علي مسلم
دائماً الحروب هي التي تعيد ترتيب الخرائط سياسياً، وذلك وفق إرادة المنتصرين، ومن المرجح أن الحرب في غزة سيكون لها تداعيات مشابهة، وقد تتجاوز في حيثياتها محيط غزة، وهي بمثابة الأسباب غير المباشرة للحرب، فالصراع المباشر على منطقة الشرق الوسط طفا على السطح من جديد، سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق عام 2011، وهذا ساهم إلى حد بعيد في خلخلة التوازن الدولي القائم على أساس تقسيم مناطق النفوذ في الشرقين الأدنى والأوسط، وأفسحت المجال واسعاً أمام الحرس الثوري الإيراني للسطو على المقدرات السياسية في العراق، والولوج إلى الواقع السوري بشكل مباشر، والامتداد فيما بعد إلى لبنان وقطاع غزة عبر الممر البري المباشر الذي يربط طهران بدمشق ولبنان عبر الجنوب السوري، وذلك بالتزامن مع محاولة تعزيز دور ما سمي بمحور الممانعة التي تشكلت قبل ذلك بين كل من إيران وحزب الله وسوريا، هذا المحور الذي تشكل أساساً على أرضية العداء لإسرائيل أولاً ومعارضة النظام الإقليمي التي تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية ثانياً، في الوقت الذي لم يكن لإيران إلا ارتباط طفيف بالمرحلة الأولى من الفوران في سوريا واليمن، غير أنها سعت بالتأكيد إلى الاستفادة من التصدّع المؤسّسي والانشقاقات الطائفية اللاحقة.
وأثارت هذه التطورات فزع إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة التي كانت مخاوفها من تلك المخاطر تتقارب وتتقاطع بصورة مطّردة خلال السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن سلوكيات الدول صاحبة القرار (الولايات المتحدة وروسيا) هي التي عززت التلاحم بين هذه التحالفات الوليدة وحوّلتها إلى ما يشبه الكتل الإقليمية. وقد ساهم التدخّل الروسي العسكري في أيلول 2015 لنصرة نظام الأسد والتي أنتجت هذا الشكل من الشراكة العسكرية مع إيران، وسوريا، وحزب الله.
بالإضافة إلى ذلك ساهمت ثورات الربيع العربي في تركيز الجهود الإيرانية في سوريا، على خلفية الخشية من سيطرة القوى السنية على مفاصل الدولة السورية، لهذا يذهب بعض المحللين إلى أن نتائج الحرب بين إسرائيل وحركة حماس قد لا تنتهي عند حدود غزة، وسيعقبها ترتيبات إقليمية ودولية من شأنها إعادة ترتيب الوضع الإقليمي من جديد، وتقليص دور إيران إقليمياً، إلى جانب مواجهة المد الصيني، والتقليل من شأن الوجود الروسي في سوريا، أما الأسباب المباشرة للحرب فتنحصر في تغيير الوضع السياسي القائم في غزة، وذلك بإنهاء حكم حركة حماس، وتسليم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، ويعتبر هذا الهدف امتداداً لهدف إسقاط المعادلة التي تشكلت بعد نجاح حركة حماس في الانتخابات عام 2006 وسيطرتها على قطاع غزة، على خلفية صراع عسكري بين حركتي فتح وحماس، جرت أحداثه في قطاع غزة بين 10 و15 يونيو 2007. وقد شكلت المعركة ذروة الصراع بين الطرفين، وتركزت بالأساس على الصراع من أجل السلطة، بعد أن فقدتها حركة فتح في الانتخابات البرلمانية لعام 2006، حينها نجح مقاتلو حماس في السيطرة على قطاع غزة والإطاحة بمسؤولي فتح، وأسفرت المعركة عن حل حكومة الوحدة، وتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى كيانين بحكم الأمر الواقع، الضفة الغربية التي خضعت للسلطة الوطنية الفلسطينية، وغزة التي حكمها حماس.
خلاصة القول إن إعادة رسم خارطة الصراع في الشرق الأوسط تندرج ضمن أوليات الحرب في غزة، وذلك في سياق تعزيز مناطق النفوذ والسيطرة، ومن ثم إعادة تشكيل الخارطة السياسية للشرق الأوسط بما يتناسب مع تحالفات وتفاهمات سياسية جديدة، هذا كله يترافق مع الانسداد الكلي في أهم المسارات السياسية في أكثر من ملف: أولها الملف النووي الإيراني، إلى جانب تعثر مسار الحل السياسي في سوريا.