عفرين الاستثناء

د. عبدالحكيم بشار

يُدرك القاصي والداني أن الحرب الدائرة في سوريا منذ سنوات والتي أشعلها النظام السوري خلق وضعاً معقداً في كامل الجغرافيا السورية، وذلك في ظل تعدد الإدارات بغض النظر عن عدم شرعية أو شرعية البعض منها، ومن أبرز ملامح هذا الوضع المعقد هو النزوح الداخلي الكبير والهجرة نحو الخارج بوتيرة متسارعة خاصة في الفترة الأخيرة، منها بسبب إطالة عمر الحرب التي أنهكت جميع السوريين، ومنها بسبب الانهيار الاقتصادي الكبير وانعدام الخدمات الأساسية في مناطق النظام، وكذلك الأمر ففي المناطق السورية الخارجية عن سيطرة النظام بالرغم من أن الوضع الاقتصادي والخدماتي فيها أفضل عشرات المرات من مناطق النظام إلاّ أنها هي الأخرى شاهدة على موجاتٍ من الهجرة المتلاحقة بسبب فوضى السلاح وغياب الأمان. 
وصار مشروع الهجرة من الوطن سمة أساسية في هذه المرحلة كنتيجة مباشرة من نتائج الحرب في سوريا، وبات لدى الغالبية العظمى من سكان سوريا مشروع الهجرة في رأس الأولويات، ويشمل ذلك بطبيعة الحال كل الجغرافية السورية إلاَّ في عفرين حيث نلحظ فيها شيء من الاستثناء، وبات لدى هذا الجزء من الشعب الكردي في هذه المنطقة العودة إلى أرض الآباء والأجداد هي السمة الرئيسية بالرغم من الصعوبات التي تعترض سبيل بعض العائدين.
ومن دون مبالغة أرى بأن أهالي عفرين يشكلون حالة استثنائية قد تكون وحيدة في سياق الحالة السورية ككل، فما سر هذه الحالة؟ شخصياً لا أعلم، بل ومهما تحدثنا وحللنا أعتقد بأننا لن نكون قادرين على الإجابة عن السؤال المطروح بالشكل المطلوب فيما يتعلق بسر هذا الاستثناء، فهل أثني على الروح التي يمتلكونها وأقول إن أهالي عفرين أبطال؟ الجواب نعم إنهم حقاً أبطال لأنهم يدركون حجم المصاعب جيداً ومع ذلك لا يترددون في العودة إن سنحت لهم الظروف، ويا ترى هل ارتباطهم بالزيتون ورمزيته والتي تشكل بالنسبة لهم شجرة الحياة كافٍ لتفسير هذا الاستثناء؟ لا أجزم، ولكني أعتقد بأننا أمام أناس استثنائيون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ويحتاج الأمر إلى دراسة الحالة، وربما إلى المزيد من التحليل من قبل مختصين في علوم الاجتماع والسيكولوجيا وغيرها من العلوم الإنسانية، لنصل حينها إلى السر الكامن خلف ارتباط العفريني بأرضه وسمائه، وأقولها بصوتٍ عالٍ إن أبناء (Çiyayê Kurmênc) جبل الكرد روحهم مغروسة هناك إلى جانب شجرة الزيتون، كما أن جذورهم في الأعماق ورؤسهم شامخة شموخ جبالهم، فتحية لـ: (Çiyayê Kurmênc) جبل الكرد، يعيش أهالي عفرين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…