قيادة كردستان العراق والنظام السوري والكرد والثورة ( قراءة تحليلية من يومياتي )

صلاح بدرالدين

      اتفاق الحزبين الحليفين ( الديموقراطي الكردستاني والوطني الكردستاني ) بتخويل السيد الطالباني في التعاطي مع الملف الكردي السوري جاء بناء على طلب الأخير بالحاح كما تردد منذ بداية الأزمة السورية في ظروف شهدت الضغط الايراني ورغبة الحكومة المركزية ببغداد لدفع قيادة اقليم كردستان نحو دعم النظام السوري حيث علاقات الطالباني وحزبه ودية في الجانبين السياسي والاقتصادي والتجارة مزدهرة بين السليمانية ودمشق وخاصة منذ افتتاح المطار والخطوط الجوية وهناك علاقات قديمة بين قيادة الحزبين الرئيسيين الحاكمين  من جهة وعائلة الأسد من جهة أخرى تعود الى سنوات قيام ونشاط المعارضة العراقية واقامة العديد من القيادات الكردية العراقية في سوريا وافتتاح مكاتب للأحزاب الكردية هناك ، وجاءت المبادرة من جانب الطالباني لتشكيل – المجلس الوطني الكردي – من خلال عقد اجتماع علني بعلم السلطات ورضاهم في مدينة القامشلي ( أكتوبر ٢٠١١ ) من عشرة أحزاب كردية سورية بتنسيق مباشر مع السلطات السورية ( مكتبي الجنرالين آصف شوكت ومحمد ناصيف تحديدا ) أساسا كاستجابة لطلب ايراني ملح مشوب بالتهديد للقيادة الكردستانية لتقديم أوجه من المساعدة المالية والدعم السياسي لنظام الأسد من ضمنها عبور شحنات أسلحة وذخيرة واستخدام نفوذها  لتهدئة الكرد السوريين باتجاه اما تأييد النظام أو التحييد والابتعاد عن الثورة السورية 
وقد حققت مبادرة الطالباني تنفيذ وعد قديم كان قدمها للرئيس الأسد خلال زيارته الى سوريا في بداية العام الفائت ( زيارة القرداحة ) عشية نشوب الانتفاضة السورية بالعمل على تامين دعم واسناد الكرد السوريين للنظام الحاكم كما قدم الطالباني بنفس السياق خدمة أخرى لنظام الأسد عندما اقترح على دمشق باعادة فتح القنوات مع حزب العمال الكردستاني ومهد للقاءات في السليمانية بين مسؤولين أمنيين سوريين كبار من جهة وبين قيادة العمال الكردستاني من جهة أخرى نتج عنها اتفاقا جديدا من بين بنوده عودة قيادة التنظيم السوري ل ب ك ك الذين تزايدت أعدادهم ووصلت حتى تسجيل هذه الملاحظة الى الألفين ووجهتهم الأساسية جبل الأكراد في محافظة حلب بمحاذاة الحدود السورية التركية المشتركة .
                                                            *
     المبادرة تجاه الكرد السوريين وتطبيقها العملي في عقد مؤتمر مجموعة من الأحزاب بالقامشلي والاعلان عن المجلس الوطني الكردي من حيث المبدأ وبغض النظر عن حيثياتها ومراميها جاءت واستمرت ملبية مصالح الاقليم في الطموح الى المشاركة الى جانب القوى الاقليمية مثل تركيا وايران وحكومة بغداد في ادارة الملف السوري وهو طموح مشروع من الوجهة السياسية واستثمار ذلك – باسلوب من عدم الوضوح السياسي لبسط نفوذه وتوسيع مصالحه مع نظام الاسد ان بقي وبديله ان سقط ويظهر ذلك جليا في الخطاب السياسي لقادة الاقليم الكردستاني عندما يعلنون سنقف الى جانب من يعترف ويثبت حقوق الكرد السوريين والتقاسم الوظيفي مع أدوار القوى المعنية بالملف السوري امريكا واوروبا وتركيا خصوصا أنهم أخبروا القوى المعنية عن تعاطيهم مع مسألة الكرد السوريين ونيتهم في الاجتماع مع ممثلين عن احزاب كردية سورية في أربيل .
                                                         *
      المأخذ الأول والرئيسي على مجمل موقف الاقليم من القضية السورية وبضمنها الكرد هو تجاهل أن أي تغيير في سوريا سيكون مفيدا بل أن اسقاط هذا النظام الشوفيني لمصلحة الكرد قبل أن يكون لمصلحة سائر السوريين فالنظام الأسدي ( الأب والابن ) هو المسؤول عن محنة الشعب الكردي وفي عهده تعرض الكرد أكثر الى الاضطهاد والاقصاء والتعريب وحتى القتل لذلك لايجوز التردد ازاء عملية تغيير النظام والثورة عليه وأشقاؤنا في الاقليم وبحسب تجربتهم الغنية يدركون الحاجة للديموقراطية في حل المسألة الكردية ثم أنهم كانوا في طليعة المعارضة العراقية ومن دون شروط مسبقة أو تردد طيلة عقود وعليهم تطبيق المعادلة ذاتها على الحالة السورية والكرد من ضمنها .
                                                           *
    كان القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني سكرتير الحزب السيد فاضل ميراني أكثر وضوحا في تفسير الموقف حينما أعلن في مقابلة مع صحيفة – روداو – الكردية ” رئاسة الاقليم لاتريد ان ينقسم كرد كردستان سوريا بين المعارضة والنظام .. ثم يخسروا كل شيء مضيفا: حاولت رئاسة الاقليم ( ليس الحزب الديموقراطي الكردستاني  ولا الاتحاد الوطني الكردستاني  ) من البداية ان توحد كرد سوريا خشية ان ينقسموا بين النظام والمعارضة ومن المؤسف لم يكن الموقف من الكرد واضحا لامن جانب السلطة ولامن جانب المعارضة وكنا نرغب ان لايستعجل الكرد في ان يصبحوا طرفا ناشطا مع المعارضة او يدعموا السلطة ضد المعارضة بل ان يظلوا متفرجين ولذلك نؤيد المجلس الوطني الكردي ، نحن لانقرر مصير كرد سوريا بل سندلهم على الطريق ) وما لم يكشفه السيد ميراني هو أن موقف بعض قادة حزبه وخاصة نائب رئيس الحزب والشخص الثاني ورئيس الحكومة السيد نيجيرفان بارزاني  لم يكن ينسجم منذ البداية مع موقف حزب السيد الطالباني الحليف بل كان واضحا في التعاطف مع الثورة السورية وداعماالتيار الكردي السوري المنخرط بالثورة منذ اليوم الأول وذلك من خلال علاقاتي مع جنابه  ، هذا الموقف المتميز للسيد نيجيرفان لم يدم طويلا بل تغير خلال اشهر بكل اسف بعد زيارتين متتاليتين الى طهران ، وابلاغي ان الإيرانيين هددونا بضرورة دعم نظام الأسد ، والسماح لعبور مقاتلي ب ك ك الى سوريا مع أسلحتهم ، وكذلك بطرد ( صلاح بدرالدين ) من الإقليم . 
                                                          *
     يتم التعاطي مع الملف الكردي السوري من جانب قيادة الاقليم في جانبه الاعلامي المعلن تحت عنوان قومي وواجب الأخ تجاه أخيه في أيام المحن علما أن الكرد السوريين يعيشون المحنة والتعريب منذ عقود حكم الأسدين وكان الاشقاء في الاقليم أنفسهم من حلفاء النظام ومقيمين بدمشق في سنوات المعارضة لنظام بلدهم ولم يتذكروا محنة أشقائهم في غرب كردستان بسبب أوضاعهم الصعبة بالسابق  ولأن مصالحهم الخاصة لم تكن تسمح لاحقا خاصة وأن القيادة السياسية في الاقليم التي بيدها المبادرة وهي الأكثر امكانياتا واقتدارا لم تضع حتى الآن برنامجا قوميا للعلاقات ولاتلتزم بأية تعهدات ووثائق مكتوبة حول علاقاتها بكرد الأجزاء الأخرى وحركتهم السياسية بل تاركة الأمور للظروف وأوقات الحاجة . 
                                                            *
      لاشك أن شكل ومضمون تعاطي الاقليم مع الملف الكردي السوري ليس ثابتا بل متحولا ويخضع لاعتبارات عديدة وأولها موازين القوى من خلال الصراع بين الثورة والنظام فعندما كان النظام يبدو متماسكا قام الطالباني بالاشراف غير المباشر وبتنسيق مع مكتب اللواء محمد ناصيف على عقد مؤتمر بعض الأحزاب الكردية في القامشلي ( المجلس الوطني الكردي ) وفرض على المؤتمرين عبر رجله حميد درويش سقفا سياسيا لم يتم تجاوزه وذلك بعدم تبني شعار اسقاط النظام والرغبة بالحوار مع السلطة بعكس شعارات الثورة السورية والشباب الكرد المشاركون فيها وعندما كسرت شوكة النظام توجه رئيس الاقليم الى ممثلي مؤتمر الاحزاب عندما التقاهم في مكتبه بالقول :الكرد السورييون جزء من الثورة السورية وفي اجتماع الجاليات الكردية السورية المنعقد حديثا في اربيل لم يعد القول بين اوساط الحاضرين باسقاط النظام امرا سريا أو ممنوعا وذلك في أجواء توحي بقرب انهيار النظام السوري .
                                                          *
      على ضوء واقع انقسام الساحة الكردية السورية تاريخيا وفي ظروف الثورة الى اتجاهين سياسيين متصارعين واحد مع التغيير واسقاط النظام ويعارض السلطة مع التحالفات العربية منذ ولادة الحركة السياسية الكردية مرورا بتحولات كونفرانس آب الجذرية لعام 1965 ، وآخر يقف مع السلطة متعاونا وضمن مشروعه فان تعاطي الاقليم مع الطرف القريب من السلطة السورية عبر ممثلي أحزاب مؤتمر القامشلي فسر على أنه انحياز الى طرف ضد الطرف الآخر ودعم للمرضيين عنهم من جانب نظام الأسد وهو خطأ فادح وأمر غير مقبول في الساحة الكردية السورية بل ستكون له تبعات وآثار غير محمودة العواقب في الجوانب القومية والفكرية والسياسية للأسباب التالية : 
 أولا – الطرف الكردي السوري المعارض تاريخيا وراهنا لنظام الأسد هو الحليف المبدئي لشعب اقليم كردستان منذ ثورة ايلول وحتى الآن وهو الأقرب الى قيادة البارزاني ونهجها وهو من سيدفع الثمن اذا وضعت قيادة الاقليم ثقلها الآن مهما كانت الأسباب في سلة الطرف التابع لسلطة الأسد والاقليم الكردستاني بشعبه ورئيسه – البيشمه ركة – وجماهيره وحركته الوطنية الديموقراطية ومجتمعه المدني الذي مازال يمر بمرحلة التحرر القومي لن يكون الا مع ثورات التغيير المندلعة في بلدان المنطقة وبينها سوريا .
           التاريخ :   15 – 12 – 2011 
   يتبع ……..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…