على روحك الكُردية الكبيرة السلام يا دلكش مرعي

 إبراهيم محمود

هاتف الصديق الدكتور بسام مرعي في هولير لا يرد، هاتف الصديق الكاتب والشاعر إبراهيم يوسف في ألمانيا لا يرد، وليرد هاتف الصديق عبدالغني ليلي في انكلترا، وأستقر نفسياً قليلاً، حيث السؤال عن حقيقة وفاة كاتبنا الكردي الكبير دلكش مرعي، فيؤكدها، لوجود صلة نسَب بين عائلتيهما. الوفاة كانت في النصف التالي من ليل الجمعة، النصف التابع ليوم السبت : 16-9/ 2023، بسبب أزمة قلبية حادة، لطالما عانى من وطأتها مراراً. وحين هممتُ بالكتابة عن رحيله الأبدي، وما هي إلا سطور لا تخفي ألم الحداد في نبرتها، إذا بهاتف الصديق إبراهيم يوسف يريني اسمه، لنتحدث معزّين بعضنا بعضاً في وفاة تعنينا جميعاً، وليس العائلة أو الأهل أو محيط المعارف الضيق للراحل، كان على علم بتفاصيل كثيرة عن حياته ولحظة رحيله الأبدي، عن عمر بلغ ستة عقود ونصف عقد ونيّف من السنين” مواليد 1957 ” كما نقِل إلي، وعلى عجل تحادثنا في بعض مما هو مؤثر في حياته الخصبة، وفي كل منا توتر لا يخفي مصدره . ثم سريعاً أستدرك ما كتبت، وبي وجع، وبي كآبة على رحيل نوعيّ كهذا، على فرد هو جمع ما، على شخص هو شخصية لها اسمها وتوقيعها مجتمعاً وثقافة.
نعم، كما علمتُ من بعض ما كنت أعرف متابعة، ومن بعض مما سمعته من الصديق عبدالغني، ومما أفاض بذكره سريعاً الصديق إبراهيم( جهة العمر وحياته ووضعه الصحي…) وبما يفعّل صلة القول بالفعل وبالعكس، ترجَّل كاتبنا الكردي الكبير دلكش مرعي عن جواد عمره الكردي، ترجَّل وبقي المأثور باسمه في القول” وما أكثره وأنضره وأنوره ” والفعل ” وما أصدقه وأعمقه “، رحل من ضيق المكان إلى رحابة المكان، مأخوذاً باسمه الشخصي، وباسمه العائلي الموقَّر، وآل بيته المعتبَرين، مرتحلاً إلى رحابة حياة أخرى، لا بد أن ذاكرة كرده الجماعية ذات الصلة بمأثرة ما سطَّر وعطَّر معدَّة لتبقيه اسماً ومسمّى في لوحها الكردي المحفوظ، هو ذا شأن من يحب الآخرين، ويرى فيهم ما يريد أن يكون نبض روحهم.
يا لشريط العمر المديد والعتيد بعقود سنينه، بمنعطفات الحياة فيه، بجهات جغرافيته التي انسكن بها، حيث حدود كردستان الشمالية تسند قريته ” آلا قوسى ” وفي طرق ودروب ومسالك، ما أكثرها، تلك التي أسلس فيها القياد لخطاه، أو لفكره مكاشفة ومعاينة وتحليلاً ومناقشة، ولا زلت أذكر صورته السنيَّة الهادئة قبل عقود من الزمن، حين كنا، نحن مجموعة من المعنيين بشئون الثقافة وهموم الكتابة ماضين إليهم من قامشلو لتقديم واجب عزاء في رحيل فقيد لهم. وليكون لذاكرة المكان المشتركة بعلم ومن دون علم، جرّاء الاهتمام المشترك ثقافياً، ما يبقينا متواصلين.
دلكش مرعي المؤلف لكتب لها حضورها( وهل يُنسى: إرث الاستبداد والتخلف ؟)ومقالات وما أكثرها وأصدقها في موضوعية الطرح والفعالية ( كما يشهد موقع “ولاتى مه ” على الأقل )، لكم كانت تستأثر باهتمامي، لأجد فيه إنساناً يعيش بسواه أكثر مما يعيش لنفسه، رغم أنه كان يفكر لحسابه الخاص، ليكون حصاده الفكري عاماً، كما يليق ذلك بمقام المثقف المحرَّر من الذاتية الضيقة .
كان مفهوم المثقف شاغله الأكبر، محرّك أفكاره، خيالاته، هواجسه، مشاعره، لأن مجتمعاً لا يحتضن مثقفاً يستحيل عليه أن يشب عن الطوق ويجاز له أن يكون مجتمع مدنية وحضارة. وهو الذي جعل من هذا الاسم المركَّب خميرة عجينته الحياتية في جل ما انشغل به ، ومنطلقاً من واقعه الكردي بالتأكيد، وهو يشير إلى استحالة قيام المثقف بدوره المطلوب في مجتمع متخلف. هوذا الرهان، وهوذا ” خيط أريان ” الذي لا بد منه للعثور على ” الجزة الذهبية ” دون ذلك يكون ضياع المجتمع، تلاشيه، وتميعه، وتشرذمه بالطول والعرض .
أقولها بالحرف الواحد: كيف يمكن لشعب يشار إلى مجموعه العددي بملايين مؤلفة، وسياسييه الذين يستحيل حصرهم تحزبياً، أن يكون له موقع اعتباري في العالم دون إدخال كلمة المرور الضرورية لتفعيل أثر الحياة، وإطالة أمد الحياة النوعية كأي مجتمع حي، والكلمة هذه في جل مكوّنها هي الثقافة، وهذه يتكلمها في جل أمرها: المثقف، وفي مجتمع يشهد على مدار صراع الديكة الكرد، كما عرّى الراحل فيهما حقيقتهم، مظهِراً ريشهم المزيف. وقد رحل كاتبنا الكردي الكبير دلكش مرعي، وفي روحه العليلة، وفي جسده العليل، وفي قلبه العليل، حسرة من هذه الكلمة. إنما مضى وفي إثره ما يبقي أثرَه منيراً معشوشباً ، وتلك هي الضريبة الكبرى لكل مسكون بخميرة الثقافة المتقدة والحية، وليكون أثر يهدي من ينشد صواباً حياتياً ولا يُضِل .
وإذا كان هناك ما ينبغي قوله واجب صداقة حياة فعلية، وثقافة فعلية، وانتماء محبة، في مختتم هذا المقال ” النعوي” بامتياز، فهو عزائي الممتد مشرقاً ومغرباً أنى كان أهله وحيث يكونون أبعد من حدود قريته الآنفة الذكر في روجآفا كردستان، بدءاً من عائلته فرداً، بدءاً من أفراد آل مرعي فرداً فرداً، كبيراً وصغيراً، رجلاً وامرأة، ولكل صديق مقرّب منه،لكل صاحب وأنيس، لكل من كان يعرفه عن قرب وعن بعد، ولكل من يعرفه شخصياً وعبْر الكتابة.
سلام على روحك الكبيرة مجدداً يا كاتبنا الكردي المضاء بروحه واسمه دلكش مرعي. عشت حياة قصيرة، ستعيش حياة طويلة ومديدة، وفي ذكْرك القول والفعل الحسنان كردياً وإنسانياً .
دهوك -16-9/ 2023

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…