القضية الفلسطينية بما هي مسألة تحرر وطني تدخل في عداد جملة من حالات الشعوب الرازحة تحت نير الاضطهاد القومي والحرمان من الحقوق القومية والديموقراطية مثل الحالة الكردية وغيرها والمكافحة لانتزاع حق تقرير المصير وفق مبادىء ومواثيق الشرعية الدولية والتي تواصل نضالاتها منذ القرن التاسع عشر وصولا الى مشارف القرن الجديد.
حتى الآن ومنذ ما يقارب نصف قرن مازالت عملية حل القضية الفلسطية وملحقاتها تراوح مكانها بل وتزداد تعقيدا ولم تتحقق مطامح الساعين من العرب واليهود في دولة ديموقراطية موحدة والتي يعتبرها الكثيرون من الاسرائيليين بمثابة عودة الى الوراء يستحيل قبولها في الوضع الراهن وينظر اليها في الوقت ذاته بعض التيارات الفلسطينية المتطرفة سلوكا انهزاميا وخروجا عن مبادىءالوطنية وتعددت المشاريع والخيارات على المستويات كافة الفلسطينية والدولية ومن أكثرها قبولا وواقعية على الصعيد السياسي قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب دولة اسرائيل والتعايش السلمي بينهما ونبذ العنف والتفرغ للبناء والاعمار وبغية تنفيذ هذا الخيار في عهد الادارة الأمريكية الحالية التي تبنت مقولة قيام الدولة الفلسطينية يزداد الاهتمام الدولي عبر الرباعية لعقد مؤتمرات وحوارات جديدة على أساس وثيقة خارطة الطريق والمبادرة العربية التي أطلقتها العربية السعودية في قمة بيروت.
لاشك أن هناك جملة من العوامل الداخلية والخارجية على ضوء موازين القوى القائمة بشكل رئيسي بين الفلسطينيين واسرائيل وتحالفاتهما تقوم بالدور الحاسم في نوعية الحلول المطروحة ومدى توافقها مع مصالح الطرفين المتصارعين فعلى سبيل المثال ليس هناك في المرحلة الراهنة حظوظ لحلول وسطية متكافئة وعادلة بالتساوي مثل اقامة دولة فلسطينية ديموقراطية علمانية على كامل أراضي فلسطين التاريخية وعلى أنقاض دولة اسرائيل الحالية وعلى النقيض من الآيديولوجية الصهيونية السائدة في أوساط فاعلة في المجتمع الاسرائيلي ومفاهيم الاسلام السياسي الأصولي الضارب في الوسط الشعبي في عدد من المناطق الفلسطينية والمدعوم من عواصم أنظمة مستبدة ممانعة خلف الحدود , ان أخطر ما يواجه الحلول الديموقراطية العلمانية للقضية الوطنية الفلسطينية هو تحديات الأصوليتين اليهودية والاسلامية السياسية اللتان تشتركان في دفع الأمور باتجاه واحد نتيجته تحويل قضية الشعب الفلسطيني من مسألة تحرر وطني بآفاق ديموقراطية مسالمة وقضية قومية عادلة تهدف انتزاع حق تقرير المصير الى حركة دينية تتحول وقودا في معارك صراع الحضارات والأديان والأعمال الارهابية وتستعمل لصالح أجندة الغير وخاصة نظامي دمشق وطهران وبالتالي عزلها عن شعبها وجماهيرها وأصدقائها من قوى التحرر والتقدم والمجتمع الدولي.
بحكم الطبيعة القومية الديموقراطية للقضية الفلسطينية فانها أحوج ما تكون الى ضرورة أن يقرر الشعب الفلسطيني مصيره حسب ارادته الحرة وعبر مؤسساته الشرعية من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية المنتخبة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي والتي تكاد تجمع على حل دولتين لشعبين عبر الحوار السلمي وفي اطار الشرعية الدولية والاجماع العربي وهو مايمكن اعتباره الحد الأدنى من الممكن محليا ودوليا في الظرف الراهن بعد التحولات العالمية وغياب السند الدولي – الاشتراكي – حسب رؤية ممثلي الشعب الفلسطيني وهي قراءة واقعية.