كردستان العراق ….قراءة في المواقف الإقليمية ….

د.

شيراز مامو

من خلال متابعة وتيرة المتغيرات الإقليمية, وتسارع الأحداث في منطقتنا , من بعد سقوط النظام العراقي البائد وحتى اليوم , نلاحظ  وبوضوح  إن أطراف المعادلة الإقليمية في الجوار العراقي تحركت – ومنذ الأيام  الأولى – باتجاه الممانعة لنتائج وتداعيات الحالة العراقية على واقعها بحيث تبقى هذه الأطراف بمنأى عن التغييرات الدراماتيكية  الخطيرة بالنسبة لها , ويمكن تلخيص هذه المواقف  في عدة اتجاهات مختلفة  :

 سياسات الدول العربية المعتدلة ( مصر , الأردن , المملكة العربية السعودية ودول الخليج) : مواقف هذه الدول من العراق الجديد تأرجحت بين الخوف والاطمئنان , الخوف من المستقبل المجهول للمنطقة بعد سقوط النظام  والاطمئنان  على أن  منطقة الخليج تخلصت من نظام دكتاتوري ارعن كان دائماً يشكل الخطر  الأكبر لهذه الدول وأنظمتها, والخوف من المستقبل المجهول تجسد في المد الشيعي الآتي من إيران عبر جنوب العراق مع الخوف الحقيقي من تزايد  نفوذ تنظيم القاعدة  والمد السلفي التكفيري , في الشارع العربي عموما وفي السعودية خصوصاً , لكن بالمحصلة وجدت هذه الدول ذاتها ومصالحها كدول وكأنظمة حاكمة , في تنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة مع بعض التحفظات التكتيكية  من حين لآخر  وفي كل الأحوال لم ترق المواقف الرسمية  لهذه الدول إلى درجة التدخل في الشأن العراقي الداخلي أو معارضة شكل النظام السياسي في العراق .
  الموقف الإيراني :
إيران اعتبرت نفسها الرابح الأكبر من عملية التغيير في العراق , إذ وجت في سقوط النظام العربي السني في بغداد  وانهيار مؤسساته  الأمنية والعسكرية , جسراً حيوياً لمد نفوذها تجاه العمق العربي , من خلال  الهيمنة الشيعية على نظام الحكم في العراق الجديد , وعمدت منذ البداية على دعم  نظام فيدرالي في العراق يمهد لها الوصول إلى أطراف الإمبراطورية الفارسية القديمة من خلال علاقاتها الجيدة مع  الإقليمين , الشيعي في الجنوب  والكردي في الشمال (كردستان العراق) , و طبعاً هذا يخالف الرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة بشكل كامل , حيث مشروع الشرق الأوسط الكبير , ودعم العملية الديمقراطية في المنطقة, بما يخدم  أهداف إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي , من خلال محاربة التطرف والإرهاب …..

, إضافة ًإلى الخلاف الأهم والأكبر أضافته إيران إلى قائمة الخلافات مع الغرب عموماً ومع أمريكا بشكل خاص وهو التوجه النووي الإيراني  ومحاولات الاستحواذ على السلاح النووي وتهديداتها المتكررة لإسرائيل , وعلى قاعدة هذه الخلافات, عملت إيران ونســــّقت مع القوى المناهضة للولايات المتحدة لإفشال المشروع الأمريكي في العراق أولا وفي المنطقة ثانيا , وبناء على ذلك كانت  التحالفات السورية الإيرانية على الساحتين اللبنانية والفلسطينية من خلال حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والقوميين العرب..

وبعض المنظمات العروبية الإسلامية المتطرفة , لكن وبالرغم من العمل والتنسيق بين النظامين السوري والإيراني في معظم القضايا المتعلقة بأمريكا ولبنان وفلسطين بقي الموقف الإيراني متميزاً عن المواقف السورية والتركية من مستقبل النظام الســياسي في العراق , إذ كان وما يزال أقرب إلى الموقف الأمريكي من الموقفين السوري والتركي ومعظم الدول العربية الأخرى , على الرغم من الصدامات المتكررة بينها وبين أمريكا على أرض العراق من خلال التيار الصدري وجيش المهدي , إذ لم تكن هذه المواجهات إلا أوراق ضاغطة في مفاوضات مسألة الملف النووي  الإيراني .
  سوريا وتركيا :
 على الرغم من  الخلاف التـــاريخي المزمن  بين هاتين الدولتين , والذي استمر عقوداً طويلةً  من الزمن , مثل  الخـلافات الحــدودية (مســـألة لواء اســكندرون) منذ أن قامت ســلطات الانتداب الفرنســـي بالتنازل عنه  لتركيا عام 1939 م, والخلاف على تقاسم مياه نهر الفرات, ومسالة إيواء سوريا لحزب العمال الكردستاني في الثمانينات والتسعينات, بالرغم من كل هذا التراكم الخلافي الثقيل عبر هذه السنين, لم تتردد هاتين الدولتين في التنسيق المباشر والعمل معاً , ضد العملية السياسية في العراق, بعيد سقوط النظام العراقي مباشرة ً, فالجديد في اللوحة الســياسية لعراق اليوم  بالنســـبة لهاتين الدولتين, هو بروز “خطــر ” العنصر الكردي على الساحة السياسية , ودخول الكرد كأحد أهم الأطراف الأساسية في  المعادلة الإقليمية  الجديدة , ومن هنا جاءت الجهود السورية والتركية في إحياء كل الأحلاف والمشاريع المؤامراتية  القديمة- الجديدة ضد الطموح الكردي في المنطقة ,وبدأت علاقات هاتين الدولتين بالنمو الإضطرادي على شكل علاقات اقتصادية  وثقافية وتجارية شكلا لكن كلها في المضمون لا تحمل سوى شيئاً واحدا وواحدا ً فقط ألا وهو معاداة الكيان الكردي الناشئ في كردستان العراق ومحاربة حركة التحرر الوطني الكردستانية  عموما ً بكل السبل  والوسائل, ولم يمض أشهر قليلة من سقوط النظام العراقي حتى قام الرئيس السوري بزيارة تركيا في مهمة واحدة فقط, وهي كيفية التنسيق المشترك في التعامل مع تداعيات المسالة الكردية داخل العراق وخارجها !؟؟ وتسارعت الخطى باتجاه تطوير العلاقات التجارية وتم التوقيع على إنشاء منطقة حرة بين البلدين عام 2004 وتلتها زيارات المسئولين من البلدين على أعلى المستويات زيارة أحمد نجدت سيزار عام 2005 زيارة أردوغان عام 2005 وعام 2006 و الوزراء والوفود التجارية من بعدهم , ومع هذه النشاطات العلنية ذات الطابع التجاري والاقتصادي كان  عمل اللجان الاستخباراتية والعسكرية قائما ً بشكل سري, والمفارقة الكبيرة في  هذا السياق أن الجانب التركي له التزامات أمنية وعسكرية تجاه إسرائيل  ألد أعداء سوريا المفترضين, بموجب تحالف استراتيجي بين تركيا وإسرائيل منذ عام 1996  , وبموجب هذا الإنفاق جرت مناورات عسكرية مشتركة بين الطرفين , في عرض البحر المتوسط , كما أن تركيا ملزمة بموجب هذا التحالف تقديم كل التسهيلات اللوجستية اللازمة لدولة إسرائيل عند قيامها بأي عمل ضد سوريا أو غيرها, وأوفت تركيا بالتزامها على أرض الواقع, عندما سمحت للطائرات الحربية  الإسرائيلية  العبور  من أجواءها لضرب أهداف عســكرية في العمق السوري ؟ لكن يبدو أن كل هذا ليس هو المهم  بالنسبة للنظام السوري , إذ هناك الأهم من ذلك بكثير , وهو كيفية استثمار الورقة الكردية لدى الأوساط العروبية والشوفينية المعادية  للشعب الكردي داخل المجتمع السوري , للتبجح والتظاهر بمظهر المدافع عن “ثوابت الأمة ” و “العروبة” و الرسالة الخالدة عبر الشعارات واسطوانتها القوموية المشروخة , وتصريحات المسئولين السوريين في الصحافة والأعلام ما هي إلا صياغات  انتقائية لمفاهيم مشوشة تتأرجح بين الخوف من الواقع و التغيير والإصرار على البقاء  على سياساتها التقليدية المعادية لقضية الشعب الكردي, وجاءت التصريحات الأخيرة للرئيس السوري أثناء زيارته لأنقرة في هذا السياق ناهيك عن توقيت هذه الزيارة , ربما كان الأجدر بالنظام السوري قبل الحديث عن معاداته “للإرهاب” الكردي وإبداء تعاطفه مع الحكومة التركية, أن يدقق قليلا ً في مفرداته , فإذا كان شــمال العراق أو جبال قنديل من كردســـتان العراق أصــبحت  ملاذا آمنا ً, ” للإرهابيين” فليست الولايات المتحدة الأمريكية هي التي  أرسلتهم إلى هناك  بعد عام 2003 , بل هو النظام نفسه الذي أرسلهم بالأمس القريب قبل أتفاق اضنة  مع الأتراك عام 1998 و التآمر على تسليم زعيم  حزب العمال الكردستاني لتركيا في شباط عام 1999, لتنفيذ نفس مهام اليوم , لكن الأمس غير اليوم ؟ فاللوحة السياسية تغيرت على أرض العراق وكردستان العراق , وعليها فحلفاء  الأمس ; أعداء اليوم , وأعداء الأمس; حلفاء اليوم , غيَّر الزمن من مواقعهم لكن الهدف بقي كما هو بالنسبة لهذا النظام , وننصحه في هذا السياق – ومن موقع الحرص على سوريا – قبل أن يطالب بوحدة العراق  أرضا ً وشعبا ً في كل مناسبة وبدون مناسبة أن يطلق مشروع وحدة سوريا أرضا ً وشعبا ً بإطلاق مشروع وطني سوري شامل للمصالحة الوطنية بين  مختلف الكيانات السياسية  السورية, و البحث المشترك في سبيل تحرير أجزاء مقتطعة من الوطن السوري من الجولان المحتل وحتى اللواء السليب المحتل من قبل الدولة التركية, وإعادة لحمة ووحدة الأرض السورية , لتعود سوريا حرة موحدة  قوية ً .


أما بالنسبة لتركيا فالجميع يعلم  , أن تركيا الأمس وتركيا اليوم هي تركيا التي تسير وفق دستور الانقلاب العسكري عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان ايفرين, عندما قامت الطغمة العسكرية الفاشية في /7 / نوفمبر تشرين الثاني عام 1982 بإجراء استفتاء صوري على دستور صاغه العسكر, في ظل قوانين حالة الطوارئ , وفي حينها قال كنعان ايفرين قائد الانقلاب: لن نرحل حتى لو صوت كل الشعب ضد هذا الدستور, وفي هذا الدستور الجديد أعلن رسميا ً وعلنيا ً معاداة الشعب الكردي بالنص الدستوري وهددهم بالاقتلاع من الجذور والى ما هنالك من المواد الخاصة بالعدوانية المفرطة تجاه الكرد  والشعب الكردي, وليس من السهولة بمكان التخلص من هذا الإرث الفاشي للدولة التركية ربما تحتاج الدولة التركية إلى عقود طويلة من الزمن للتخلص من كابوس القوانين الفاشية في الدستور التركي, وحزب العدالة والتنمية الآن يعمل بموجب هذا الدستور, وهو إذ يحاول تعديل بعض بنوده لاحقا ً, لكن ضغوطات المؤسسة العسكرية التركية التي ستحاول الإبقاء على مكانتها في المفاصل الأساسية للدولة من خلال افتعال المشاكل مع إقليم كردستان العراق  والشعب الكردي , وربما تحت هذه الضغوطات تضطر حكومة أردوغان بالقيام  بمغامرة عسكرية  في كردستان لأهداف غير معلنة  لكنها واضحة المعالم لنا ولتركيا وللنظام السوري وللعالم أجمع , أوضحها أردوغان  في كلمة له في /11 /أكتوبر تشرين الأول الجاري عندما قال بأن قواته العسكرية إذا دخلت شمال العراق ستبقى مدة سنة قابلة  للتجديد وحسب الظروف – طبعاً هو يعني الظروف التي تحددها تركيا – إذن فنحن أمام حالة سياسية واضحة المعالم والأهداف من جانب الدولة التركية ومساندة  سورية  , الهدف منها النيل من تجربة كردستان العراق الديمقراطية , ووأدها قبل أن تستفحل تداعيات الحالة  المؤسساتية الكردية في كردستان العراق وتنتقل “العدوى” باتجاه سوريا وتركيا, ومن الأهمية القصوى في هذا السياق أن نذكر أعداء الشعب الكردي بأن الولايات المتحدة الأمريكية تملك مشروعا شرق أوسطيا ً – أعد له من قبل صنّاع القرار في أمريكا بعد أحداث سبتمبر 2001-  بدأت به من العراق وقد صرفت الكثير من الأموال وزهقت الكثير من الأرواح في سبيل إنجاح مشروعها هذا, والأجندة الأمريكية واضحة بهذا الخصوص, فهم في حرب عالمية ضد الإرهاب في كل مكان من العالم, وشعب كردستان وارض العراق بما فيها إقليم كردستان جزء حيوي من قوة أمريكا في هذه الحرب, وإذا كانت الإستراتيجية الأمريكية لاقت الكثير من الممانعات والصعوبات , وتعثرت خطاها قليلا ً, ولم تنجح بعد أو لم تعلن الانتصار بعد, فبالتأكيد أنها لم تفشل بعد …بل تنتظر الانتصار القريب, وملامح الانتصار الفعلي على تنظيم القاعدة بدأت تظهر بوضوح  في المحافظات السنية من العراق, من خلال صحوة العشائر العربية في الوسط, وربما تكون محاولات ضرب أمن إقليم كردستان جاء ردا ًعلى فشلهم في المحافظات السنية, كطريق آخر للوصول إلى ضرب أمن العراق وإفشال المشروع الأمريكي , لكن البيت الأبيض أو دوائر البتاغون لن تسمح بالفشل لمشروعها , ذات الأهمية الإستراتيجية للأمن القومي الأمريكي , وتحديدا ً تجربة كردستان العراق الديمقراطية وحالة الأمان والاستقرار في هذا الجزء من العراق هو أحد أهم عوامل قوة نجاح المشروع الأمريكي في العراق , لذا  لا نتمنى أن يراهن أحد على إفشال المشروع الأمريكي في العراق أو يراهن على ضرب المؤسسات الوطنية لإقليم كردستان والنيل من حرية الشعب الكردستاني واستقراره وأمنه .
وبعيدا ً عن المشروع الأمريكي والالتزامات السياسية والأخلاقية والعسكرية الأمريكية  تجاه إقليم كردستان والشعب الكردي , وبعيداً جدا عن مجموعة الدول الأوربية والإتحاد الأوربي والمعايير الخاصة لقبول انضمام تركيا للإتحاد الأوربي, نتمنى من كل الذين لم يحــــاولوا فهم المعـــادلة الإقليمية الجــــديدة, على ضوء المتغيرات  والمستجدات العالمية, أن يقوموا بمراجعة  شاملة لجملة مفاهيمهم السياسية والفكرية والأخلاقية , وأن يلتزموا بالمعايير الإنسانية في القبول بالعيش المشترك للشعوب , واحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها , بعيدا ً عن لغة الحرب والتهديد أو الوعيد, لأن الشعب الكــــــــردي لن يـــسمح بعد اليوم لأحــد بالمســـاس بمكتــــسباته التي كلفته الكثير من الدماء والدمــوع ,ولن يسمح بتجاوز خطه الأحمر  الذي رســـمه شهداء حلبجة والمقابر الجماعية , لأنه  ممنوع ……! فهو مرسوم بالدم !!!  .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…