صلاح بدرالدين
هناك تجارب سابقة لحركات الشعوب المناضلة من اجل التحر القومي، والوطني في مختلف مناطق المعمورة، في مجال دعم عوامل الصمود الشعبي، وتوفير مستلزمات احياء وتطوير الثقافة القومية، والعيش الكريم للمناضلين القدامى، والمبدعين في مختلف أنواع الفنون .
ماذا عن الحركة القومية الكردية ؟
التقسيم الواقعي الراهن لتوزع الكرد بين أربعة بلدان، وقيام حركاتهم السياسية في كل جزء بخصوصيات مميزة لم تمنع تنامي العوامل القومية – الثقافية المتكاملة والمتبادلة، وتاثر كل جزء بالجزء الاخر سلبا وايجابا، حيث تبقى أواصر التاريخ، واللغة، والإرادة، والتفاعل الإنساني، والمشاركة في الأهداف والاحلام المشروعة السائدة والمؤثرة في جميع الظروف والاحوال .
منذ بدايات القرن التاسع عشر نشات الحركة القومية الكردية كما الشعوب المجاورة الأخرى موحدة، ومركزية، وشاملة لكل الأجزاء ( الجزءان العثماني والصفوي ثم الأجزاء الأربعة بعد سايكس – بيكو )، وحتى مابعد تكريس التقسيم الرباعي، وقيام أحزاب قومية في كل جزء استمرت ارادة التواصل، والتعاطف، والتفاعل وباشكال مختلفة ولو انها لم تخضع لمحددات مشتركة، وسوية واحدة .
ماذا تقدم الحركات الكردية الميسورة من اجل الصمود القومي والوطني ؟
على الصعيد الكردي السوري ومنذ نحو عشرة أعوام تستاثر مجموعات – ب ك ك – بمختلف تسمياتها ( ب ي د – الإدارة الذاتية – قسد – وووو) بميزانية مالية عالية من عائدات النفط والغاز، والمعابر، والتجارة الداخلية والخارجية، ودعم التحالف، وبالرغم من عدم الشفافية الا ان المعلومات المتوفرة تؤكد على ان ميزانية الإدارة الذاتية تبلغ في عام ٢٠٢٢ اكثر من ( ١٧١ ) مليون دولار شهريا، ( وبحسب اعتراف مسؤول مالي سابق متواري عن الأنظار ) ان ميزانية – مظلوم عبدي – وحده تبلغ – ٤٠ – مليون دولار شهريا، ويمكن لاي واحد احتساب المبلغ في عشرة أعوام، ومقدار١٪ من مجموع المبلغ والذي لو خصص للجانب القومي والثقافي في المجالات التالية : ١ – الصرف على المراكز، والجمعيات، والروابط الثقافية، ٢ – طبع وتوزيع انتاج واعمال الكتاب والمثقفين الذين لايملكون قدرة الانفاق وتتكدس لديهم المخطوطات، ٣ – تقديم الدعم المستمر للمناضلين القدامى، ٤ – رعاية المثقفين من المرضى وذوي العاهات من الفئات الفقيرة، ٥ – إقامة المهرجانات الثقافية، والمؤتمرات العلمية باشراف هيئات مستقلة غير خاضعة للأحزاب .
قد يقول قائل ولكن – ب ي د – يعلن انه ليس حزبا قوميا ولا علاقة له بالشان القومي، والجواب نعم ولكن مازالت هناك ازدواجية، ومواقف متناقضة بهذا الخصوص، وليعلنوا رسميا ببيان ( وليس بتصريحات صحفية فردية ) حول الموقف النهائي حينها يمكن الحكم، وفي جميع الأحوال حتى لو لم يكن حزبا كرديا فانه يتصرف بخيرات المنطقة الكردية من دون تخويل شعبي .
إقليم كردستان العراق
هناك مطالبات قديمة من قيادة إقليم كردستان العراق لتخصيص جزء من الميزانية للجانب القومي، وانني شخصيا قدمت اكثر من مذكرة خطية للاخوة في قيادة الإقليم بهذا الشأن، وكما هو معلوم ومنذ سقوط الدكتاتورية، وبموجب مواد الدستور حصة الإقليم من الناتج الوطني العام ١٧٪ رسميا، وقد تتقلص النسبة او ترتفع حسب مواقف الحكومات العراقية الاتحادية السياسية ببغداد، ولكن بالمحصلة الأخيرة فقد وافق البرلمان العراقي على ميزانية 2023 وتبلغ 198.9 تريليون دينار (153 ) مليار دولار ومنها ١٢٪ على اقل تقدير لإقليم كردستان، فاذا اضفنا ناتج ال ١٪ من هذه المبالغ الطائلة في أربيل، الى مجموع الناتج من ١٪ في ميزانية ( الإدارة الذاتية ) في القامشلي وفي غضون عقود واعوام فسنكون امام مبلغ هائل يكفي حتى لبناء دول ولا أقول اكثر من ذلك .
قد يقول قائل آخر بان هذه الأحزاب – وكذلك جميع الأحزاب القومية الكردستانية والكردية – لاتنص مناهجها، ونظمها الداخلية على اية بنود تلتزم بالواجبات القومية، ودعم الحركات الكردية الأخرى، والجواب : هذا مفهوم ولكن فلتقطع هذه الأحزاب الصلة – العلنية وغير المرئية – نهائيا بتلك الاصطفافات الحزبية الموالية لهذا الطرف اوذاك حينها لن يكون هناك عتاب او حساب .
كيف تصرفنا نحن بالاتحاد الشعبي بهذا المجال ؟
في هذا المجال يجب الكشف عن كيف كانت تتصرف قيادة ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) منذ ١٩٦٥ وحتى نهاية الثمانينات اقصد في مايتعلق بالالتزامات القومية، فمن ضمن حصة منظمة الحزب بلبنان من ميزانية الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط، وكانت متواضعة جدا جدا لاتقاس ابدا بالميزانيات الراهنة في القامشلي واربيل، والتي دامت أعواما وكانت المصدر المالي الوحيد كانت تقتطع نسبا أساسية منها في : ١ – الصرف على تشكيل ونشاط وإنتاج رابطة كاوا للثقافة الكردية، ٢ – رعاية الفرق الفولكلورية الفنية، ٣ – الصرف على إيصال أصحاب المنح الدراسية من الوطن الى لبنان ( بلغوا ٣٠٠ ) وتغطية نفقات السفر الى الدول الاشتراكية، ٤ – إيواء وحماية ممثلي ومكاتب الأحزاب الكردستانية ببيروت وهي أحزاب من تركيا، وايران ( حزب عمال كردستان بزعامة الراحل عمر جتن – كوك – تيكوشين – رزكاري – حزبي ديموقراطي كوردستان ايران ) .
ومابعد نكسة الثورة الكردية في كردستان العراق عام ١٩٧٥، وسقوط احد القلاع الرئيسية في الحركة الكردية واجهنا وضعا جديدا، ومرحلة جديدة، حيث بدانا مع عدد من التنظيمات، والتجمعات الجديدة بمحاولة اجراء مراجعة بالعمق، وإيجاد البديل المناسب، والاستمرار في النضال، وقد طلبت حينها من الراحل ياسر عرفات كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية دعمنا في مواصلة عملنا وللتاريخ استجاب لتمنياتنا وتمت تغطية الجانب – اللوجستي – على الأقل، والتام شمل مجموعة من الأحزاب، والمنظمات ومنها : ١ – حزبنا الاتحاد الشعبي، ٢ – حزب عمال كردستان تركيا – عمر جتن، ٣ – حركة كوك – تركيا دارا بلك، ٤ – الحزب الاشتراكي الكردستاني – العراق د محمود عثمان وعدنان المفتي، ٥ – حزب كازيك – العراق الراحل آزاد، ٦ – العمل الكردستاني المستقل – ايران امير قازي، والتقينا مرارا في : برلين، ودريسدن، والدانمارك، والسويد، وتوافقنا على العديد من التوجهات الفكرية والسياسية على طريق إعادة بناء الحركة، ومواصلة النضال، وهناك كم من الوثائق المتعلقة بتوصيات، ونشاطات ممثلي هذه المكونات .
باسف بالغ لم تتحقق بعد هذه الأمنية الطموحة، المشروعة في التعاون والتضامن حول مشروع ال ١٪، وهناك بعض الأحزاب ( الحاكمة المتمكنة ) اختار طرقا أخرى من منطلقات حزبية وليست قومية، وسلوك دروب ملتوية بهذا الشأن حسب معادلة ( الصرف مقابل الموالاة ) ( والدعم السياسي مقابل التبعية ) .
اوليس هذا الموضوع الاشكالي جزء أساسي من ازمة الحركة القومية الكردية السياسية، والمنهجية، والأخلاقية في بداية القرن ؟