بهزاد عبد الباقي عجمو
رأيت في حياتي والدي يبكي مرتين، وما أصعب أن ترى والدك يبكي، فالمرة الأولى عندما انتكست ثورة أيلول عام 1975 بقيادة البرزاني الخالد، حيث كان جالساً في البيت و بيده مذياع الترانزستور والمذيع ينقل خبر انتكاس الثورة و خبر نزوح البارزاني الخالد مع البيشمركة إلى إيران ووضع المذياع على الأرض ووضع كفيه على وجهه وبدأ يجهش بالبكاء بحرقة و مرارة، والمرة الثانية عندما سمع من المذياع خبر رحيل البارزاني الخالد، حيث لم يكن يعتبر البارزاني مجرد قائد أو زعيم سياسي بل كان يعتبره الأب الروحي وشخصية أسطورية من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تتكرر وكان يتمنى أن يلتقي بهذا الأب الروحي له و يكحل عينيه برؤيته وهو على قيد الحياة رغم أنه حاول، فقد ذهب إلى إقليم كوردستان عام 1973 بقصد لقاء البارزاني الخالد، فقالوا له أن البارزاني يقيم في ” كلالة ” أو ” حاج عمران ” و هما قريتان على حدود روج هلات ولم تكن وسائل النقل متوفرة مثل الآن ولا الطرق معبدة، فعاد و يغمره الحزن والأسى دون أن يحقق حلمه،
هذا الحلم الذي طالما كان يفكر فيه منذ انطلاقة ثورة أيلول في بداية الستينات وحتى آخر يوم في حياته وهو على فراش الموت لأنه كان هناك خيط رفيع يربطهما ببعض من ناحية الشكل على الأقل، فأثناء ثورة أيلول عندما زار شاعرنا الكبير جكرخوين إقليم كوردستان والتقى البارزاني الخالد وعندما عاد، حيث كانت صور البارزاني محظورة وعندما وصل جكرخوين إلى البيت سأله ولداه كسرى وآزاد كيف هو شكل البارزاني ؟ فقال لهما: إنكما تعرفان صديقي عبد الباقي عجمو جيداً هناك شبه كبير بينهما من ناحية الشكل والوجه والطول وهذا ما جعل الرئيس مسعود البارزاني يرتاح و يفرح بلقاء عبد الباقي عجمو وهذا الشعور كان متبادلاً بين الطرفين، حيث بعد النكسة كان أحياناً يتردد الرئيس مسعود البارزاني إلى دمشق فلم يكن عبد الباقي عجمو يترك هذه الفرصة تفلت منه، فكان يسافر مباشرة إلى هناك بقصد لقاء أخيه الروحي مسعود البارزاني حيث كان يريد أن يعوض ما فاته من لقاء البارزاني الخالد حيث كان يرى في شخص الرئيس مسعود البارزاني شخص الرئيس البارزاني الخالد وتعويض ولو جزء من الحلم الذي ضاع وهكذا تكررت اللقاءات بين هذين الشخصين لأنه كان هناك خيط رفيع يشدهما إلى بعضهما البعض حتى أصبح كل منهما يعرف بعضهما جيداً وعندما انطلقت انتفاضة آذار عام 1991 في إقليم كوردستان بعث الرئيس بنداء يطلب فيه من كورد روج آفا الغذاء والدواء فاعتبر عبد الباقي عجمو هذا النداء موجه إليه شخصياً من أخيه الروحي مسعود البارزاني فقدم الدعم المادي بسخاء إلى مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في قامشلو لإرسالها إلى الإقليم ولم يكتفي بذلك بل ذهب إلى المقر وقال لمسؤول المقر أنا سأتكفل لوحدي بتقديم كل المساعدات ولدي من المال ما يكفي وأخرج من جيبه شيكاً ووقع على البياض و قال لمسؤول المقر ضع الرقم الذي يكفيكم، فرد مسؤول المقر لن آخذ الشيك فلقد قدمت الكثير حتى الآن ولقد قلت لكل الأحزاب في روج آفا لسنا بحاجة إلى مساعدة أحدكم ما دام يوجد شخص في روج آفا مثل عبدالباقي عجمو وإن احتجنا لشيء فسنأخذه منه.
و بعد أن انتصرت الانتفاضة وصلت أخبار هذه الشخصية الوطنية إلى الرئيس مسعود البارزاني فأراد أن يكافئه على مواقفه وكان على دراية بهذه الشخصية من خلال اللقاءات العديدة التي جرت بينهما سواء في دمشق أو قامشلو، فاستنتج بحنكته و حكمته أن هذا الشخص له شخصية فارس شهم فلو قدم له مال الدنيا كلها لن يأخذه، لأنه اعتاد أن يعطي لا أن يأخذ لذا توصل الرئيس إلى قرار حكيم بأن الفرسان لا يقبلون هدايا سوى السلاح، لأن السلاح هو أغلى ما يملكه الفارس، لذلك أرسل إليه هدية وهي عبارة عن بندقية آلية حديثة وعندما استلم عبد الباقي عجمو البندقية وهي من نجل البارزاني الخالد فكأنما ملك الدنيا، وبعد الانتفاضة زار الرئيس مرة أخرى مدينة دمشق فلم يتمالك عبد الباقي عجمو نفسه رغم مرضه الشديد وهو يسير على عكازه، فاستقل الطائرة و سافر إلى دمشق للقاء أخيه فاستقبله بحفاوة وصافحه بحرارة ثم جلسا على الاريكة وهنا قال عبد الباقي عجمو موجهاً كلامه لأخيه الرئيس: ” كاك أنت مرن جداً ” فابتسم الرئيس وقال: ” يظل دائماً عمل الخير أفضل من الشر ” لقد كان عبد الباقي عجمو يريد أن تكون مواقف الرئيس فيها نوع من الشدة والحزم و الصرامة مع الأعداء من العرب والترك والفرس والمرتدين والمرتزقة من الكرد،
وكان يقصد أيضاً أن يرى في شخص الرئيس نسخة طبق الأصل عن شخصية البارزاني الخالد بهيبته، هنا عرف الرئيس بحكمته وحنكته ومعرفته بشخصية محدثه بأن هذه الشخصية التي أمامه تتمتع بصفات شخصية الفرسان و أن الفرسان يعتقدون بأن السيف هو الكفيل بحل كل الأمور والقضايا والاشكالات، ولكن الرئيس يرى بأنه يجب التحلي بالحكمة والموعظة الحسنة لأنه من الصعب مجابهة هذا العدد الهائل من الأعداء بغير الحكمة في حين لا يوجد أصدقاء أوفياء للكرد سوى جبالهم كما يقول البارزاني الخالد.