صوت الكورد *
عندما حسم القائمون في البارتي خياراتهم باتجاه عقد مؤتمرهم العاشر كخطوة مبدئية لرد الاعتبار لنهجهم فكراً وممارسة ، طرح هذا الخيار موضوعياً إعادة النظر لمجموعة من الأسس والمحددات على الصعيدين التنظيمي والفكري ، وفرض هذا الخيار ظلاله بإلحاحية على جو المؤتمر والقائمين على المؤتمر ، تبحث لذاتها الحلول غير القابلة للتأجيل ، تتكثف وباختصار شديد حول الدور الوظيفي للبارتي في هذه المرحلة .
من غير الممكن أن يتم الاتفاق على برنامج سياسي دون الاتفاق على الآليات العملية القادرة على ترجمتها فعلياً على أرض الواقع .
وخاصة أننا أدركنا بأن الآليات العملية للتنظيم هي التي تحدد هويتها الفعلية في الساحة النضالية .
وكذلك هي التي تحدد مصير التنظيم وهي التي تحكم على مدى الصدقية والجدية في فهمنا لمنظومة إعادة الاعتبار للبارتي ،”هذه القاعدة” من الصعب أن نتحاشى هذه القاعدة ،لا بل من المستحيل أن نغض النظر عن مستلزمات هذه القاعدة وما تفرضه من ضرورات لتستكمل عملية إعادة الاعتبار ، من الاستحضارات الأولية لها ،ليتم انجازها بشكل فعال.
غير أن هذه الآليات ولكي تكون منسجمة مع طبيعتها علينا أن نؤسس لها أولا وبشكل منهجي الأنساق التي تحدد مسارها ، وهنا ما نقصده بالمعنى الدور الوظيفي للبارتي .
اعتماداً على قاعدة الانسجام والتكامل فيما بين الآليات العملية والوظيفة المطلبية .
إذا ً دعونا نتفق أولاً حول الدور الوظيفي للبارتي في هذه المرحلة؟!!
وأهم محددات هذه الآلية :
أولا: التحريض على التفكير من خلال طرح الأسئلة وما يتبعها من تساؤلات تنصب بمجملها لترسم المسار العملي للبارتي .
ثانياً: الوصول إلى صيغة جمعية متفق عليها لدى القائمين في البارتي لإدراك مهمتهم .
على كل ..
عودة إلى صلب الموضوع ..
ما علينا معرفته عن ” البارتي” بأنه تنظيم سياسي طوعي حمل الهم القومي للشعب الكوردي في سوريا من خلال برنامجه السياسي المعلن .
إلا أن هذه الجملة التي تحدد المهام وطبيعة التنظيم بحاجة إلى فكفكة لاستقرائها بشكل منهجي وعلمي ..
لنكون على بيّنة من أمر المهمة أولاً..
أي بمعنى :
ما هو الهم الكوردي؟!! وما حجمه؟!! وما هي خواص هذا الهم ؟!! هل هذا “الهم” يدخل في نطاق القضية القومية الكوردية في سوريا ؟!! أم أنه إشكال مواطنة عابرة في ظل قواعد استبداد ؟!! وإلى أي درجة تتقاطع إشكالية القضية (القوم أو القومية الكوردية ) مع إشكالية المواطنة في سوريا؟!!
بالتأكيد من الصعب الرد على هذه التساؤلات دون معرفة الواقع الديمغرافي الكوردي في سوريا ؟ وأيضا الشرط الجغروسياسي الذي يحتضن هذا الـ(القوم – القومية) الكوردية في سوريا؟!! وكذلك الشرط السياسي ببعديه الإقليمي – المحلي والدولي الذي يتحكم في مصير هذا “الهم” إلى أي درجة يكون التجاوب متوافقا ً في التمييز ما بين المواطن والوطن ؟!!
هل هناك وطنان للفرد في مرحلة الانعتاق القومي ..
وطن الإقامة ووطن القومية؟!! الأكراد في سوريا نموذجاً.
لا أحد ينكر الدور النضالي المركب للأكراد وهم في مواقعهم “إيران ،العراق ،تركيا ،سوريا، وباقي الجمهوريات “..
إنما من الضروري توضيح الخط الفاصل ما بين النضال القومي وبغض النظر إن كان كورديا ً أو كوردستانيا ً البعد والنضال الديمقراطي لعموم البلاد.
قدر الأكراد استوجب عليهم هذه المعادلة ويبدو ألا مناص منها فهي تتقاطع في مناحي عدة وتتفارق عند خط البعد الاستراتيجي ..
هذه المعادلة هي التي أسست لفكرة نبذ الثقافات ..
حيث عجزت الحركة الكوردية رغم كل نضالاتها أن تؤسس لفكرة التوحّد القومي من خلال القفز على المهام التي استوجبت تحديد معالمها الثقافية بثقافة المتكون الواحد.
ومنها تتدرج الأسئلة ..
ما هو الفرق بين الوطن والوطنية ؟!! وما المغزى السياسي لهذا التفارق ؟؟!!
ومن جهة أخرى ..
يندرج وينسحب السؤال إلى المغزى من وجودنا القومي ..
هل وأنا الكوردي أنتمي إلى أمة كوردستانية أم إلى أمة كوردية ؟!!
ما هو الفرق الوجودي بين الكوردية والكوردستانية ؟!!
أسئلة لم تتوقف ويجب ألا تتوقف وعلينا أن نستنبط منها كل المتشعبات لنصل إلى حدود التوضيح لكل معاني المفردات التي تؤسس لنا الرؤية .
وعليه يتم تحديد المسار الفكري القادر على ابتداع الأشكال النضالية المناسبة للمرحلة وبذلك نحدد الدور الوظيفي للبارتي .
هذه الأسئلة نضعها بين أيديكم ..لأن الغاية منها قد حددت مسبقا ًوالتي تتلخص :
أولا ً:التحريض على التفكير من خلال طرح الأسئلة وما يتبعها من تساؤلات تنصب بمجملها لترسم المسار العملي للبارتي .
ثانيا ً: الوصول إلى صيغة جمعية متفق عليها لدى القائمين في البارتي لإدراك مهمتهم ،لأن التطرق لها والخوض في تفاصيلها بات ضرورة لا يمكن التأخير عنها في المناقشة والحوار للوصول إلى الصيغة المعرفية التي تتكفل بتوضيح الرؤى السياسية أولا ً والتي ستسهل لنا العبور إلى عمق المجتمع..
من خلال استرسالنا في الأسطر السابقة وكأننا أثرنا موضوع آخر لا يقل أهمية في طرحها ونقاشها والتي تتجسد في التميز المعرفي ما بين القضية والإشكال .
حيث هي الحد الفاصل للنقلة البرنامجية للتنظيم .
فمن الموضوعي أن نلقي الضوء على هذا التميز ونعمل على تحديده سياسيا ً أي “نجسده” لكي نؤطره برنامجيا ً كمدخل أولي للرد على الأسئلة وتبعاتها.
الواقع الكوردي في سوريا بين القضية والإشكال؟!
إذ أنّ أغلب البرامج السياسية للأحزاب والتنظيمات الكوردية أو الكوردستانية تتحدث عن القضية الكوردية في أدبياتها ..
كقضية في مكان نفوذها وموقعها الجغرافي ..
حتى بات لدينا أربع قضايا كوردية شائكة في العالم..القضية الكوردية سوريا ، والقضية الكوردية في العراق ، والقضية الكوردية في إيران , والقضية الكوردية في تركيا , ناهيك عن قضايا الكورد في الشتات أو في بعض الجمهوريات …
إن كان الاتفاق على تسمية القضية الكوردية في سوريا..
فما هي تسمية الحالة العامة للواقع الكوردستاني ؟!!
أم أن هناك قضية كوردستانية كبرى تتشعب منها قضايا ومنها القضية الكوردية في سوريا ؟!!أم أننا نعترف وبشكل خجول بوجود أربع قضايا لأربع مجتمعات كوردية – البعض يسميها كوردستانية والبعض الآخر يسميها كوردية؟!!
من جهة أخرى ما هو مفهوم القضية الكوردستانية وإلى أي درجة تتقاطع مع مفهوم القضية الكوردية؟!!
هذه الأسئلة بحاجة إلى تبصّر وتمعّن لأنها ومن خلال الرد عليها ، سيتم تحديد هويتنا السياسية وطبيعتها ، وبالتالي ستحدد المسار الفعلي والعملي للتنظيم .
من المعلوم أنّ القضية بأسرها , وبغض النظر عن حجمها , تحمل في داخلها معرفتها وبالتالي تحدد منظومتها وتفرز أدواتها السياسية المتناسبة معها , هذه القاعدة لا خلاف حولها ، إنما ما هو ملفت للنظر أن الحركة السياسية الكوردية في سوريا قد أضاعت البوصلة السياسية وهي تحاول البحث عن المفهوم للمصطلحات , وخاصة إذا أدركنا المعاني للمفردات والمصطلحات على أنها هي التي تؤطر الفكر السياسي.
في قراءة أولية لمجمل المصطلحات المستخدمة في الأدبيات السياسية الكوردية ولدى مقارنتها بالوقائع المطلبية للحركة ترى أنّ الفارق الأولي لهذه المصطلحات قد ازداد شرخاً عمّا يحمله من معنىً ..
ولهذا السبب تحديداً ترتجل الحركة السياسية الكوردية مفرداتها السياسية ليعوم ما هو باطن غير مدرَك ..
ولهذا السبب يتم النظر إلى الحركة السياسية الكوردية على أنها حركة باطنية لا تعلن عمّا تختزنه .
وقد شاءت الظروف السياسية وخاصة بعد “سايكس بيكو” أن يبقى الأكراد مُوازين للشريط الحدودي المرسوم بطول يناهز 800 كم طولي وبأعماق مختلفة ليشمَلهم التقسيم , مع جزء لا يستهان به من الطيف المكوّن للمجتمع الكوردستاني بعمومه.
أعتقد أنْ لا خلاف حول هذه الحقيقة ..
إلا إذا كانت هناك أرآء مخالفة لهذه الوقائع سنضطر آنذاك للرد عليها بالمعنى التاريخي , إنما الخلاف يدور حول تجسيد هذه الحقيقة ..
هل نحن جزء من كوردستان وبغض النظر عن المساحة الجغرافية؟!!
هل الوطن الكوردستاني يفرض على الامتثال له كحقيقة وجودية؟!!
أم أن الوطن السوري قد شطّ بنا وفرض علينا ما رسم قسراً عن الشعوب , وأصبحنا ونحن أكراد جزء من الوطن السوري ؟!! إشكالية لا تزال قائمة , وتحتاج إلى عملية بحث وتدقيق ولكن ما يهمّنا أن ندرك قوة ارتباطنا بالنسيج الوطني , وما يتعلق بالواقع الجغرافي السوري عامة والمحيط بنا بشكل خاص , وما هي القضية الكوردستانية في ذلك , والتكوين الكوردستاني , أسئلة تطرح للبحث , وورقة للمناقشة.
——
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا – العدد (318) تشرين الأول 2007