معادلات القوة والخيار بين سلامة الشعب ومصلحة الحزب

صلاح بدرالدين 

  بعد اختراق الجدار العازل بين غزة وإسرائيل من جانب نحو الف من مقاتلي حركة حماس في السابع من الشهر الجاري وقتل المئات واسر العشرات ، بدات إسرائيل ولليوم الخامس على التوالي بقصف مئات الأهداف في مدينة غزة ، والحقت المزيد من الدمار بالبنية التحية ، واطبقت الحصار على القطاع مع قطع الماء والكهرباء ، والتموين ، والاتصالات ، وتجاوزت اعداد الضحايا الالف ومائتين حتى اللحظة وهي بازدياد ، وتتوعد حكومة الحرب الإسرائيلية بالاستمرار ، وعدم التوقف  الا بعد القضاء على حركة حماس ، او رحيلها ، او انكفائها ، والإبقاء على الحصار لحين تحرير الاسرى ، والمختطفين ، مع إبقاء الباب مفتوحا امام احتمالات الاجتياح البري شبه المؤكد لقطاع غزة ، بعد وصول البارجة الحربية الامريكية – جيرالد فورد – الى شواطئ إسرائيل ، وتوجيه الإنذار الى ايران ، وحزب الله بعدم التدخل ، والإبقاء على الهدوء في جبهتي جنوب لبنان والجولان السورية .
  كما يظهر فان مواقف حكومة الطوارئ – حكومة الحرب – الاسرائلية هذه بشان مسار الحرب وأهدافها ، وخططها العسكرية تحظى بدعم كامل من الولايات المتحدة الامريكية ، والدول الغربية الأخرى ، فقد زار وزير الخارجية البريطاني إسرائيل سرا وتجول في مستوطنات غلاف غزة كنوع من الدعم المعنوي ، ووصل وزير الخارجية الأمريكي ، وقبل ذلك صدر عن دول : أمريكا وفرنسا ، وبريطانيا ، والمانيا ، وإيطاليا بيان مشترك ادان حركة حماس ، وتضامن مع دولة إسرائيل ، وتتفق هذه الدول جميعها على ان حركة حماس لاتمثل الفلسطينيين بل تسيئ اليهم ، ولاتختلف من حيث الممارسات عن ارهابيي – داعش – .
     ماذا تختار حماس : امن وسلامة شعب القطاع ام مصلحة الحزب ؟
  لاشك ان غلاة المتطرفين – الاخوانيين – في قيادة حماس وهم بالوقت ذاته من أعوان نظام طهران ، والذين لايسعون الى الحل السلمي للقضية الفلسطينية على أساس حق تقرير المصير ، ويرفضون الاجماع الوطني ، ويعادون المؤسسات الشرعية من منظمة التحرير الى السلطة الفلسطينية ، بل يحملون اجندات محور المقاومة بزعامة ايران ، ويتحركون ليس انطلاقا من مصالح الفلسطينيين ، او أي اعتبار لموازين القوى السائدة ، او الحرص على سلامة الأهالي ، او حسب خطط مدروسة حول الربح والخسارة ، بل في سبيل خدمة المشروع الإيراني بالمنطقة الذي يلاقي الان المقاومة والرفض في اكثر من موقع وخاصة في الساحة السورية ، خاصة وان ايران ومنذ اكثر من عقد هي المانح والممول لحماس وبعض الفصائل المسلحة الأخرى ، نقول من المشكوك فيه ان تنصاع الى خيار العقل والحكمة والمصلحة الفلسطينية العامة  وسلامة مصير المليونين من سكان القطاع ، وباعتبار حماس حركة عقائدية تجسد نهج الاخوان المسلمين ، فانها ستحاول عبر عملياتها العسكرية النوعية التي استحوذت على اعجاب الكثيرين ، إعادة الاعتبار لجماعات الإسلام السياسي وحركات الاخوان التي أخفقت وتراجعت خصوصا في مصر ، وتونس ، وسوريا ، وأفغانستان ، وسائر بلدان المنطقة .
     نماذج في الحالة الكردية بمعادلة القوة والخيار بين امن الشعب وامن الحزب 
  بدأت الاعتداءات التركية على المناطق الكردية السورية منذ ان حط السيد عبد الله اوجلان الرحال في سوريا ضيفا على آل الأسد ، ووصلت الى درجة التهديد بالاجتياح العسكري لمعظم المناطق الكردية السورية الا ان اذعن نظام حافظ الأسد لارادة تركيا بطرد اوجلان ، والعودة الى التفاهم عبر اتفاقية اضنة المعروفة ، وفي المرحلة الثانية التي تبدأ بالتزامن مع اندلاع الثورة السورية ، وعودة النظام و ب ك ك الى اتفاق جديد يقضي بتوافد مسلحي الأخير بالالاف الى المناطق الكردية السورية والتعاون ضد الثورة وفي مواجهة تركيا ، وفي هذه المرحلة ازدادت الاعتداءات التركية بواسطة الطيران الحربي والقصف الصاروخي ، وبتطور الأسلحة الهجومية وظهور الطائرات المسيرة – الدرون – ازدادات الهجمات اضعافا وكانت الأهداف نوعية تستهدف مسؤولي وكوادر جماعات ب ك ك السورية .
  تركيا تصر على مواصلة هجماتها وتضع شروطا لوقفها ومن ابرزها ابتعاد مسلحي جماعات ب ك ك عن الحدود التركية السورية المشتركة لمسافات تتراوح بين ٣٠ الى خمسين كم ، وهذه الجماعات ترفض ذلك بل وتقوم بهجمات أيضا يفسرها المراقبون على انها تهدف الى استحضار العدوان التركي ، ومن المعروف ان البقية الباقية من الأهالي المتواجدين تحت سلطة الامر الواقع تعاني ظروفا صعبة  وتعيش في قلق امني وخوف ، مما أدى الى استمرارية الهجرة والنزوح وافراغ المناطق ، فهل ستسجيب هذه الجماعات لنداءات الأهالي ، وتضحي بمصلحة الحزب من اجل امن وسلامة الشعب ؟ .
  المعادلة نفسها قائمة في كردستان العراق حيث تركيا تهاجم ، وتضرب مادامت قواعد ومسلحو ب ك ك في أراضي كردستان العراق بقنديل والمناطق الأخرى ومنذ نحو أربعة عقود يرفض هذا الحزب نداءات الإقليم الكردستاني والأهالي .
  انها معادلة تطبع شكل المرحلة الراهنة في عدة ساحات من بينها الساحة الكردية : الخيار بين امن الشعب وامن الحزب ………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…