صلاح بدرالدين
مصادر الاحراج
أولا – من حيث المبدأ القضية الفلسطينية في سياقها التاريخي هي مسالة شعب تعرض للانكار والتجاهل، والاحتلال، وحرم من حقه المشروع في تقرير المصير، هذا الشعب والشعب الكردي من جملة من حرما من الحرية والاستقلال بعد الحربين العالميتين،وقد تصدرت حركة التحرر الفلسطينية منذ أواسط ستينات القرن الماضي صفوف قوى التحرر بالمنطقة عبرالتحالف الواسع بين فصائلها الرئيسية في اطار منظمة التحرير بزعامة القائد الراحل ياسر عرفات، وحظيت بتضامن شعوب العالم، ودعم عربي واقليمي ودولي ( من المعسكر الاشتراكي ) منقطع النظير، حتى ظهرت ضمن صفوفها جماعات الإسلام السياسي وذراعها الأقوى – الاخوان المسلمون – وفي قطاع غزة تحديدا التي انقلبت على الشرعية منذ ٢٠٠٥ بقوة السلاح وبدعم غير مرئي من الأوساط الاسرائلية كما تدل الوثائق والقرائن، وفصلت غزة عن الجغرافيا الوطنية والإدارة السياسية الفلسطينية، وتحولت الى طرف في محور الممانعة، وعضوا ناشطا في حركة الاخوان الإقليمية، وفصيلا مسلحا مواليا لطهران وفي خدمة المشروع الإيراني بالمنطقة .
خلال فترة محاولات تغيير الطابع الوطني الديموقراطي للقضية الفلسطينية الى موضوع ديني بحت بقشور شعاراتية وطنجية من جانب حماس وجماعات الاسلام السياسي، والتناغم مع مثيلتها الإسرائيلية بالجانب الاخر ( إسرائيل هي تماذج بين الدين والقومية في طور تشكل الدولة ) نعم من خلال هذا الانتقال الحمساوي الجذري تقلصت قائمة القوى والأطراف الإقليمية والعالمية المؤيدة للقضية الفلسطينية، ونات الغالبية بالنفس عن التورط في تاييد صراعات دينية، ومحاور إقليمية تتزعمها ولاية الفقيه بايران .
ثانيا – الحرب بين من ومن ؟
رسميا أعلنت إسرائيل انها في حالة حرب مع حركة حماس وشريكتها الجهاد في بقعة جغرافية محددة وهي قطاع غزة، كما أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية، ومؤسسات منظمة التحرير انها ملتزمة بالحوار، والمقاومة السلمية لتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني، وفي مناطق نفوذ السلطة تجري احتجاجات واحيانا مواجهات مسلحة بين القوات الاسرائلية المحتلة وبين مجموعات تابعة لحركتي حماس والجهاد بشكل أساسي، ولم تدخل حركة فتح والفصائل الأخرى بالضفة الغربية والقدس رسميا في اعمال العنف .
ثالثا – ذيول وملحقات واهداف الحرب
حركة حماس هي من بدأت الهجوم في السابع من أكتوبر، مخترقة التفاهمات السابقة بينها وبين إسرائيل عبر الوساطة المصرية، او من خلال التفاهم المباشر وغير المباشر مع إسرائيل، وظهرت صورا وفيديوهات تدين مسلحي حماس والجهاد بقتل مئات المدنيين من النساء والعجز والشباب والأطفال، الى جانب تدخل اتباع النظام الإيراني في لبنان، واليمن، والعراق، وسوريا مما تؤكد الشبهات السابقة حول مشاركة نظام ولي الفقيه في التخطيط لعملية حماس بالسابع من أكتوبر، وذلك لاستثمارها في حل مشاكلها المالية مع أمريكا والغرب وليس من اجل حل القضية الفلسطينية .
من جهة أخرى فان حركة حماس لاتخفي طموحاتها في السيطرة على كل فلسطين، والحلول محل السلطة الوطنية الشرعية التي تحظى باعتراف العالم، وتحويل فلسطين الى بؤرة وقاعدة لجماعات الإسلام السياسي، ومنطلقا لمشروع ولاية الفقيه المذهبي – العنصري الذي يهدف أساسا الى السيطرة على كل الشرق الأوسط .
رابعا – المعادلة الراهنة الناتجة عن حرب إسرائيل – حماس بغاية التعقيد وتحرج كل الأطراف، فامريكا ودول الغرب عموما التي تقف الى جانب إسرائيل تعتقد ولاتخفي ان حماية إسرائيل باللحظة الراهنة تقضي بالقضاء العسكري والسياسي على حركة حماس، وتصطدم بالوقت ذاته بالجانب الإنساني وبحقيقة مرة وهي الكم الهائل من ضحايا المدنيين في غزة ذات الكثافة السكانية العالية كثمن الى جانب الاسرى والمختطفين، لتحقيق هدف القضاء على حماس .
خامسا – الدول الإسلامية القريبة والبعيدة بين متناقضات : الالتزامات الدينية والمواقف السياسية السابقة تجاه فلسطين، والتحالفات الدولية مع أمريكا والغرب، والضغوط الشعبية العفوية جراء المشاعر المتعلقة بالجوانب الدينية العاطفية، ثم يسود النفاق وتتوالى المزايدات باعلى الصور .
سادسا – النظام العربي الرسمي وبعيدا عن مظاهر النفاق المعهود يتمنى اليوم قبل الغد إزالة حركة حماس ومثيلاتها الأخرى من على وجه الارض، والتخلص من القضية الفلسطينية، وكل القضايا المشروعة الأخرى مثل قضية الشعب السوري، ثم استكمال المشروع الابراهيمي في إيجاد حل الدولتين، وإعادة الاعتبار للقيادة الشرعية الفلسطينية لتقوم بإدارة دولة فلسطين المرتقبة وتصبح جزء من النظام العربي الرسمي، هذا النظام وبكل مؤسساته الدبلوماسية والإعلامية – يتخبط – في مواقف مزدوجة، ويفعل عكس مايدعي لانه ببساطة غير ديموقراطي، وفاسد يخشى من شعوبها، وترعبه المفاجآت غير المحسوبة .
سابعا – ومن جملة ماافرزتها حرب إسرائيل – حماس من معطيات فكرية – ثقافية مستجدة قد تصلح للتعميم على تجارب الشعوب الأخرى مثل الشعب الكردي هو التناقض العميق المرافق لصراع تناحري لن ينتهي الا بالحسم بين الشعب وقضيته التحررية العادلة من جهة، وبين الحزب المسلح كتنظيم آيديولوجي شمولي عنفي من الجهة الأخرى، – حماس و – ب ك ك كمثال .
أخيرا اتعاطف من القلب مع الكثير من أصدقائي الفلسطينيين من مناضلين، ومفكرين الذين لا حول لهم في مايجري، وليس بمقدورهم تغيير المعادلة – الظالمة – الراهنة التي فرضت على شعبهم، وقضيتهم، ومستقبلهم .