جدل الماضي ، والحاضر ، والمستقبل

صلاح بدرالدين

هذا الثلاثي يجسد فلسفة الحياة ، والترابط التاريخي في المسار المستمر من نمط الى آخر ، ومن حقب ، ومراحل الى أخرى في جميع المناحي الاجتماعية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والحضارية ، والروحية ، وقد كان الجدل متواصلا منذ فجر التاريخ من جانب الفلاسفة ، والعلماء ، بشان تفسير ، ومعرفة ماذا حصل ، ومانحن فيه ، ومانطمح اليه .
   والمشترك في هذا التناول من جانب مختلف المدارس الفلسفية قديما ، وحديثا سيما منذ بداية عصر النهضة هو اعتبار الماضي ، والحاضر ، والمستقبل في تشابك ، وترابط من دون انقطاع ، وان كل واحدة من الثلاثة معرضة للمعرفة النقدية ، وفرز الصالح من الطالح فيها بمعنى ان الرغبة مثلا في التحرر من بعض قيود الماضي ، وقسم من أوهام المستقبل يجب ان لايؤدي الى تجاهل وقائع الحاضر السلبية منها ، والايجابية .
  فالحاضر هو استمرار للماضي ، ومنطلق نحو المستقبل ، ومدى درجة وعي الحاضر لتاريخ الماضي بكل جوانبه الإيجابية والسلبية ، كفيلة باستشراف المستقبل الأفضل ، وهذه مبادئ – مسلمات مستقاة من استخلاصات الفلاسفة خلال قرون ، لايجوز تجاوزها اذا كان الهدف تغيير الحاضر ، وبناء المستقبل المرجو .
            في واقعنا الحاضر ،ومستقبلنا المنشود
  فيما يتعلق بالراهنية الاجتماعية ، والثقافية المتردية في الوسط االكردي السوري ، والازمة السياسية المتفاقمة في الحركة السياسية هناك غالبية تسعى الى المعالجة وإعادة بناء ماتهدم والقسم الأكبر منها من خلال وعي تاريخي للماضي الذي يحمل الإيجابي والسلبي ليس عبر القطع التام معه ، بل استحضار المفيد منه لفائدة الحاضر المتهالك ، والانطلاق لمستقبل زاهر من دون أوهام مبالغة فيها ، وقد نجد أصواتا تتعالى تطالب بالقطع الكامل مع الماضي ، ونفي لوقائع الحاضر ثم ضياع وعجز عن تشخيص المستقبل المطلوب ، لاشك في ان مثل هذه الأصوات رغم صدق نوايا أصحابها لن تكون سوى تنفيس للالم ، وتعبير عن المشاعر ، والاحاسيس االمزاجية الفردية التي لن تقدم ، ولن تؤخر فالوعي التاريخي المعرفي للماضي ، والحاضر ، وآفاق المستقبل شرط أساسي للانقاذ ، والتغيير .
   من المؤكد اننا لن نعود الى زمن ( كاوا الحداد ) ، و ( رستمي زال ) ، و ( ميديا ) و ( ساسان ) فما مضى لارجعة اليه ، ولكن علينا ان نعلم ان الحاضر هو من مخلفات الماضي بدون انقطاع ويحتاج الى غربلة لتحسينه ، وخصوصا في معالجة الازمة السياسية للحركة الكردية بمنتهى العقلانية – الواقعية ، والمعرفة الموضوعية بظروف حاضرة محيطة وصولا الى غد افضل ، ويؤكد العلماء وفلاسفة عصر النور ان النهضة الأوروبية توسطت بين الماضي بكل مافيه من تراث ثقافي وقيم وبين المستقبل المنشود ، وكانت تلك الحقبة اللحظة التاريخية في الخروج الأوروبي من ” الكهف ” ، وعلينا نحن الكرد مغادرة كهوفنا أيضا .
   القطع الكامل عن الماضي ، واعتبار الكرد السوريين جزيرة معزولة عن التاريخ القومي ، والحضاري ، والحاضن الوطني امر خطير ، ودعوة الى قطع الصلة عن كل شيئ ليس التاريخ القومي فحسب بل الانتماءات الروحية والعائلية ،ووشائج الحب  ، والثقافية ، والأرض ، والطبيعة ، والرموز ، والاقتصاد ، وكل اشكال النضال ، والمشاريع القومية ، والوطنية .
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…