الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين

صلاح بدرالدين

     القضية الفلسطينية بما هي مسألة تحرر وطني تدخل في عداد جملة من حالات الشعوب الرازحة تحت نير الاضطهاد القومي والحرمان من الحقوق القومية والديموقراطية مثل الحالة الكردية وغيرها والمكافحة لانتزاع حق تقرير المصير وفق مبادىء ومواثيق الشرعية الدولية والتي تواصل نضالاتها منذ القرن التاسع عشر وصولا الى مشارف القرن الجديد.

  ومن النادر أن شهدت قضية تحرر وطني من تعقيدات واستقطابات وحروب ومواجهات دبلوماسية وانقسامات عالمية في العصر الحديث كما شهدتها هذه القضية ولم تزل لأسباب عديدة من أهمها البعد الدولي المهيمن لكون اسرائيل المعنية المباشرة بجذور المشكلة ومفاقمتها بدء من الاستيطان والسيطرة على أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم من ديارهم وسن قوانين شوفينية مجحفة منذ قيام الدولة العبرية على أساس الأمر الواقع وتغييب الطرف الآخر وانتهاء بما هي الحالة عليها الآن من مفاوضات عسيرة وحذرة بين الأطراف وتفاقم عنصر العنف وانفلات الغرائز الارهابية المشحونة بالمسحة الدينية الظلامية في أوساط الجانبين.
    منذ ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة في أواسط ستينات القرن المنصرم وتشكل منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية موحدة وشرعية لنضال مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات والتيارات الفكرية والسياسية كما تقتضي عادة شروط ومتطلبات مرحلة التحرر بدأت شعوب المنطقة والعالم وخاصة شعوب مناطق وبلدان التحرر الوطني تتطلع بمزيد من الاهتمام والمتابعة الى المسار الفلسطيني وتجربته بوجهيها: الكفاح المسلح والنضال السياسي وخططه الميدانية حول الوحدة الوطنية وصراع الطبقات في المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات وتعامله مع المحيط العربي والقوى الوطنية في دول التماس والحركة الديموقراطية في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي  وسبل حل مسألته القومية في اطار مبدأ حق تقرير المصير خاصة وأن الساحة الفكرية الفلسطينية التي تميزت بالنضوج والحوار في عقديها الذهبيين بأحضان  دفىء – البيئة اللبنانية – أفرزت اتجاهات وخيارات واجتهادات متعددة حول حل القضية الفلسطينية من أبرزها شعار الدولة الفلسطينية الديموقراطية الموحدة للعرب واليهود الذي تبنته حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – كبرى المنظمات الفلسطينية ودعمته مباشرة أو بصورة رمزية دول المعسكر الاشتراكي – السابق – والحزب الشيوعي الاسرائيلي – راكاح – وكذلك بعض أجنحة اليسار الفلسطيني الجديد التي تميزت بقراءتها الخاصة وبرنامجها الأكثر تفصيلا أمام شعار كان يكتنفه الغموض في بعض الجوانب ويثار من حوله الخلاف حتى بين أوساط حركة – فتح – صاحبة الشعار من يمين ويسار ومدنيين ومقاتلين , وفي الساحة الاسرائيلية المقابلة لم يتجاوز شعار الدولة الديموقراطية – راكاح – وبعض حالات قليلة شملت تيارات السلام اليهودية المتواضعة الحجم والتأثير في الرأي العام الاسرائيلي.

    حتى الآن ومنذ ما يقارب نصف قرن مازالت عملية حل القضية الفلسطية وملحقاتها تراوح مكانها بل وتزداد تعقيدا ولم تتحقق مطامح الساعين من العرب واليهود في دولة ديموقراطية موحدة والتي يعتبرها الكثيرون من الاسرائيليين بمثابة عودة الى الوراء يستحيل قبولها في الوضع الراهن وينظر اليها في الوقت ذاته بعض التيارات الفلسطينية المتطرفة سلوكا انهزاميا وخروجا عن مبادىءالوطنية  وتعددت المشاريع والخيارات على المستويات كافة الفلسطينية والدولية ومن أكثرها قبولا وواقعية على الصعيد السياسي قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب دولة اسرائيل والتعايش السلمي بينهما ونبذ العنف والتفرغ للبناء والاعمار وبغية تنفيذ هذا الخيار في عهد الادارة الأمريكية الحالية التي تبنت مقولة قيام الدولة الفلسطينية يزداد الاهتمام الدولي عبر الرباعية لعقد مؤتمرات وحوارات جديدة على أساس وثيقة خارطة الطريق والمبادرة العربية التي أطلقتها العربية السعودية في قمة بيروت.
     لاشك أن هناك جملة من العوامل الداخلية والخارجية على ضوء موازين القوى القائمة بشكل رئيسي بين الفلسطينيين واسرائيل وتحالفاتهما تقوم بالدور الحاسم في نوعية الحلول المطروحة ومدى توافقها مع مصالح الطرفين المتصارعين فعلى سبيل المثال ليس هناك في المرحلة الراهنة حظوظ لحلول وسطية متكافئة وعادلة بالتساوي مثل اقامة دولة فلسطينية ديموقراطية علمانية على كامل أراضي فلسطين التاريخية وعلى أنقاض دولة اسرائيل الحالية وعلى النقيض من الآيديولوجية الصهيونية السائدة في أوساط فاعلة في المجتمع الاسرائيلي ومفاهيم الاسلام السياسي الأصولي الضارب في الوسط الشعبي في عدد من المناطق الفلسطينية والمدعوم من عواصم أنظمة مستبدة ممانعة خلف الحدود , ان أخطر ما يواجه الحلول الديموقراطية العلمانية للقضية الوطنية الفلسطينية هو تحديات الأصوليتين اليهودية والاسلامية السياسية اللتان تشتركان في دفع الأمور باتجاه واحد نتيجته تحويل قضية الشعب الفلسطيني من مسألة تحرر وطني بآفاق ديموقراطية مسالمة وقضية قومية عادلة تهدف انتزاع حق تقرير المصير الى حركة دينية تتحول وقودا في معارك صراع الحضارات والأديان والأعمال الارهابية وتستعمل لصالح أجندة الغير وخاصة نظامي دمشق وطهران وبالتالي عزلها عن شعبها وجماهيرها وأصدقائها من قوى التحرر والتقدم والمجتمع الدولي.
    بحكم الطبيعة القومية الديموقراطية للقضية الفلسطينية فانها أحوج ما تكون الى ضرورة أن يقرر الشعب الفلسطيني مصيره حسب ارادته الحرة وعبر مؤسساته الشرعية من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية المنتخبة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي والتي تكاد تجمع على حل دولتين لشعبين عبر الحوار السلمي وفي اطار الشرعية الدولية والاجماع العربي وهو مايمكن اعتباره الحد الأدنى من الممكن محليا ودوليا في الظرف الراهن بعد التحولات العالمية وغياب السند الدولي – الاشتراكي – حسب رؤية ممثلي الشعب الفلسطيني وهي قراءة واقعية.

  

  * – كتبت المقالة بطلب من – الحوار المتمدن – و – أجراس العودة – للمشاركة في ملف خاص حول الموضوع الفلسطيني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…