د. محمود عباس
قال ثيوفراستوس (371-287 قبل الميلاد) “خطيئة الرغبة أجدر باللوم من خطيئة الغضب”. حكم بشري ينطبق على فعل مجموعة من الحزبيين الكورد القدامى، بينهم الذين انشقوا عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني-غربي كوردستان، بعد مؤتمرهم الثاني، والتوجه نحو تشكيل كيان حزبي جديد، تم تسميته مسبقا بـ (حركة البناء الديمقراطي الكُردستاني- سوريا) والمتوقع انعقاد مؤتمرهم التأسيسي في يوم الأحد بتاريخ 27/8/2023م بمدينة دورتموند-ألمانيا.
لا شك أن مجريات المؤتمر المنوه إليه هو الدافع الأكبر للوليد الجديد، وعليه فالشعب الكوردي أمام مقارنة ما بين الشريحة الغاضبة والتي بدأت تتهم هنا وهناك بتكرار الخطيئة التي يغرق فيها الحراك الحزبي الكوردي في غربي كوردستان، مقابل الخطيئة المقصودة التي تتحملها الشريحة التي دفعت بالمؤتمر إلى الفشل وسيطرت على الحزب بدافع الرغبات الذاتية.
ولا يهم ما يقال عن المؤتمر ومخرجاته، وحضوره ونجاحه وفشله، وما يمكن أن تقدمه القيادة المكررة ذاتها، لقادم القضية، بقدر ما يهم رأي الشارع الكوردي في الذين ظلوا على سدة القيادة، وكيف تم، والقوة التي وقفت خلفهم وساهمت في إحداث الخطيئة، وأسبابها، وهل بإمكانهم التحرر من الذاتية إلى الموضوعية، ومن المصالح الخاصة إلى المصلحة العامة، وجلهم من المجموعة الحزبية المتمرسة والمستفيدة ماديا أكثر من مما تقدمه للحزب والمجتمع، لا شك أنهم شخصيات وطنية، لكن يقال، بأنهم يعرفون كيف تنهش مقدرات الحزب والشارع الكوردي وربما رأيه. ونحن هنا لا نتحدث عن الوطنية من عدمه، بل عن الفعل والغاية.
على الأرجح المخلوق الجديد سيكون على مقاس الحزب المنعوت ذاته، والأحزاب الكلاسيكية المنتشرة وبمنهاج مماثل، ورثة الحراك الحزبي – السياسي الذي كان يفتخر به وبعضويته، ولربما سيعملون بنفس الوتيرة المتداولة، فجلهم من الرعيل الحزبي القديم، وهم أدرى من الجميع بأنه لم يعد هناك فراغ في ذهنية الشارع الكوردي لظهور حزب أخر، لكن الطفرة هنا، هي بالانتقال من أحضان الوطن إلى الساحة الأوروبية، وتحت خيمة المهاجرين، والحالمين بالعودة، والاستفادة من الواقع المفروض على الجيل الأول من المهاجرين، الذي ربما هو الأول والأخير في حمل هم الأمة والقضية، التي ربما ستضيع مع الأجيال التالية من أبناء المهاجرين.
فكما نعلم المنظمات الكوردية خارج الوطن أعدادها أصبحت لا تقل عما في داخل الوطن، وهذا الوليد القادم سينضم إليهم، مع مبررهم الأكثر حضورا، هو الغضب على ما تم في المؤتمر الثاني أو ما جرى من الأخطاء الناتجة عن تفضيل الرغبة الذاتية على العامة، طوال السنوات التسع من عمر الوحدة بين الأحزاب الأربعة، والغضب من تغاضي القوى السياسية الكوردستانية عن أخطاء المجموعة المسيطرة على قيادة الحزب ولغايات غير محمودة، وهي التي دعمتهم رغم عدم نجاحهم، ومن تناسيهم مصلحة جماهير الحزب ذاته، ولم يكتفوا بذلك بل دفعوا بهم إلى السقوط في الخطيئة، وتحنيط الحزب في بوتقة الرغبة والرؤية الذاتية والمصالح الخاصة.
الشعب الكوردي في غرب كوردستان، يعيش دوامة العطالة الفكرية السياسية، على خلفية ظروف قاهرة متنوعة، والتي تحد من بروز القوة الواعية الفاعلة؛ لقيادته، أو ظهور المجموعة التي بإمكانها أن تنقذ الأمة من التيه ضمن أروقة التآكل الداخلي، وتتمكن بإخراجه من الصراع مع الأنظمة المحتلة بكسب سياسي أو دبلوماسي وبعض الحرية، والشريحة التي لها إمكانيات التعامل مع الأروقة الدبلوماسية العالمية بالسويات العصرية.
وفي هذا الواقع وعلى ما يتم الحديث حوله، هل يحق التكفير هنا؟ أم يجب الالتزام بمنطق الخطيئة؟ وإن تمسكنا بالحكمة، فهل الخطيئة هذه هي ردة فعل منطقي على خطيئة الذين اقترفوها لرغبة وبمخطط، ولا رغبة لهم في فسح المجال لغيرهم؟ أم هي تكرار لخطيئة ظهرت قبل نصف قرن تقريبا، فعل ورد فعل بكل أبعادها الكلاسيكية، يعرفها الجميع ولا يتفادوها، ولا تزال القيادة الحزبية أسيرة المنهجية الفكرية ذاتها ولا تدرك دونها، ولا تملك قدرة الإتيان بجديد.
وهنا نسأل: هل يمكن الحكم على ما جرى في قاعة المؤتمر وأروقتها الخلفية بالخطيئة الكبرى، وهل هي من الكبائر؟ والكبيرة حكمها تختلف بين المدارس المذهبية، ما بين الكفر أو دونها، وما بين بين، والاختلافات هي ذاتها لدى الشارع الكوردي وبين أوساط الحراك الثقافي، يحكمون ما بين الوطنية الضائعة بحكم المصلحة أو الخطيئة غير المقصودة، والخيانة والجهالة وعدم الوعي، وغيرها، ويا لكثرة الوصف والاتهامات.
مع ذلك ورغم ما سيجري من الأحاديث والانتقادات وجلها من على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نستطيع القول أن الشعب وفي التجربة هذه، ليس أمام الوجه الأخر للديمقراطية، وحيث مشروعية التعددية الحزبية، في ظل وجود دولة ومؤسسات حكومية وإعلام حر، بل أمام محاولة مماثلة لسابقاتها، مل منها الشعب الكوردي، وهو في مرحلة الصراع مع المحتلين وأنظمتهم التي تملك كل أنواع الطاقات لتوجيه الأحزاب الكوردية والكوردستانية، في الدروب التي يرغبونها ودون أن تكون لنا قدرة على إدراكها أو قوة لمواجهتها، ومن إحدى توجيهات تلك الأنظمة، توسيع شرخ الخلافات المرعبة بين أطراف الحراك الحزبي والسياسي، إلى درجة بدء الشعب الكوردي يخسر المكتسبات التي حصل عليها بفضل التضحيات الجسام ومساعدة القوة الكبرى على خلفية مصالحهم.
مع ذلك، ورغم إن ظهور أي حزب جديد ضمن ما لا يقل عن مئة حزب في ساحة غربي كوردستان خطيئة مقصودة حتى ولو كانت عن غضب، لا أرى كفرا في ظهوره، مثلها مثل المنظمات بكل أنواعها وأشكالها، قد تتمكن من جمع عدة أحزاب ضمن خيمة واحدة. أو لتدرج إلى الساحة كغيرها من التجارب، وجلها محاولات علا واحدة منها تخلق طفرة قد تقود الأمة إلى النجاح، لكن، ولا بد من التنبيه، على من أقدم عليها؛ تحمل وتقبل حكم الشعب، في حال الفشل، وأدت تجربتهم إلى توسيع شرخ الخلافات، وكانت النتيجة خطيئة مضافة، والحكم سيكون على مستوى الضرر الناتج عن فعلهم، ومن المعروف الشارع لا يرحم الفاشل حتى ولو أنه يقال في البعد الاقتصادي وليس السياسي لا يوجد فشل مطلق بل هو تجربة واكتساب خبرة، لكن في واقع الأمة الكوردية وضمن مجال الحراك الحزبي تجاوزت التجارب مرحلة الخبرة وبدأت تغرق في مستنقع الضياع المريع والخطيئة الكبرى.
ما على الرسول إلا البلاغ، وشريحة من الحراك الثقافي الكوردي خير الرسل للحراك الحزبي السياسي، ليتهم يأخذون بمشورتهم قبل أية انطلاقة، مع ذلك أتمنى لهم ولكل حراكنا الكوردي والكوردستاني، التوفيق والنجاح والذي لن يتم بدون العمل على خلق الجديد والملائم للعصر.
الولايات المتحدة الأمريكية
26/8/2023م
——————–