إيران المستفيدة الأولى من أي هجوم تركي على العراق

  سامي شورش

تحتم النتائج التي قد تتمخض عن الهجوم العسكري التركي المرتقب ضد كردستان العراق، لملاحقة مقاتلي «حزب العمال الكردستاني»، مضاعفة الولايات المتحدة جهودها بغية منع الهجوم.

الاسباب الداعية لمثل هذه الخطوة عديدة، منها مثلاً، أن الهجوم قد يعكس تأثيرات سلبية كبيرة على مسار الديموقراطية والاستقرار داخل تركيا نفسها.

ومنها أيضاً أنه سيلحق أضراراً بالغة باستقرار العراق وأمنه الداخلي وحربه الصعبة ضد الإرهاب.

كما يمكن للهجوم أن يعرض التجربة الكردية العراقية الى تدهور كبير وانتكاس خطير.
معروف أن هذه التجربة الهادئة أمنياً وسياسياً والمتطورة اقتصادياً، هي أحد أهم إنجازات السياسة الأميركية في العراق.

غير أن الأهم من هذه النتائج كلّها، هو أن حصول الهجوم سيفضي الى نتائج خطيرة أخرى، منها مثلاً أن طهران ستحاول الاحتذاء بجارتها التركية في مسألة اللجوء الى الخيارات العسكرية لملاحقة معارضيها من الإيرانيين، وما أكثرهم، خارج حدودها الوطنية، خصوصاً في العراق.
معروف أن الحكومة الإيرانية تعيش منذ عام 1979 و1980 مشكلات غير قليلة مع العراق أساسها وجود منظمات إيرانية معارضة للنظام الإيراني داخل الأراضي العراقية.

من هذه المنظمات: منظمة «مجاهدين خلق» التي يتركز مقاتلوها في بعض أطراف بغداد وقسم من المنطقة الفاصلة بين بغداد ومدينة الخالص في محافظة ديالى.

أحد أكبر معسكرات المنظمة في هذه المنطقة هو معسكر «أشرف» الذي أغلقه الأميركيون بعد إطاحة النظام العراقي السابق، لكنهم عادوا وسمحوا لمقاتلي المنظمة باستخدامه لأغراض غير قتالية.

هناك أيضاً الحزب الديموقراطي الكردستاني (الإيراني) الذي تتمركز مقرات قيادته في مدينة كويسنجق شرق أربيل ومناطق عراقية أخرى.

الى هذا، هناك منظمة «كومله – عصبة الشغيلة» الإيرانية في مناطق شرق مدينة السليمانية.
هذه المنظمات التي واجهت في فترة الحرب العراقية ضد إيران هجمات جوية شنتها القوة الجوية والصاروخية الإيرانية، تجهر بانتهاجها الكفاح المسلح وتفوق في تعدادها البشري المنتشر في العراق ما يمتلكه «حزب العمال الكردستاني» من قدرات بشرية في جبال قنديل وخواكورك.

كما أن البعض من هذه المنظمات، منظمة «مجاهدين خلق» مثلاً، لا تتردد عن تنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال إرهابية تستهدف المدنيين داخل المدن الإيرانية.

وزارات الخارجية في أميركا ودول أوروبية عديدة تدرج اسم هذه المنظمة على قوائمها الخاصة بالمنظمات المتهمة بالإرهاب.
ليس أكيداً أن تلجأ طهران لخطوة مماثلة لمعرفتها باختلاف الحالتين الإيرانية والتركية في الحسابات الأميركية.

لكن، الأكيد أنها ستحاول قدر استطاعتها استثمار الخطوة التركية لإضعاف الموقف السياسي الأميركي في العراق والمنطقة.

ففي أكثر القراءات واقعية لفترة ما بعد إقدام أنقرة على الهجوم العسكري ومحاولة إيران للتهيؤ لخطوة كهذه، أن تلجأ واشنطن الى انتهاج إسلوب احتقاني غير مقبول يقوم على اساس الكيل بمكيالين: مكيال الصمت والمهادنة والتبريرات في مقابل الهجوم التركي.

ومكيال التشظي والانفعالية والرد السياسي، وربما العسكري أيضاً، في مقابل الموقف الإيراني.
في تبرير لمثل هذا الأسلوب قد تقول واشنطن إن الهجوم التركي لا يستدعي كثيراً من القلق لكونه يأتي من دولة حليفة وصديقة وهدفه يتركز على محاربة الإرهاب، ويقتصر في أهدافه على ضرب قواعد معينة ومحددة لـ «حزب العمال» في بعض المناطق الجبلية الكردية في العراق.

لكن الاصح أن الهجوم العسكري التركي، أياً كانت درجة حدته أو طبيعة أهدافه أو درجة المشاورات التي تجريها أنقرة مع واشنطن في خصوص مساراتها وتوقيتاتها ومدتها الزمنية، سيفتح الطريق أمام فوضى إقليمية كبيرة في منطقة تختزن كماً هائلاً من الصراعات والأحقاد والحسابات القديمة.

من هذه الحسابات التي أكدت واشنطن على الدوام أنها حريصة على منعها، أن دولاً غير قليلة تبطن نيات بالتدخل العسكري في شؤون دول أخرى مجاورة لها تحت يافطة تبرير مشروخ مفاده أن تلك الدول المجاورة تؤوي معارضين لها.
في هذا الإطار، ليست إيران الدولة الوحيدة التي ستحاول الاستفادة من الهجوم التركي لملاحقة معارضيها الإيرانيين داخل العراق، بل أن الوضع الإقليمي سيصبح في حالة يصعب معها لجم سورية عن التدخل العسكري في شؤون لبنان الداخلية.

فدمشق يمكن أن تخفي نياتها الحقيقية من التدخل تحت ذريعة مفادها أنها لا تستهدف لبنان بل تلاحق مواطنين لها ينشطون في إطار منظمات إرهابية داخل لبنان هدفهم معارضة النظام السياسي في دمشق.

في هذا الإطار، لم يتردد الرئيس بشار الاسد في إعلان دعمه الصريح لأي هجوم عسكري تركي ضد مقاتلي «حزب العمال» المتمركزين في كردستان العراق.

وهذا الإعلان، في حد ذاته، إشارة الى رغبة سورية واضحة هدفها الحصول على مبرر قانوني دولي لأي تصرف عسكري سوري مستقبلي ضد لبنان.

والى جانب إيران وسورية، هناك دول أخرى مثل باكستان وأفغانستان والسودان، وفي آسيا الوسطى وأفريقيا، تنتظر بفارغ الصبر حصول الهجوم التركي ضد كردستان العراق.

وأملها بأن الهجوم التركي قد يعطيها الذريعة للتدخل في شؤون الآخرين عسكرياً.
طوال السنوات الماضية، لم يدخر الإيرانيون وسعاً في مطالبة بغداد وأربيل بطرد منظمات كـ «مجاهدي خلق» والديموقراطي الكردي الإيراني من أراضيهما.

ولم يترددوا في تهديدهما باللجوء الى الحلول العسكرية إذا رفضتا محاربة تلك المنظمات وطردها.

بل ان الجيش الإيراني، كالجيش التركي، أقدم خلال السنوات الماضية على عدد من التوغلات والتدخلات العسكرية في العراق بغية ضرب قواعد تلك المنظمات وقتل أفرادها.

في الوقت ذاته، مارست طهران ضغوطاً غير قليلة على الحكومات العراقية والكردية العراقية لإقناعها بالسماح لقواتها بخرق الحدود العراقية في الوسط والشمال، وشن هجمات عسكرية ضد منظمتي «مجاهدي خلق» والحزب الكردي الإيراني.
من دون شك، ظلت لعبة طهران في التعامل مع ورقة وجود معارضين لها داخل الأراضي العراقية، على الدوام، أكثر ذكاء وبراعة من لعبة أنقرة التي جاءت، دائماً، دموية.

فهي، أي طهران، حافظت، منذ عام 2003، على علاقات حسنة وطيبة مع العراقيين في بغداد وأربيل من جهة.

وواصلت، من جهة أخرى، مطالباتها السلمية بطرد معارضيها (الإرهابيين في تعريفها) من الأراضي العراقية.
يمكن لهذه المعادلة الإيرانية أن تنقلب رأساً على عقب إذا أقدمت تركيا على هجوم عسكري واسع لإجبار الحكومتين العراقيتين، الفيديرالية في بغداد والاقليمية في أربيل، على محاربة معارضيها في جبال قنديل وخواكورك، فالأرجح هو أن الهجوم التركي سيدفع طهران الى شعور مفاده أن اللجوء الى الهجمات العسكرية الواسعة وخرق السيادة العراقية هما أصوب الطرق للتخلص من أعدائها الداخليين.
في هذه الحالة، سيكون صعباً على واشنطن أن تردع الإيرانيين عن الاحتذاء بالخطوة التركية بل سيصعب عليها إقناع بقية حلفائها واعضاء مجلس الأمن بإدانة الهجوم الإيراني.

الى ذلك، يصعب عليها إقناع الدول الإقليمية في الشرق الأوسط بمحاولة مزدوجة بالوقوف مع العراق وأميركا للرد على العدوان الإيراني، من جهة، واتخاذ جانب الصمت، أو التأييد المعلن أو الخفي، حيال العدوان العسكري التركي، من جهة اخرى.

بهذا المعنى، يصح القول إن أنقرة إذا نفّذت تهديداتها العسكرية ضد العراق فإنها ستدفع بحليفتها الاستراتيجية، الولايات المتحدة، الى زاوية شائكة وشديدة التعقيد ومكلفة.

بل يمكن أن تصيب سياسة حليفتها الأميركية في الشرق الأوسط بخسائر وأضرار بالغة، خصوصاً في حال تحركت طهران لمحاولة الاستفادة السياسية والقانونية من الهجوم التركي.
على صعيد متصل، يمكن للهجوم التركي أن يلحق خسارة فادحة بسياسات أميركا خاصة بمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط.

والأكيد أن إيران التي تترقب على نار حصول الهجوم التركي ستكون المستفيدة الأولى من الخيار العسكري التركي.

هنا، قد يصح القول إن «حزب العمال» يعيش مشكلات عويصة مع الإيرانيين ولا يمكن له أن يتجه لطلب مساعدات غير معلنة من إيران.

لكن الأصح أن «حزب العمال» إذا شعر بحصار عسكري وسياسي من تركيا وأميركا وأكراد العراق، فإنه مستعد للإرتماء في الحضن الإيراني الذي سيحوله بدوره الى «فيلق القدس».

هدف المساعدة الإيرانية في هذه الحالة، هو استمرار النشاط العمالي الكردستاني بغية إلحاق الأذى بالأميركان والأتراك والأكراد في العراق.
الى هذا، يمكن لـ «حزب العمال» الذي سيشعر بأن الحصار أكبر من طاقته على التحمل أن يلجأ الى التعاون مع منظمة «القاعدة» الإرهابية.

كما يمكنه أن يلجأ الى منظمات وقيادات ومجموعات عراقية مسلحة أخرى بنصيحة إيرانية أو بقرار ذاتي.

وما يزيد من احتمالات قبول «القاعدة» بالتعاون مع «حزب العمال» أن مناطق انتشاره في جبال قنديل الكردية العراقية شاسعة وبالغة الوعورة من الناحية الجغرافية وكبيرة الأهمية من ناحيتها الاستراتيجية.

غني عن القول، أن تطوراً كهذا سيضيف مهمة مستحيلة أخرى وميزانية إضافية وقتلى جدداً، على كاهل أميركا.

كما أنه سيعطي إيران وسيلة جديدة ومؤثرة لمضاعفة ضغوطها على الولايات المتحدة.

في الواقع، يمكن رؤية تطلعات إيرانية في هذا الصدد في ملامح التنسيق الخفي بين إيران وتركيا في خصوص ممارسة أقصى الضغوط على «حزب العمال» في كردستان العراق.

مصادر في «حزب العمال» تؤكد أن مقاتليه تعرضوا خلال الاشهر الستة الماضية الى أكثر من 498 هجوماً تركياً داخل الأراضي التركية.

كما تعرضوا، داخل الأراضي العراقية، الى عمليات غير قليلة من القصف المدفعي الإيراني ترافق أكثرها مع الهجمات التركية.
لهذا كلّه، يصح التأكيد ان واشنطن مطالبة بوقف التهديد التركي بالتوغل العسكري في كردستان العراق، من دون شك، ولا يعني هذا الدخول في مفاوضات سياسية مباشرة مع «حزب العمال».

كما لا يعني وقف المحاولات الخاصة بعزل هذا الحزب.

إنما يعني، بالطبع، أن أضرار ومخاطر الهجمات العسكرية المحتملة التي تلوّح بها أنقرة قد تفوق مخاطر «حزب العمال» نفسه.

وأول المخاطر هو تعميم الفوضى في المنطقة.

والأكيد أن إيران، وليست تركيا، ستكون المستفيدة الأولى من إقدام أنقرة على أي هجوم عسكري ضد كردستان العراق.
* كاتب عراقي.

الحياة     – 07/11/07//

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…