د.
سربست نبي
تقوم العظمة الزائفة والمزعومة للدولة التركية على أوهام عديدة ليس آخرها, الاعتقاد الذاتي, الذي ترسخ في الأذهان طوال قرن تقريباً, بأنها الأمة توأم الشمس.
وبالفعل يروّج الجهاز الأيديولوجي للدولة الطورانية القناعة لدى الجميع بأن الأمة التركية هي من أعرق الأمم, لأنها انبثقت على مسرح التاريخ مع ولادة الشمس, واللغة التركية هي من أقدم اللغات التي نطق بها البشر, ولهذا لن تفنى قط, ولن تغدو مجرد رسم طالما وأن الشمس تشرق ويدور في فلكها الأرض.
إنها الأمة الثابتة ثبات الشمس, وعلى الأمم الأخرى أن تدور حولها حتى تستضيء بنورها, لأنها أصلاً انشقت عنها في البدء.
سربست نبي
تقوم العظمة الزائفة والمزعومة للدولة التركية على أوهام عديدة ليس آخرها, الاعتقاد الذاتي, الذي ترسخ في الأذهان طوال قرن تقريباً, بأنها الأمة توأم الشمس.
وبالفعل يروّج الجهاز الأيديولوجي للدولة الطورانية القناعة لدى الجميع بأن الأمة التركية هي من أعرق الأمم, لأنها انبثقت على مسرح التاريخ مع ولادة الشمس, واللغة التركية هي من أقدم اللغات التي نطق بها البشر, ولهذا لن تفنى قط, ولن تغدو مجرد رسم طالما وأن الشمس تشرق ويدور في فلكها الأرض.
إنها الأمة الثابتة ثبات الشمس, وعلى الأمم الأخرى أن تدور حولها حتى تستضيء بنورها, لأنها أصلاً انشقت عنها في البدء.
وتختزل هذه الديماغوجية القومية بضع شعارات راسخة في الأذهان, تجدها في كل مكان اليوم, مثل( تركيا للأتراك وحدهم) و(كم أنت سعيد لأنك تركي)و ( لامكان لغير الأتراك على هذه الأرض)…الخ وتروّج الثقافة السياسية للأتراك لفكرة أن الترك أعظم أمة ظهرت على مسرح التاريخ, وقد اختارتها الأقدار لسعادة الأمم وللتسيّد عليها.
لايزال الدستور التركي متخماً بمثل تلك الشعارات التي تكرّس من تفوق العنصر التركي بصورة عابرة للتاريخ وبعبارات ميتافيزيقية, مثل (الوطن التركي الخالد) و(الدولة التركية المقدسة) و(الأمة التركية العظيمة). ويتسق هذا الفهم القومي للذات مع حاجتها السياسية والأيديولوجية لتأكيد وجودها بمواجهة الحقائق التاريخية الراسخة وواقع التعددية القومي القائم.
ففي أثناء مناقشة دستور(1961) اعترف رئيس الوزراء آنذاك جمال غورسيل( ذو أصول كوردية) قائلاً: إن تركيا يجب أن تكون موحدة للأتراك وحدهم… وإذا تخلينا عن هذه القناعة, فإنه لن يبقى في تركيا بعد مرور خمسين عام تركي واحد.
إن مثل تلك الأوهام الأيديولوجية وغيرها هي التي تقوّم الوعي القومي التركي, وبها تبرر الدولة القومية بقائها وتسوغ ديمومتها.
وهي تستند إلى تقاليد عريقة وممارسات راسخة من الاضطهاد والإنكار ونفي الآخر.
كتب رئيس الوزراء عصمت إينونو (في الثلاثينات من القرن الفائت)عقب قمع الانتفاضة التي قادها إحسان نوري باشا قائلاً: إن للأمة التركية وحدها الحق في العيش في هذا البلد والمطالبة بحقوق قومية.
وعلّق أحد وزرائه (محمد عزت) بالقول: إن هذا البلد هو وطن الأتراك ومن لم يكن من أصل تركي , فإن له في هذا البلد حقاً واحداً, هو أن يعيش عبداً.
لم تكف المؤسسة الأيديولوجية التركية, إلى يومنا هذا, عن ممارسة سياسات الإنكار بحق الأقليات القومية والدينية, بغرض تتريكها قسّراً, وتدمير خصائصها الثقافية, سواء بالعنف الرمزي أو بالإرهاب المادي.
ولاتزال الدولة التركية تمارس الإرهاب والبطش, بتلك الوحشية التي ورثتها عن السلطة العثمانية, بحق الكورد بصورة مستمرة بهدف محو الوجود الكوردي.
كما ورثت نظرة الاحتقار والدونية ذاتها, التي لاترى في الكوردي في أحسن الأحوال إلا بشراً من الدرجة الثانية.
ولا يزال الإعلان عن النفس في تركيا بأنك كوردي أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وإن أخطر تهمة وأيسرها يمكن أن توجهها العدالة الأتاتوركية اليوم لأي فرد, هي (تشجيع الدعاية الانفصالية) لمجرد الرغبة في تأكيد هويتك الثقافية أو القومية بإزاء سياسة التتريك.
التاريخ التركي هو تاريخ تكريس هيمنة عنصر عرقي واحد وتسلّطه- بالعنف والإكراه والبطش والإرهاب- على حساب التاريخ الحقيقي والواقعي للتنوع الثقافي والقومي الذي كان قائماً خلال ألفي عام مضى, قبل حضور هذا الأخير.
ولاتزال تشغل الذهن التركي فكرة المحو الشامل للوجود الكوردي وسحقه متى ما أتيح له ذلك.
ويشكل العداء للكورد حقيقة وجود الدولة التركية, وستظل تركيا الكمالية بحاجة دائمة إلى القضاء على كل ماهو كوردي وتدميره حتى تحتفظ بثقتها الذاتية وتثبت لنفسها إنها جديرة بالحياة دولة قومية بامتياز.
إن القضاء على التطلع القومي للكورد, في كل زمان ومكان, هو الهاجس المركزي الذي يشغل بال كل سياسي تركي وأيديولوجي.
إنه الرّهاب المستديم الذي يلازم السياسة والأيديولوجية التركيتين أبداً.
وقد حدث بنتيجة الكبت التاريخي الذي مارسه القوميون الطورانيون مع بدايات تأسيس الدولة القومية, بحق القوميات الأخرى, التي كانت ضمن تركة الرجل المريض, لاسيما الكورد والأرمن منهم.
وانطلاقاً من تجربة النشأة القاسية لهذه الدولة, بعد أن استباحت الدول المنتصرة تلك التركة, فقد ورثت الدولة التركية القومية هذا الشعور في ممارساتها السياسية, وقد ترجم هذا الخوف في شكل ممارسات عنيفة وردّات فعل كان من أعراضها التدمير الشامل والتهجير القسري والمذابح بحق الأرمن والكورد, بخاصة في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن المنصرم( شهدت كوردستان تركيا 17 انتفاضة بين الحربين العالميتين, قمعت جميعها بالحديد والنار).
لقد تقاسمت المؤسسة العسكرية التركية, بصفتها الذراع المادي للدولة, جميع تلك الأوهام الأيديولوجية وتشاركت معها في الهواجس العنصرية ذاتها, وقامت على إرث عميق من التفوق العنصري, وتمجيد العنف والقسوة بحق الآخرين, وتقديس الممارسات البربرية.
فقد بلغت الصلفة الأيديولوجية والعنجهية العسكريتارية مبلغاً حدا بإحدى الصحف التركية إلى القول أثناء ثورة 1925: إن المشكلة الكوردية تتلاشى في أية منطقة تصلها حراب الجيش التركي..
ثمة توتر شوفيني دائم, إذن, يقبع خلف سياسة الدولة التركية, مصدره عدم الأمان والقلق المستمر من كل ماهو كوردي, بشرياً وثقافياً وسياسياً.
وتحت وطأة هذا الخوف المباشر,الذي يطاردها كظلها في كل آن, وبهدف التخلص منه, عمدت الدولة الطورانية إلى التسلط والعدوان بحق الكورد في كوردستان تركيا, وإلى تصدير أزمتها الذاتية خارجاً مرة بغزو قبرص- قامت القوات التركية في تموز 1974 بغزو قبرص واحتلت شمالها الذي يشكل037/0 من أراضيها, وعمدت إلى التهجير القسري لحوالي 100ألف يوناني بطريقة بربرية, وأقامت هناك جمهورية تركية مسخة لأقليتها العرقية- وأخرى باجتياح كوردستان العراق- اجتاحت القوات التركية 24مرة كوردستان العراق خلال العقدين والنصف الأخيرين- أو التحرش بجاراتها اليونان, بلغاريا…الخ
تفصح ممارسات الدولة التركية عن خبراتها السياسية القاصرة في مواقف تتعلق, بصورة مباشرة أو غير مباشرة, بالكورد والقضية الكوردية, وتظهر معها خللاً فاضحاً ولامنطقياً في ادعاءاتها, التي تصل حدّ الهذيان الشوفيني على لسان ساستها, تعجز معها عن الاستمرار دون الوقوع في مفارقات مثيرة للسخط والاشمئزاز, لأنها عاجزة أصلاً عن إيجاد حل حقيقي لمشكلتها الداخلية, وهي دون القدرة على إزالة السبب الحقيقي لهذا الرّهاب, الذي يقض مضاجعها, ونعني المسألة الكوردية في كوردستان الشمالية.
ومن هذا القبيل دعوة البعض من صقور السياسة الطورانية أخيراً بعنجهية فائقة وطيش إلى جلب الزعيمين الكورديين, الطالباني والبارزاني, مكبلين بالأغلال وإلقائهما في زنزانة إلى جانب عبد الله أوجلان.
ليس ثمة ضير من معاودة التأكيد, إن أي تقسيم للعراق, ينبغي رفضه, لا من منطلق المداهنات الأخلاقية المجردة, وإنما من واقع المصلحة القومية للكورد ومستقبل قضيتهم في المنطقة.
وهذا ما تدركه جيداً القيادة الكوردية, قد عززت من هذا الاتجاه في مواقفها المعلنة, من منطلق أن العراق الجديد هو الذي تعاقد على بنائه باختيار حرّ, سواء بسواء, الكورد والعرب معاً, دون إكراه أو إرغام أو إلحاق قسري.
إن عراقاً قوياً يتكافأ فيه الكورد والعرب والبقية من القوميات, في الحقوق والواجبات والأدوار, هو أفضل للمصلحة القومية بما لايقارن من كوردستان ضعيفة وهشّة في الوقت الراهن, وتتهددها على الدوام الرغبات غير الطيبة لدول الجوار, ومعرضة للاغتصاب في كل آن.
إن عراقاً عادلاً وديموقراطياً, يتعزز فيه دور الكورد, سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, ويترسخ, وهذا شرط لا غنى عنه, يحتمل أن يكون في المستقبل القريب قاعدة صلبة للحركة القومية الكوردستانية.
وهذا ما ترْقَبه تركيا بوجل وتخشاه, وتحاول جهد المستطاع أن تنسف إمكانات تحققه.
لقد تساءل الرئيس البارزاني أخيراً, ببداهة حديثه المعهودة ووضحه, في سياق لقاء معه (صحيفة ملليت التركية) قائلاً:(كيف نفسر عداء تركيا لكوردستان العراق؟؟ ربما لأننا المشكلة الحقيقية لأنقرة, وليس حزب العمال الكوردستاني..).
إن ما لايفصح عنه القادة الأتراك في تهويلاتهم السياسية يقبع هنا, وعليه فإن الإجابة المتوقعة, التي يتعين عليهم الجهر بها, تبدو غير ضرورية بالنسبة إلينا.
إن حالة الخوف المستمر والمزمن, الذي يعتري سياسات الدولة الطورانية, إزاء المتغيرات, التي تهدد حياتها بالخطر, كما تتوهم تركيا وساستها, يدفع الجميع إلى الطيش والرعونة في قراراتهم, وإلى سلوكيات قهرية.
ومن هذا القبيل تصريح رئيس الوزراء أردوغان, بأنه سيقف ضد دولة كوردستان, حتى لو نشأت في الأرجنتين.
وتلكم ليست سوى وسائل ذاتية, تصدرها الذات خارجاً, وتسقطها على الآخر.
إنها ردّة فعل تعكس فشلها الداخلي المزمن في حلّ القضية القومية للكورد في تركيا حلّاً واقعياً.
فهل من المنطقي أن تجد حلّها خارجاً بالجنوح إلى مغامرة ما؟؟هذا هو الحل الذي يتسلّط على عقول الساسة الأتراك وقادتهم في الوقت الراهن..
باتت الأيديولوجية الطورانية- الكمالية تعاني اليوم تصلّباً بيّناً في شرايين أفكارها.
التي لم تعد تستجيب لروح العصر ومنطقه.
والساسة الترك يضعون أنفسهم بمواجهة التاريخ والواقع ويصارعون روح العصر حينما يتشبثون بذهن أيديولوجي ينكر التواصل مع الآخر والاعتراف به, ويستخف بوجوده من موقع القوة المطلقة والرغبة بالتفوق والسيطرة عليه والاستبداد بمصيره.
إنها أيديولوجية القهر العرقي والاضطهاد والتعصب, التي تختزل المعرفة والحكمة في القوة, وتضع الإرادة الذاتية اللامعقولة بمواجهة التاريخ.
لايزال الدستور التركي متخماً بمثل تلك الشعارات التي تكرّس من تفوق العنصر التركي بصورة عابرة للتاريخ وبعبارات ميتافيزيقية, مثل (الوطن التركي الخالد) و(الدولة التركية المقدسة) و(الأمة التركية العظيمة). ويتسق هذا الفهم القومي للذات مع حاجتها السياسية والأيديولوجية لتأكيد وجودها بمواجهة الحقائق التاريخية الراسخة وواقع التعددية القومي القائم.
ففي أثناء مناقشة دستور(1961) اعترف رئيس الوزراء آنذاك جمال غورسيل( ذو أصول كوردية) قائلاً: إن تركيا يجب أن تكون موحدة للأتراك وحدهم… وإذا تخلينا عن هذه القناعة, فإنه لن يبقى في تركيا بعد مرور خمسين عام تركي واحد.
إن مثل تلك الأوهام الأيديولوجية وغيرها هي التي تقوّم الوعي القومي التركي, وبها تبرر الدولة القومية بقائها وتسوغ ديمومتها.
وهي تستند إلى تقاليد عريقة وممارسات راسخة من الاضطهاد والإنكار ونفي الآخر.
كتب رئيس الوزراء عصمت إينونو (في الثلاثينات من القرن الفائت)عقب قمع الانتفاضة التي قادها إحسان نوري باشا قائلاً: إن للأمة التركية وحدها الحق في العيش في هذا البلد والمطالبة بحقوق قومية.
وعلّق أحد وزرائه (محمد عزت) بالقول: إن هذا البلد هو وطن الأتراك ومن لم يكن من أصل تركي , فإن له في هذا البلد حقاً واحداً, هو أن يعيش عبداً.
لم تكف المؤسسة الأيديولوجية التركية, إلى يومنا هذا, عن ممارسة سياسات الإنكار بحق الأقليات القومية والدينية, بغرض تتريكها قسّراً, وتدمير خصائصها الثقافية, سواء بالعنف الرمزي أو بالإرهاب المادي.
ولاتزال الدولة التركية تمارس الإرهاب والبطش, بتلك الوحشية التي ورثتها عن السلطة العثمانية, بحق الكورد بصورة مستمرة بهدف محو الوجود الكوردي.
كما ورثت نظرة الاحتقار والدونية ذاتها, التي لاترى في الكوردي في أحسن الأحوال إلا بشراً من الدرجة الثانية.
ولا يزال الإعلان عن النفس في تركيا بأنك كوردي أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وإن أخطر تهمة وأيسرها يمكن أن توجهها العدالة الأتاتوركية اليوم لأي فرد, هي (تشجيع الدعاية الانفصالية) لمجرد الرغبة في تأكيد هويتك الثقافية أو القومية بإزاء سياسة التتريك.
التاريخ التركي هو تاريخ تكريس هيمنة عنصر عرقي واحد وتسلّطه- بالعنف والإكراه والبطش والإرهاب- على حساب التاريخ الحقيقي والواقعي للتنوع الثقافي والقومي الذي كان قائماً خلال ألفي عام مضى, قبل حضور هذا الأخير.
ولاتزال تشغل الذهن التركي فكرة المحو الشامل للوجود الكوردي وسحقه متى ما أتيح له ذلك.
ويشكل العداء للكورد حقيقة وجود الدولة التركية, وستظل تركيا الكمالية بحاجة دائمة إلى القضاء على كل ماهو كوردي وتدميره حتى تحتفظ بثقتها الذاتية وتثبت لنفسها إنها جديرة بالحياة دولة قومية بامتياز.
إن القضاء على التطلع القومي للكورد, في كل زمان ومكان, هو الهاجس المركزي الذي يشغل بال كل سياسي تركي وأيديولوجي.
إنه الرّهاب المستديم الذي يلازم السياسة والأيديولوجية التركيتين أبداً.
وقد حدث بنتيجة الكبت التاريخي الذي مارسه القوميون الطورانيون مع بدايات تأسيس الدولة القومية, بحق القوميات الأخرى, التي كانت ضمن تركة الرجل المريض, لاسيما الكورد والأرمن منهم.
وانطلاقاً من تجربة النشأة القاسية لهذه الدولة, بعد أن استباحت الدول المنتصرة تلك التركة, فقد ورثت الدولة التركية القومية هذا الشعور في ممارساتها السياسية, وقد ترجم هذا الخوف في شكل ممارسات عنيفة وردّات فعل كان من أعراضها التدمير الشامل والتهجير القسري والمذابح بحق الأرمن والكورد, بخاصة في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن المنصرم( شهدت كوردستان تركيا 17 انتفاضة بين الحربين العالميتين, قمعت جميعها بالحديد والنار).
لقد تقاسمت المؤسسة العسكرية التركية, بصفتها الذراع المادي للدولة, جميع تلك الأوهام الأيديولوجية وتشاركت معها في الهواجس العنصرية ذاتها, وقامت على إرث عميق من التفوق العنصري, وتمجيد العنف والقسوة بحق الآخرين, وتقديس الممارسات البربرية.
فقد بلغت الصلفة الأيديولوجية والعنجهية العسكريتارية مبلغاً حدا بإحدى الصحف التركية إلى القول أثناء ثورة 1925: إن المشكلة الكوردية تتلاشى في أية منطقة تصلها حراب الجيش التركي..
ثمة توتر شوفيني دائم, إذن, يقبع خلف سياسة الدولة التركية, مصدره عدم الأمان والقلق المستمر من كل ماهو كوردي, بشرياً وثقافياً وسياسياً.
وتحت وطأة هذا الخوف المباشر,الذي يطاردها كظلها في كل آن, وبهدف التخلص منه, عمدت الدولة الطورانية إلى التسلط والعدوان بحق الكورد في كوردستان تركيا, وإلى تصدير أزمتها الذاتية خارجاً مرة بغزو قبرص- قامت القوات التركية في تموز 1974 بغزو قبرص واحتلت شمالها الذي يشكل037/0 من أراضيها, وعمدت إلى التهجير القسري لحوالي 100ألف يوناني بطريقة بربرية, وأقامت هناك جمهورية تركية مسخة لأقليتها العرقية- وأخرى باجتياح كوردستان العراق- اجتاحت القوات التركية 24مرة كوردستان العراق خلال العقدين والنصف الأخيرين- أو التحرش بجاراتها اليونان, بلغاريا…الخ
تفصح ممارسات الدولة التركية عن خبراتها السياسية القاصرة في مواقف تتعلق, بصورة مباشرة أو غير مباشرة, بالكورد والقضية الكوردية, وتظهر معها خللاً فاضحاً ولامنطقياً في ادعاءاتها, التي تصل حدّ الهذيان الشوفيني على لسان ساستها, تعجز معها عن الاستمرار دون الوقوع في مفارقات مثيرة للسخط والاشمئزاز, لأنها عاجزة أصلاً عن إيجاد حل حقيقي لمشكلتها الداخلية, وهي دون القدرة على إزالة السبب الحقيقي لهذا الرّهاب, الذي يقض مضاجعها, ونعني المسألة الكوردية في كوردستان الشمالية.
ومن هذا القبيل دعوة البعض من صقور السياسة الطورانية أخيراً بعنجهية فائقة وطيش إلى جلب الزعيمين الكورديين, الطالباني والبارزاني, مكبلين بالأغلال وإلقائهما في زنزانة إلى جانب عبد الله أوجلان.
ليس ثمة ضير من معاودة التأكيد, إن أي تقسيم للعراق, ينبغي رفضه, لا من منطلق المداهنات الأخلاقية المجردة, وإنما من واقع المصلحة القومية للكورد ومستقبل قضيتهم في المنطقة.
وهذا ما تدركه جيداً القيادة الكوردية, قد عززت من هذا الاتجاه في مواقفها المعلنة, من منطلق أن العراق الجديد هو الذي تعاقد على بنائه باختيار حرّ, سواء بسواء, الكورد والعرب معاً, دون إكراه أو إرغام أو إلحاق قسري.
إن عراقاً قوياً يتكافأ فيه الكورد والعرب والبقية من القوميات, في الحقوق والواجبات والأدوار, هو أفضل للمصلحة القومية بما لايقارن من كوردستان ضعيفة وهشّة في الوقت الراهن, وتتهددها على الدوام الرغبات غير الطيبة لدول الجوار, ومعرضة للاغتصاب في كل آن.
إن عراقاً عادلاً وديموقراطياً, يتعزز فيه دور الكورد, سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, ويترسخ, وهذا شرط لا غنى عنه, يحتمل أن يكون في المستقبل القريب قاعدة صلبة للحركة القومية الكوردستانية.
وهذا ما ترْقَبه تركيا بوجل وتخشاه, وتحاول جهد المستطاع أن تنسف إمكانات تحققه.
لقد تساءل الرئيس البارزاني أخيراً, ببداهة حديثه المعهودة ووضحه, في سياق لقاء معه (صحيفة ملليت التركية) قائلاً:(كيف نفسر عداء تركيا لكوردستان العراق؟؟ ربما لأننا المشكلة الحقيقية لأنقرة, وليس حزب العمال الكوردستاني..).
إن ما لايفصح عنه القادة الأتراك في تهويلاتهم السياسية يقبع هنا, وعليه فإن الإجابة المتوقعة, التي يتعين عليهم الجهر بها, تبدو غير ضرورية بالنسبة إلينا.
إن حالة الخوف المستمر والمزمن, الذي يعتري سياسات الدولة الطورانية, إزاء المتغيرات, التي تهدد حياتها بالخطر, كما تتوهم تركيا وساستها, يدفع الجميع إلى الطيش والرعونة في قراراتهم, وإلى سلوكيات قهرية.
ومن هذا القبيل تصريح رئيس الوزراء أردوغان, بأنه سيقف ضد دولة كوردستان, حتى لو نشأت في الأرجنتين.
وتلكم ليست سوى وسائل ذاتية, تصدرها الذات خارجاً, وتسقطها على الآخر.
إنها ردّة فعل تعكس فشلها الداخلي المزمن في حلّ القضية القومية للكورد في تركيا حلّاً واقعياً.
فهل من المنطقي أن تجد حلّها خارجاً بالجنوح إلى مغامرة ما؟؟هذا هو الحل الذي يتسلّط على عقول الساسة الأتراك وقادتهم في الوقت الراهن..
باتت الأيديولوجية الطورانية- الكمالية تعاني اليوم تصلّباً بيّناً في شرايين أفكارها.
التي لم تعد تستجيب لروح العصر ومنطقه.
والساسة الترك يضعون أنفسهم بمواجهة التاريخ والواقع ويصارعون روح العصر حينما يتشبثون بذهن أيديولوجي ينكر التواصل مع الآخر والاعتراف به, ويستخف بوجوده من موقع القوة المطلقة والرغبة بالتفوق والسيطرة عليه والاستبداد بمصيره.
إنها أيديولوجية القهر العرقي والاضطهاد والتعصب, التي تختزل المعرفة والحكمة في القوة, وتضع الإرادة الذاتية اللامعقولة بمواجهة التاريخ.
لقد حشرت تركيا نفسها في الزاوية بصورة كلية, وعوضاً عن أن ينجح حصارها للإقليم الكردي بالجيوش والتهديد والوعيد, فقد حاصرت نفسها بمخاوفها وأوهامها الأيديولوجية المضادة للتاريخ.
وفرضت على نفسها عزلة قاتلة لن تتمكن من الفكاك منه مالم تتخلى عن الأوهام القومية الراسخة في العقل السياسي التركي, والتي تعتبرها بمثابة وصايا السماء المقدسة بالنسبة لها.
إنها بحاجة إلى قفزة مميتة للتحرر من ذاتها ومن وضعها التاريخي المكرّس, ومن فوق الحواجز التي وضعتها لنفسها, وهي ألا تكون دولة للعنصر التركي فحسب, وإنما للجميع, وفي هذا موتها وحريتها, الذي يعني, بعبارة واحدة, ألا تكون دول قومية تركية فقط.
فهل تتوصل إلى ممارسة ذلك؟؟؟
وفرضت على نفسها عزلة قاتلة لن تتمكن من الفكاك منه مالم تتخلى عن الأوهام القومية الراسخة في العقل السياسي التركي, والتي تعتبرها بمثابة وصايا السماء المقدسة بالنسبة لها.
إنها بحاجة إلى قفزة مميتة للتحرر من ذاتها ومن وضعها التاريخي المكرّس, ومن فوق الحواجز التي وضعتها لنفسها, وهي ألا تكون دولة للعنصر التركي فحسب, وإنما للجميع, وفي هذا موتها وحريتها, الذي يعني, بعبارة واحدة, ألا تكون دول قومية تركية فقط.
فهل تتوصل إلى ممارسة ذلك؟؟؟