 يُضاف إلى كل ذلك أنهم لا يعيرون عودة مهجَّري عفرين في مخيَّمات الشهباء إلى قراهم وبلداتهم أي اهتمام، ويكتفون بإخراجهم في مسيرات ومظاهرات تنادي ب”لاحياة من غير القائد”، وهو شعار أو موقف لم نسمع به لدى حركات التحرر في العالم أنْ رجَّحت حياة قائدها على حياة شعبها ومصالحه، ومثال ذلك أن الفيتناميين لم يقدِّموا قائدهم هوشي منة على الشعب الفيتنامي، وقادة شعب جنوب أفريقيا لم يفعلوا ذلك أيضاً، لأن القائد، مهما طالت به الحياة، زائلٌ في يوم من الأيام، والشعب والوطن باقيان. 
والثانية، أقصد المجلس الوطني الكردي في سوريا، الذي كان من المفترض أن يكون بين أبناء عفرين، باعتباره مشاركاً في “الائتلاف الوطني السوري المعارض”، الذي تنتهك ميليشياته شتى أنواع الانتهاكات في عفرين، إلَّا أنه اكتفى بأن يطلَّ بعض قادته على عفرين في أوقات ومناسبات يرسمها ويحدِّدها له الائتلاف. من ذلك مثلاً أن الدكتور عبد الحكيم بشار القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني / سوريا والمجلس الوطني الكردي زار عفرين ليس ضمن وفد من حزبه أو من مجلسه، بل ضمن وفد الائتلاف وعشائره للتهدئة من الغضب الشعبي بعد النوروز الأحمر هذا العام 2023، الذي هبَّت فيه جماهير جبل الكرد ضد الوجود الميليشاوي والاحتلال التركي بعد سقوط أربعة شهداء مساء عيد النوروز بأسلحة المستوطنين والميليشيات. ومن ينظر إلى صورته مع ذلك الوفد مجتمعاً حول مائدة المناسف في عفرين أو جنديرس سيرى ملامح الذُلِّ على وجهه للدلالة على شعوره بأنه لم يكن يملك أمره في مرافقة الوفد، بل كان قد أُجْبِر على ذلك، مما يدُّل على أنه وزملاءه في الائتلاف من قادة المجلس الوطني السوري، أحجار على رقعة الشطرنج يحرِّكهم الائتلاف كما يشاء. تمعَّنوا في صورته أدناه. 
  ومن ذلك أيضاً، إطلالة القيادي في أحد الأحزاب الكردية وفي المجلس الوطني الكردي عبد الله گدو، على عفرين ضمن وفد الائتلاف قبل سنة أو يزيد، فبدل أن يلتقي العفرينيين ويسألهم عن معاناتهم ويطَّلع منهم على الانتهاكات التي تمارسها الميلشيات الإسلامية الراديكالية الإرهابية بحقهم، مضى مع بعض أفرادها وعدد من المستوطنين إلى أحد حقول الزيتون المستولى عليه والتقط معهم صورة للذكرى.
عبد الله گدو مؤشَّر إليه بالسهم الأحمر
وشنَّ هذا السياسي الألمعي هجوماً على كل من ينتقد الائتلاف وميليشياته، في رسالة له نشرها موقع “رابطة الكرد المستقلين” في وقت مضى، استخدم فيها كلمات سوقية ونفى انتهاكات المليشيات في عفرين فقال:”الفصائل المسلحة التي يتبناها الائتلاف الوطني السوري هي فصائل وطنية سورية بغض النظر عما يقترفه بعض أعضائها الشواذ من موبقات مرفوضة بحق أهلنا في عفرين وغيرها، وأنا كعضو في الائتلاف السوري لا يجوز أن أكذب على الناس وأغرِّد خارج الائتلاف إرضاء ومسايرة لبعض الكرد الأميين ثقافياً وسياسياً”. إذاً الاستيلاء على عقارات العفرينيين وبيعها موبقات فردية وليست ممنهجة،  فرض الأتاوات على العفرينيين في مواسمهم الزراعية موبقات فردية وليست ممنهجة، القتل والخطف والسرقة موبقات فردية وليست ممنهجة.ومن ينتقد ذلك فهو أميٌّ لا يفهم الثقافة ولا السياسة، ويعتبرهم أقرب ما يكونون إلى الحيوان، إذ يصفهم بالغرائزية والببغائية فيقول: ” إن هذا الجيش الالكتروني السوقي والغريزي الببغائي الثرثار يتحرَّش بالسياسة قبل أن يتعلَّم اولكتابة”. ورغم أنه اعتذر فيما بعد عن ذلك، إلَّا أن كلماته أحدثت جرحاً في النفوس لن يقدر الاعتذار على تضميده. 
نعم عبد الله گدو ورهطه لا يجوز لهم أن يغرِّدوا خارج الائتلاف، وهذا صحيح، لأنهم فاقدوا الإرادة، يقولون ما يُطلب منهم أن يقولوا، وإلّا، فكيف لهم وله ألَّا يعرف الفرق بين المستعمرات والمستوطنات لغةً واصطلاحاً؟ في برنامج للنافذة الاكترونية ” پيڤ تي. ڤي” مساء الاثنين أو الثلاثاء 6 أو 7. 11. 2023. نفى هذا الألمعي وجود المستوطنات في عفرين، إذ قال ما معناه: ليس هناك مستوطنات في عفرين، بل هي مستعمرات، ولايجوز أن نقف ضدها لأنها ليست في عفرين وحدها، بل في كل المناطق، التي تسيطر عليها ميليشيات الائتلاف. إذا كان لا يجوز لك ولرهطك أن تقفوا ضد وجود المستوطنات (المستعمرات حسب فهمك) في عفرين وغيرها، فما هي مهمتك أيها الألمعي في قيادة منظمة من المفترض أنها تناضل في سبيل حقوق شعبها؟!
هذا الذي لا يميِّز بين المستعمرة والمستوطنة، كيف له أن يصف غيره بالجهل والأمية الثقافية والسياسية ؟! عليه أن يعود إلى المعاجم العربية ليتعلَّم معنى “الاستعمار والمستعمرات، والاستيطان والمستوطنات”. مهما طال أمد الاستعمار ومستعمراته، فهو إلى زوال ذات يوم، وتجارب الشعوب أثبتت ذلك، أما الاستيطان، فهو باقٍ، وإمكانية زواله أو انتهائه شبه معدومة. هذا من جهة.ومن جهة أخرى، لا أعلم إن كان ثمة مستوطنات في أعزاز والباب وجرابلس وغيرها من المناطق السورية التي تحتلها تركيا، ولكنني على علم بعدم وجودها في مدينة رأس العين الكردية، إذ سألت أحد أبناء تلك المنطقة، فنفى لي وجودها، ما يعني أن منطقة جبل الكرد / عفرين، التي بنى فيها ائتلافه وجماعات “الإخوان المسلمين” من قطر والكويت إلى عرب 48 في إسرائيل إلى باكستان بإشراف المخابرات والجيش التركيين ثلاثاً وعشرين مستوطنة على أراضٍ انتزعوها من مالكيهم، أصغرها تَسَعُ مائَتَيْ أسرة من المستقدَمين من المناطق السورية الأخرى عرباً وتركماناً لتوطينهم فيها، لها خصوصيتها في الفكر الطوراني التركي، (سيكون هذا وإجراءات التتريك في هذه المنطقة موضوع مقال آخر)، وهذا ما لا يعرفه قادة المجلس الوطنى الكردي في سوريا ومنهم عبد الله گدو، لأنهم لا يقرأون التاريخ. فكيف لجَهَلَة التاريخ أن يقودوا شعباً وأمة؟!.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…