عبد العزيز قاسم
أن ما يحدث الآن في دير الزور كان من المتوقع حدوثه منذ أمدٍ بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي وحزب الله، ولقد تم على هذا الأساس تأسيس مجلس ديرالزور العسكري، بمساعدة من التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، استعداداً لمواجهة محتملة مع تلك المليشيات الإيرانية المتمركزة في ديرالزور والبادية السورية.
لا شك أن محاولة القوات الأمريكية في سوريا هي ومنذ فترة طويلة هي السيطرة على محافظة دير الزور والرغبة فيها لما فيها من سيطرة كاملة على الحدود السورية-العراقية حتى الحدود السورية-الأردنية، وذلك بهدف منع وتحرك المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ولملاحقة شبكات تهريب المخدرات، ولاسيما تجارة الكبتاغون في هذه المناطق.
ومن الجدير بالذكر وللأهمية الجغرافية لمحافظة دير الزور، إلا أنها تتمتع أيضاً بأهمية اقتصادية لا يستهان بها، لإحتوائها على حقول غنية بالنفط والغاز الطبيعي، وكذلك للأهمية الحيوية لنهر الفرات كمصدر مائي وعامل مهم للزراعة.
ومن المعلوم أنه في العام 2019 تم تحرير المناطق الشرقية من محافظة دير الزور من تنظيم داعش الإرهابي وبمساعدة من قوات ال HSD وبمؤازرة التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذه المناطق لم تتم تطهيرها من مرتزقة داعش بالكامل، وكما هو جلي فيظهر بين الحين والآخر خلايا للتنظيم الإرهابي المذكور، وتقوم بهجمات على ال HSD والقوات الأمريكية، ومما عزز من الوضع الهش لتلك المناطق هي تموضعها في البادية ووجود مساحات صحراوية شاسعة والحدود الدولية الهشة والحالة الاجتماعية القبلية لتلك المناطق، وكذلك تلك المبادرات التي تقوم بها الإدارة الذاتية والمتكررة لإطلاق سراح العديد من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي بين الحين والآخر بتدخل من العشائر العربية كمبادرات صلح، وحيث أن العديد ممن أطلق سراحهم قد انضموا إلى القوات الأمنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية!!
ومما عقد الموقف هي الطبيعة العشائرية كتكوين ورابطة اجتماعية تقوم على المواقف النفعية-المادية (الپراغماتية) وليس مستغرباً حالة الارتباط القديم-الجديد للعلاقات ما بين أغلب زعماء العشائر العربية في دير الزور والحسكة والرقة مع أجهزة استخبارات النظام واستخبارات أطراف إقليمية، وخاصة مع تركيا وإيران.
وبحسب رأي العديد من المراقبين والمحللين السياسيين، فإن رئيس مجلس دير الزور العسكري (أبو خولة) قد تعرض للإعتقال بأوامر من القوات الأمريكية، ورغم تطهير شمال وشرق دير الزور من الوجود الشكلي لتنظيم داعش الإرهابي، فلا تزال هناك علاقة ما بين خلايا التتظيم المذكور، والمليشيات الإيرانية وكذلك مع الفصائل و المليشيات التابعة للاحتلال التركي، ومنذ الصراع السوري، وكما هو معلوم أن بعض قنوات الإعلام العربي والإقليمي وحتى الدولي إنما تحاول أن تستثمر في بؤر الصراع والأزمات الإنسانية وتصور العمليات العسكرية الجارية في ديرالزور وكأنها حرب كردية-عربية.
وكما يبدو لي فإن العمليات العسكرية الراهنة، وإنما هي مرتبطة بحرب خفية تدور رحاها بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ومليشيات الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي وحزب الله من جهة ثانية، وكما هو معلوم أن روسيا وإيران تحولان وعلناً وتركيا سراً إلى (طرد) القوات الأمريكية من شرق سوريا، وهو موقف ومطلب دائم ومتجدد على طاولات التفاوض في (آستانا) وفي الاجتماعات الثنائية والثلاثية الروسية – التركية – الإيرانية !
ولهذا لا علاقة للعمليات الجارية في دير الزور لا بالكرد ولا بالعرب، إضافة إلى أن غالبية مقاتلي HSD في دير الزور اليوم هم من أبناء القبائل العربية، وهناك بعض زعماء العشائر العربية الموالين للنظام وكذلك الموالين لإيران وفلول داعش والمعارضة السورية التابعة للاحتلال التركي، ووصف هذه العمليات العسكرية في دير الزور بجزء من الصراع أو بالحرب الكردية-العربية، إنما بعيد عن الواقع.
وكما أسلفت فإنه على الرغم من أن جميع الأحزاب الكردية سواء المنتمية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي أو المجلس الوطني الكردي تؤكدان على ضرورة العيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع السوري القومية والدينية، إلا أن الاعلام المغرض لا بدّ له في أداء دوره الهّدام في الصراع السوري الراهن!
وكما هو معلوم وكما يقال أن الأنظمة تصنع اعدائها، فإن حالة العداء المتجذر للشعب الكردي متأصلة ومتجذرة ومنذ تكوين تلك الدول في أعقاب الحرب العالمية الأولى وما رافقتها من مظالم وكوارث وغبن للشعوب ومنها الشعب الكردي، وقد تستمر هذه العمليات الجارية لبضعة أيام أخرى وتنتهي، لكن حالة العداء للشعب الكردي ولوجوده ستستمر لفترة طويلة في ظل انعدام الديمقراطيات، ذاك العداء الممنهج والذي تقوم به الحكومات والدول المحتلة لكوردستان صارفة عليه ميزانيات ضخمة بالإضافة إلى حرب عسكرية وثقافية وفكرية (ايديولوجية) مستهدفةً طمس الوجود الكردي، فهي حرب وجود بالنسبة للكرد تكرست في سوريا من قبل حزب البعث، وحالياً من قبل جماعات مرتبطة بتنظيم داعش والمعارضة السورية الموالية لانقرة.
وهنا يجب على الشعب الكردي أن يعي خطر العنصرية والعداء التاريخي له، ويجب العمل عملياً على ضمان الحقوق القومية للشعب الكردي وهي مهمة تقع على كاهل الأحزاب من خلال توحيد الخطاب الكردي والسعي لوحدة الموقف على الساحة الدولية، والكف عن استخدام شعارات لا طائل ومعنى لها مثل شعارات: الأمة الديمقراطية والمواطنة و غيرهما… ، حيث يجب التركيز على توفير أسس متينة لوحدة الصف الكردي الذي يشعر بخيبة أمل من هذه الأحزاب من خلال فشل الأحزاب المذكورة في تحقيق مكاسب سياسية وقومية.
ولا شكّ أنه في الوقت نفسه نرى أن بعض منظمات المجتمع المدني الكردية، وبخاصة الحقوقية تقوم بأنشطة مميزة، في توثيق الجرائم ضد الشعب الكردي، و بشكل خاص: المرصد السوري لحقوق الإنسان، في دفع وزارة الخزانة الأمريكية على فرض عقوبات على فصيلين من الفصائل الإرهابية التابعة للائتلاف الاخواني في عفرين المحتلة، بتاريخ السابع عشر من آب المنصرم.
قد تكون فرض العقوبات الأمريكية على (حلفاء المجلس الوطني الكردي) وأيضاً الأحداث الراهنة في دير الزور والذي يشبه إنقلاب لحلفاء الإدارة الذاتية (مجلس دير الزور العسكري والعشائر العربية) على ال HSD، أن تكون درساً آخر وعبرةً للإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي، إلى تبني سياسة جديدة تخدم مصالح الشعب الكردي و قضيته القومية؟
وفي ختام المقال وتأكيداً لأهمية توحيد الصف والخطاب الكرديين في وجه مستجدات الحالة الراهنة، ومن واقع الطموح القومي في التحرر لا بدّ من مواجهة خطاب العداء السافر للأنظمة المذكورة بحق الكرد من وقفة جادة ومسؤولة وهذا ما تفرضه التحديات المستقبلية والراهنة، وكما أسلفت لا بدّ من الاستفادة من الوضع الراهن السوري، في تحقيق مكاسب سياسية، فالفرصة سانحة اليوم وقد لا تتكرر لعقود من الزمن!!.