مختار حي المهاجرين.. وخطاب المهزوم

عمر كوجري

  منذ اندلاع الأحداث في سوريا، وفي أول خطاب لرئيس النظام السوري بعد تزايد الاحتجاجات ضد نظامه وفي قاعة ما يُسمّى مجلس الشعب السوري، كان واضحاً أنّهُ ماضٍ حتّى النّهاية في القتل ثم القتل حتى تنتهي الثورة السورية ضده، فقد وصف وقتها المحتجين بالخونة والمتآمرين والمتطرّفين والمحتاجين، وخرج وقتها على إثر خطابه مئاتُ الآلاف من السوريين في مختلف مناطق سوريا ضد خطابه، والكثير من المتفائلين عدّوا أن هذا سيكون خطابه الأخير، إلا أن أوجاع السوريين استمرت حتى اللحظة.
في 9 آب الماضي، أجرت قناة «سكاي نيوز» الإماراتية مقابلةً بحدود النصف الساعة مع رئيس النظام، تمحورتِ الأسئلةُ عن العديد من القضايا التي تهمُّ السوريين، إلا أنه كالعادة كان مراوغاً ومخاتلاً في أجوبته، فقد بدا وكأنّ كلَّ الدمار الذي حصل في سوريا، وجعل من عاليها سافلها، وتراجعت البلاد لعشرات السنين، والقتل والتهجير الذي حدث في سوريا قد فعلته أوساط ليست قريبة منه!! 
  لقد كان الاستماع لصوته لنصف ساعة صعباً، أسلوبُه الاستفزازي هو ذاتُه لم يتغيّر، فقد مدح المعارضة «المصنعة محلياً» وذمّ المعارضة المصنعة خارجياً، وهو يقصد المعارضة التي تصنعها أوساط أمنية ومخابراتية لنظامه، والتي لا مشكلة لها مع استمرار نظامه وضرورة تغييره كونها صنيعته، جلُّ مطالبها تحسينُ مستوى المعيشة، وربما الاحتجاج على رفع أسعار المحروقات.
  في معظم أجوبته بدا وكأنّه منفصلٌ عن الواقع، ولا يعلم بما حصل لسوريا التي دمّرها جيشه!! 
في معرض ما قال إنه كان من الممكن تفادي الحرب، لو خضع للمطالب التي «تفرض على سوريا» وادّعى انه دافع عن “استقلالية القرار السوري” وهو بذلك لم يبدِ أي ندم على حجم الدمار الهائل الذي ارتكبه جيشه، وأنّ الزمنَ لو عاد لما كان أداؤه التدميري أقلَّ ممّا كان، ولنفّذ ما نفّذه، وغير نادم على أنهار الدم السوري التي أريقت في كلِّ بقعة من سوريا.
   في الحديث عن توسُّع رقعة الاحتجاجات ضده، ادّعى أن المحتجين لم يتجاوزا المئة الألف ونيّف” وصارت هذه الـ «نيّف» منصة مسخرة واستهزاء لحكيه على منصات التواصل الاجتماعي، هو بارع في الكذب والافتراء، ففي ساحة الساعة بحمص وحدها في 18-4-2011 خرج عشرات الآلاف من السوريين، حيث ارتكب جيش النظام وقتها مجزرة رهيبة راح ضحيتها العشرات من المعارضين لنظامه.
  عن عودة المهجّرين لسوريا، اعترف عن قصد أو غيره:
كيف سيعود السوريون إلى بلدهم، وليس فيها لا ماء ولا كهرباء، ولا خدمات، وبنية تحتية مدمّرة؟؟ أي أنه أقرّ أن سوريا لم تعد دولة قابلة للعيش والحياة.
   لم يخجل حينما قال إنه من الطبيعي أن نطلب المساعدة من أصدقائنا لدحرِ الإرهابيين، ويقصد الشعبَ السوريَّ، وذلك لشرعنة الاحتلال الروسي والإيراني، والكثير من الميليشيات الطائفية التي تقاتل لديمومة النظام. ولولا «أصدقاء النظام» لكان اليوم في مكانٍ هامشيٍّ من زوايا التاريخ المُهمَلة.
وهكذا، كما كان متوقعاً لم يلمّح مختار حي المهاجرين بأيّ جديد، وظلّ منفصلاً عن الواقع، إلى أن يخرسه شابٌ غاضب ربما من السويداء، ويُنهي هذه المهزلة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…