مشروع – ب ك ك – لن يكون نموذجا لا للكرد ، ولا للسوريين

صلاح بدرالدين

  ” هناك بعض الأصوات التي تروّج لاستنساخ تجربة الإدارة الذاتية  من الذين يتعاملون مع قسد، وهم مقتنعون من خلال علاقتهم بقسد، ومن خلال الأموال التي تدفع لإقناع السوريين بالكامل أنّ تجربة قسد كانت ناجحة. هذا الأمر لن، ولم ينجح في المحافظة “
   ناشط في حراك السويداء
  بالتزامن مع احداث – دير الزور – الدامية ، والحملة العسكرية – التاديبية – بكافة أنواع الأسلحة من جانب قوات – قسد – ضد المتمردين في صفوفها ومن والاهم من عشائر تلك المنطقة ، قيل الكثير حولها من الطرفين ( صراع كردي – عربي ، مؤامرة عشائرية مع نظام الأسد ضد قسد ، مخطط عشائري – تركي  لزعزعة الاستقرار ، محاولة كردية لاحتلال المناطق العربية وما الى هنالك من الاتهامات المتبادلة ) وهذه المفردات ، والحملات المسعورة ، تعود على سماعها السورييون خلال جولات المواجهات العسكرية بين الميليشيات ، والفصائل المسلحة منذ ٢٠١١ وحتى الان .
  الجديد الأبرز في اتون الحرب الإعلامية المتبادلة المتواصلة هو ماكتب ، ونشر ، وقيل في مواقع التواصل الاجتماعي ، وعلى شاشات الفضائيات من جانب بعض الكرد السوريين المقربين من جماعات – ب ك ك – وبنوع من العنجهية القوموية شبيهة بنزعة شوفينية القوميات السائدة التي ظهرت عبر التاريخ ، عن ان الصراع الدائر هو بين التقدم ، والرجعية ، وبين الحداثة والتخلف العشائري ، وبين التمدن والقرووسطية ، وان تجربة – قسد – والإدارة الذاتية و ب ي د ، وكل المسميات الأخرى التي بدات من قنديل وتنتهي بقنديل ، هي النموذج الأمثل سياسيا ، واداريا ، واقتصاديا ، وامنيا ، وثقافيا ليس لدير الزور والرقة ، والحسكة والقامشلي بل لكل المناطق السورية ؟! .
  على الصعيد القومي العام ومن دون الدخول بالتفاصيل اخفق – ب ك ك – كمنبع ومرجعية لكل المسميات الراهنة الأخرى على الساحة السورية ، فقد فشل في تحقيق أي شيئ في ساحته الرئيسية في كردستان تركيا ، وتخلى عن مبدأ حق تقرير مصير الشعب الكردي ، واصبح جزء من اجندة الأنظمة المقسمة للكرد في ايران ، وسوريا ، والعراق ، وعائقا امام إنجازات شعب كردستان العراق التي تعتبر المكسب الكردي الوحيد في العصر الحديث ، ومواجهة السلطة الفيدرالية الشرعية في الإقليم ، وعجز عن تحقيق كل مانادى به ، واصبح عاملا في الفرقة والانقسام بين الكرد وحركتهم القومية ، كما شوه سمعة الكرد وحركتهم امام المجتمع الدولي ، وجلب تهمة الإرهاب ، واستخدام السلاح ضد الكرد المخالفين له لتطبيق مايصبو اليه لمصالحه الحزبية ، خلاصة الامر لم يترك تراثا جاذبا للجيل الكردي الناشئ ، او مشروعا سياسيا واضحا ومتكاملا حتى بالجانب النظري يعتد به ، ويؤخذ به في أوساط الحركة القومية الكردية .
  اما على الصعيد الكردي السوري فان تاريخ هذه المسميات التابعة ل – ب ك ك – ليس بعريق ، وبدأ بعد اكثر من خمسين عاما من قيام ونضال الحركة الوطنية الكردية السورية ، وتزامن أساسا مع سلطة آل الأسد الذين احتضنوا – عبد الله اوجلان – صاحب المقولة الشهيرة : ( لايوجد شعب كردي في سوريا ويجب ان يعودوا الى وطنهم بالشمال ) ، واذا سلمنا جدلا بوجود تجربة لهؤلاء فانها  تجسدت بالانخراط العلني في مشروع نظام حافظ الأسد ، ثم وريثه بشار بمرحلة تالية بعد اندلاع الثورة السورية ، وجلب مسلحيهم من قنديل بعد محادثات شارك فيها – اللواء آصف شوكت ، واللواء قاسم سليماني ، والرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني ، ومراد قرايلان ، في السليمانية ، وتم الاتفاق على مبدأ مواجهة الثورة السورية ، وتحويل الصراع ضد تركيا ، وتقزيم القضية الكردية السورية وحتى القضية الوطنية برمتها الى مسالة ( تركية ) وليست قضية النضال ضد نظام الاستبداد من اجل الحقوق القومية والديموقراطية ، والتغيير عبر المشاركة الكردية الفعالة في الثورة ، هذا ماتحمله ( التجربة – النموذج !!) على الصعيد الوطني .
  وللتذكير فقط فانه وقبل قدوم هذا الوافد الجديد الطارئ كانت الحركة الكردية تتوزع فكريا وسياسيا بين اتجاهات قليلة ( يسار ويمين ووسط ) أي قبل تناسل الأحزاب بالعشرات ، وكانت غالبية تعبيرات الحركة الكردية السورية تقف ضد نظام الاستبداد ، وتواجه مواقفه المعادية للديموقراطية ، وممارساته الشوفينية ضد الكرد ، خصوصا الاتحاد الشعبي الذي ازعج النظام ببرنامجه الواضح ، واطروحاته السليمة ، وعلاقاته الواسعة الكردية والوطنية ، والعربية ، والكردستانية ، والاممية ، لذلك تمسك النظام بهذا الوافد كان حاجة سياسية ، وامنية ملحة فتح له الطريق بتنفيذ مخططه – تكريد الصراع – واستخدام الوافد كذراع ضد معارضيه من الكرد .
  على الصعيد الكردي والمناطق الخاضعة لنفوذ هذه الجماعات : فمنذ سيطرتها ازداد الانقسام الكردي – الكردي ، وتمت عسكرة المجتمع ، وتجنيد القصر من الفتيات والذكور ، وتردت الأوضاع المعيشية ، وبدات الأجهزة الأمنية بكم الافواه ، واسكات المعارضين ، ومنع حرية الراي ، والنشر ، والعمل السياسي والإعلامي المخالف لايديولوجية سلطة الامر الواقع ، وكذلك اثارة الفتن العنصرية ، ثم توالت موجات الهجرة والنزوح ، وافرغت المناطق من سكانها ، وخصوصا من الجيل الشاب المنتج ، فلو امتلكت هذه الجماعات تجربة مفيدة لما هرب الناس عبر الحدود وبواسطة المهربين نحو قوارب الموت .
  ومن ابرز تقديمات ( تجربتهم النموذجية !) الخسائر البشرية بعشرات الالاف من سكان المنطقة ، واحتلال عفرين والمناطق الأخرى ، واهدار الثروة الوطنية من نفط ، وغاز ، من دون حسيب او رقيب ، في حين يعيش السكان بالفقر المدقع ، وضياع البقية الباقية من المواطنين الكرد الذين صمدوا وتمسكوا بمنازلهم وممتلكاتهم ، حيث لايدرون ماذا يخبئ لهم ولعائلاتهم المستقبل ، ومن هم أصدقاء الكرد ومن هم اعداؤهم : النظام – روسيا – أمريكا – تركيا – ايران ؟ .
  بالرغم من وسائل الضغط والاكراه لم يحظ حزب – ب ي د – الحاكم الفعلي لمناطق نفوذ هذه الجماعات بقبول شعبي كردي ، كما ان كل المحاولات المبذولة ، وعروض الاغراءات المالية ، لم تنجح في اختراق الصف الوطني على مستوى البلاد ، واستمالة اية قوة وطنية معتبرة للتحالف معها في جبهات ، ومحاور سياسية .
  وبمقارنة سريعة بين ماحصل هنا من جهة ، وماتم بإقليم بكردستان العراق ، حيث تحول الإقليم منذ ثمانينات القرن الماضي الى بؤرة ثورية لمعارضة الدكتاتورية الحاكمة ، والذي انجز قبل ذلك – الجبهة الكردستانية – وترتيب البيت الكردستاني الداخلي ، ثم الى مركز للمعارضة العراقية خلال حكم الدكتاتور المقبور صدام حسين ، ومنطلقا لتحرير العراق استوعب مختلف الاطياف ، والتيارات السياسية ، وكان لمؤتمر – صلاح الدين – عشية التحرير – للمعارضة العراقية الدور الأكبر في دحر الاستبداد بدعم التحالف الدولي ، وفي تثبيت الموقف تجاه القضية الكردية هناك على أساس الفيدرالية 
  وفي المرحلة الراهنة فان جميع الأحزاب الكردية السورية ومن كلا طرفي الاستقطاب ( ب ي د – ب د ك – س ) باتت في موقع الشك والاتهام من جانب الغالبية الساحقة من الوطنيين الكرد السوريين بعد عقود من الفشل والاخفاقات ، والعجز عن تحقيق أي انجاز يذكر ، تماما كما هو الحال بالنسبة للأحزاب ، والحركات التي عجزت عن الحفاظ على الثورة الى درجة الانقلاب عليها على المستوى الوطني العام .
  من المؤكد ان كل كردي سوري يتمنى ان تتوحد الحركة السياسية الكردية ، وتستعيد شرعيتها ، ووحدتها ، وتحمل المشروع الكردي للسلام ، وتكون قدوة لكل المناضلين من الكرد والعرب والمكونات الأخرى ، ولكن الحقيقة المرة هي ان الحركة في اوج ازمتها ، ومفككة ، ومنقسمة ، والبقية الحزبية الباقية منها تابعة للخارج ، وغير مستقلة ، ومسؤولوها غارقون في اقتراف الخطايا ، والعبث بمصائر الشعب والوطن .
  قد يقول قائل : قسد ، والإدارة الذاتية ، وب ي د ، وغيرها من أحزاب الانكسي حقيقة قائمة ، ولايجوز تجاهلها ، والجواب نعم فلولا انها موجودة لما كتبنا عنها ، ولم نكن نطلق عبارة – سلطة الامر الواقع – على إدارة ب ي د ، وانني شخصيا لست مع عزل أي طرف ، او تجاهل وجوده ، ولست في موقع المعاداة ، ولااملك قوى عسكرية  – لاسمح الله – للتحارب مع احد ، من الواجب علينا مناقشة قضايانا القومية والوطنية وكل من له علاقة بها عبر الحوار الهادئ ، والبحث عن سبل العلاج وحل الازمة ، اما مسالة وجود تلك الأطراف على الأرض ، وكذلك وجود نظام الاستبداد ، والاحتلالات ، وداعش ، والفصائل المسلحة والميليشيات ، فذلك لايعني وقوف الشعب السوري مكتوف الايدي ، او انتظار الوطنيين الكرد السوريين المستقلين دون حراك ، هناك امر واقع ولكنه ليس ابديا ، وبالامكان تغييره اذا توفرت الشروط ، ونحن سائرون لتوفيرها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…