عزالدين ملا
مع دخولنا النصف الثاني من العام 2023، والتحركات المريبة والأحداث المتسارعة التي تحدث في سوريا، وبشكل خاص في مناطق الشمالية. تركيا التي خرجت من انتخاباتها ببقاء أردوغان على سدّة الحكم، تسير نحو أهدافها الغير واضحة في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري وملف اللاجئين ومخططاته التوسعية في سوريا، إلى جانب التحركات الروسية في مناطق شمال غرب سوريا مع جيش النظام السوري إلى أطراف منبج.
من جهة أخرى التحركات الأمريكية في زيادة نقاط تموضعه وتكثيف التسليح العسكري من المعدات الحربية واللوجستية، وكذلك محاولات توحيد جهود عدة قوى على الأرض لحماية الحدود العراقية السورية وقطع الطريق أمام ميليشيات إيران في خلق التوتر وعدم الاستقرار.
أمام كل ذلك والاجتماعات الرباعية بين روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري مستمرَّة لغايات غير واضحة حتى الآن.
1- كيف تحلل التحركات السياسية الدولية خلال هذه المرحلة؟
2- لماذا تحركت روسيا نحو مناطق شمال غرب الخاضعة تحت السيطرة التركية؟
3- هل للانتخابات التركية دور في كل ما يحدث من تحركات في الشمال السوري؟ أم هناك شيء آخر؟ ولماذا؟
4- كيف ترى السياسية الأمريكية وتحركاتها الحالية في سوريا؟ وهل هي لمصلحة سوريا؟ ولماذا؟
التحركات السياسية وعودة الملف السوري بقوة على الساحة الإقليمية والدولية
تحدث عضو الهيئة السياسية في الحزب يكيتي كوردستاني- سوريا، فؤاد عليكو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد فترة خمول أو إهمال للملف السوري بعد الحرب الروسية/ الأوكرانية أو بتعبير أدق الحرب (الروسية / الأوربية الأمريكية )، حصل إهمال للعديد من ملفات الشرق الأوسط دولياً، لكن وكما تفضلت حصل تطور لافت بالنسبة لتركيا تجاه النظام السوري بوساطة روسية، حيث بدأ الحوار من خلال الأجهزة الأمنية وصولاً إلى اجتماع وزراء الخارجية في موسكو في أوائل شهر أيار، وبحضور وزراء روسيا وإيران أيضاً، لكن ما خرج به الوزراء لم يكن بمستوى اللقاء، حيث بقيت جميع الملفات المطروحة للنقاش دون حل، لذلك تم التأكيد على استمرارية المفاوضات من خلال الخبراء بغية الوصول إلى حل يرضي الطرفين، ومازالت اللقاءات مستمرة وآخرها في ٢١ حزيران في استانا مع تقديم الروس لخارطة طريق للتقارب بين الطرفين، لكن وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن بنود هذه الخارطة، وعدم معرفتنا بمضمونها، إلا أن بيان دول استانا سلطت الضوء على البعض منها والتي تركّزت على التأكيد على وحدة الأراضي ومحاربة الإرهاب والتوجُّهات الانفصالية، ومن الواضح انهم يوجهون أصابع الاتهام إلى جبهة النصرة وحزب العمال الكردستاني pkk والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، إضافة إلى تذمر روسي/ سوري منهم نتيجة تعاملهم مع أمريكا، وعلى الرغم أن هناك بوناً شاسعاً في اتجاه المقاربة مع الحل السياسي في سوربا، إلا أن هناك محاولة جدية من جانب تركيا في إيجاد أرضية مشتركة مع النظام السوري حول كيفية التعامل مع pkk ومع ملف اللاجئين الذي يؤرق تركيا يومياً، كما أن النظام يعمل على التأكيد على الانسحاب التركي من سوريا دون شروط إضافة إلى تخلي تركيا على الفصائل المتواجدة في إدلب وريف حلب، وهذا يعني سيطرة النظام بالكامل على تلك الجغرافية، وهذا أمر مستبعد أن تقبل تركيا بهذه الشروط ضمن المعطيات الحالية، وأقصى ما يمكن التوصل إليه هو فتح المعابر التجارية بين الطرفين، إضافة إلى ممارسة تركيا الضغط على النصرة (هيئة تحرير الشام ) من أجل الانسحاب إلى شمال خط حلب اللاذقية بمسافة 6 كم كما كان متفقا بين روسيا وتركيا ٢٠٢٠، أما بشأن pkk فلا اعتقد أن النظام وروسيا يملكان من أوراق الضغط المطلوب تركياً عليها نظراً لوجودها ضمن مساحة التأثير الأمريكي في المنطقة.
من جانب آخر هناك تحرك عربي جدي برز منذ عدة شهور في اتجاه التقارب مع النظام السوري من خلال عقد سلسلة لقاءات بين النظام من جهة وبين الأردن ومصر والعراق والسعودية من جهة أخرى، والتي توجت مؤخراً بعودة النظام إلى الجامعة واعادة فتح القنصليات والسفارات لتلك الدول في دمشق، كل ذلك في غياب تام للمعارضة السورية، رغم تأكيدهم في بياناتهم على إيجاد حل في سوريا وفق القرارات الدولية، ووفق مبدأ خطوة بخطوة، لكن ذلك مجرد ذر الرماد في العيون لا أكثر».
يتابع عليكو: «كل هذه التحركات من قبل المحورين (العربي ) أو الروسي/ التركي يوحي للمتابع العادي أن الثورة السورية فشلت، وأن مسألة عودة النظام إلى المجتمع الدولي مسألة وقت لا أكثر، لكن واقع المجتمع الدولي الراهن يقول عكس ذلك، حيث هناك رفض قاطع من جانب أوروبا وأمريكا لأي تقارب مع النظام السوري، ولا يمكن رفع العقوبات المفروضة دولياً على النظام دون حصول اختراق جدي باتجاه الحل السياسي ومن خلال جنيف القرار الدولي2254 حصراً، وزاد التصلب في الآونة الأخيرة من جانب بتطبيق المزيد من العقوبات، كما أن هولندا وكندا بدأوا بالتحضير برفع دعاوى قضائية للمحكمة الدولية في لاهاي بحق بعض الضباط السوريين الذين مارسوا التعذيب بحق المواطنين السوريين، إضافة إلى التأكيد الأمريكي بأن قوى التحالف الدولي باقية لمحاربة الإرهاب ولن تنسحب منها، لا بل هناك معلومات تؤكد على تعزيز هذه القوات لوجستياً وبأسلحة أكثر تطوراً، إضافة إلى سعيها في تشكيل قوة عربية إضافية لتعزيز مواقعها أكثر أو بغية التصادم مع المليشيات التابعة لإيران في منطقة البوكمال وريف البادية حتى التنف بغية السيطرة على كامل الحدود العراقية / السورية، وفي الجانب الآخر من المعارضة – وليست مصادفة أن تلتئم هيئة التفاوض من جمع أطرافها مجدداً بعد فراق طال أكثر من ثلاث سنوات لتعقد اجتماعاً مشتركاً في جنيف في أوائل هذا الشهر، ولتؤكد مجدداً على ثوابت الثورة السورية والتي ترى الحل في القرارات الدولية المعنية بالأزمة وخاصة القرار ١١١٨ لعام ٢٠١٣ والقرار ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥، وترافق ذلك بعقد سلسلة من اللقاءات مع المبعوثين الدوليين المكلفين بالملف السوري إضافة عقد لقاء مطول مع المبعوث الأممي غير بيدرسون، كما تزامن هذا التحرك السياسي بتحرك قوى المجتمع المدني حيث عقدوا مؤتمرا في باريس في ٥ حزيران ضم أكثر من ١٥٠ منظمة وبحضور رئيس هيئة التفاوض وأكدوا أيضاً على نفس النقاط الواردة في بيان هيئة التفاوض، وتزامن ذلك أيضا بإحياء المجلس العسكري بقيادة مناف طلاس، إضافة إلى مؤتمر اخر للمعارضة في بروكسل في ٢٠من هذا الشهر ومؤتمر آخر في برلين في تشرين الأول القادم».
يضيف عليكو: «كل هذه التحركات لا تأتي من فراغ أو من حالة ترف وفي أوربا تحديداً، بل بات واضحاً أن هناك عودة للملف السوري بقوة على الساحة الإقليمية والدولية، وقد نشهد في الأيام القادمة مزيداً من التحرك سواءً سياسياً أو عسكرياً، ما يهمنا القول إن مرحلة السبات للملف السوري قد انتهى وأن مرحلة التفاعل قد بدأ، ونتمنى أن نشاطر غير بيدرسون في تفاؤله حول ذلك، لكننا لازلنا بعيدين عن هذه المشاركة في التفاؤل».
التحركات الدولية والملف السوري.. وإنزياحات جديدة
تحدث الكاتب والإعلامي، أحمد صوفي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «التحركات تجاه سوريا تنقسمُ إلى ثلاثة محاور إن لم نقل أكثر، فهناك تحركاتٌ غربية، وهناك تحركات إقليمية وتحركات عربية، وفي ظل هذه التحركات يعيش النظام السوري نشوةَ حبة الكبتاكون التي تمنح متعاطيها نشوة القوة الكاذبة والأمل الوهمي والانتصار الخاسر وملاحمة دنكيشوتية تُصارعُ الخيال، وأما الشعبُّ المُشردُ خارجياً وداخلياً فآماله مكسورة بفرجٍ قريب والاعباء المستلزمات الحياتية اليومية قصمتْ ظهر الإنسان السوري تحت وطأة الغلاء الفاحش في جغرافية وطنٍ لمْ تُبنَ ثقافةُ الوطنية فيه حتى بات الكائن السوري أرخص سلعة متداولة.
جميع التحركات الدولية أو الإقليمية أو العربية تتقاطع مصالحها، وبحدة على الجسد السوري المبتور أصلاً، وتتعمقُ جراحاته جراء هذه الاصطدامات الحادة، والتحركات غير المدروسة حيناً من قبل قوىً إقليمية وأحياناً شبه داخلية أو مُتسترة برداء داخلي لا يحمي تبعيتها الخارجية، تسيرُ على طُرقٍ غير مُعبدة وغيرُ مؤهلة للسير عليها تتقطعُ، وتتوقف في أماكنٍ غيرُ مسموحٍ التوقف فيها، فتُجبرُ للدوران الإجباري والانحناءات الحادة مُخلفةً وراءها غُباراً يستنشقهُ الإنسان السوري بدلاً من الأوكسجين، وحركةٍ إجبارية بشرية لأناسٍ تؤدي إلى تغيراتٍ ديمغرافية في مكانٍ ما على حسابِ مكانٍ آخر، وعفرين وسري كانية، وكرة سبي أمثلة صارخة على ذلك، وتغيرات ديمغرافية هادئة في الحسكة والقامشلي وديرك وأماكن أخرى مُعمقةً الجرح السوري، راشةً عليها مِلحاً بدلاً مِنَ الحِلِ والحَلْ، هذه التحركات تتقاطع وتتشابك في جغرافية الجسدِ السوري المُنهكِ اصلاً لِتُشكِّلَ عُقداً لا تتحلحلُ بسهولة أعقدُ من عُقدةِ أوديب ومتلازمة نابليون، فالهلال الشيعي المُمتد من قُمْ تتشابك مع طريق الجُرذان الإسرائيلي القادم من تل أبيب ليصطدما سوية بالميثاق الملي التركي الحالم بولايتي الموصل وكركوك وضمناً الشمال السوري أي كوردستان سوريا، فيتناطحُ الكُلُ مع خطوط الغاز القادمة من الخليج العربي والدوحة متأملةً الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، ليصبح طريق الحرير القادم من أرووبا وصولاً إلى السند والهند والصين طريقاً مفروشةً بالأشواك والمتاهات والُعقدِّ بدلاً من الحرير والتوابل والبهارات ومشتهيات الحياة، وأما المحيطُ الحيوي الأمريكي لقلب العالم والذي نَظرَ له المنظّرُ الأمريكي (ماهان) وبَشَّرَ صموئيل هنتكتون بصدامٍ للحضارات وحدود الدم، دَهسَ عليها الدبُّ الروسي المُتجمدُ بدون اشاراتِ مرور مهرولاً إلى المياه الدافئة، لينتشيَ النظام السوري بغفوةٍ عميقة على قارعة تلك الطرقات مُستمتعاً بنشوة حبة الكبتاكون وسطَ كُلَّ هذا الصُراخ متوهماً النصرَ على شعبه المُشردِّ الهارب من ضجيج كُلِّ هذه الفوضى باحثاً عن ظِلِّ شجرةٍ يستَظَلُ تحتَ فَيّها أو قشةٍ يتمسكُ بها في بحرٍ من الأسى لا نهاية له».
يتابع صوفي: «فلا جلسات جنيف أحاطت بالعقدة السورية عبر إحاطات غير بيدرسون الأممية، ولا اجتماعات الاستانة الكزخية حلحلت التشابكات الإقليمية، ولا اجتماعات عمان أوقفت الكبتاكون السوري كآخر إصدارات الانتاجات العلمية المتطورة للخيال العلمي السوري نحو المُستقبل وخدمة البشرية، ولا اجتماعات القمة العربية استطاعت قنونة العقلية الحاكمة في سوريا، وسط كُلَّ هذه التجاذبات المُتنافرة أصبحت اللاءات السورية الثلاثة المعروفة ثمانية لاءات لتُنتِجَ اللاحلَّ في سوريا».
اما بخصوص التحرك الروسي نحو الشمال السوري، يضيف صوفي: «فمنذُ بداية الأزمة السورية تمركز الروس في الشمال والشمال الغربي من سوريا جاعلين من مطار (حميميم) مركزاً وقاعدة ارتكازٍ لهم، فالمياه الدافئة حلمٌ روسيٌ قديم جديد ومضائق البوسفور والدردنيل طريقاً وحيداً للوصول إليها، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتحوّل الحرب من نزهة ترفيهية إلى حربٍ ضروس لا تعرفُ نتيجتها أو مدتها حتى الآن، أصبحت تركيا ومن خلفها الشمال السوري كله موقعاً جيبولتيكياً مهما لروسيا، وأيضا لأوروبا وحتى الصين، ومن بعدهم إيران لقربها وتماسها المباشر بأوكرانيا وروسيا، ومن ناحية أخرى فإن محادثات استانا الأخيرة بين الأخوة الأعداء قد خرجت بتفاهمات جديدة تتعلق بمناطق خفض التصعيد في محاور إدلب وحلب وطريق m4 الاستراتيجي، وقد تكون هناك انزياحات جديدة لصالح بعض القوى المتصارعة المتحالفة والمتفاهمة والاعداء في نفس الوقت، فليست هناك مبادئ ثابتة أمام لعبة المصالح الدولية والإقليمية على حساب قوىً أخرى، فتفاهمات استانا الجديدة ترفضُ رفضاً قاطعاً الاعتراف والتعامل مع القوى التي فرضت نفسها كقوة أمر واقع، وهي في الحقيقة جاءت نتيجة تفاهمات غير معلنة من جهة ومصرحٌ بها من قبل الجهة الأخرى، هذه التفاهمات مع بعض القوة المحلية والإقليمية وحتى الدولية ضيعت القوة الأكثر ضعفاً فضاعت هذه القوى بين لعبة التفاهمات غير المعلنة، فهي لا تعرف هل سترضي النظام السوري الذي كان سبب وجودها المؤقت والتي تُعيرها بين الفينة والأخرى بأنها هي من أوجدتها ولظروف معينة تنتهي صلاحيتها بانتهاء وزوال تلك الظروف؟؟ أم انها سترضي القوة الإقليمية التي تضغط عليها في أماكن أخرى؟؟ كلما حاولت التنصل من بعض التفاهمات أم انها ستنسق مع القوة الدولية التي فرضت نفسها في خِضمِ هذه التفاهمات، فعنوان الواقع السوري في شماله عقدة التفاهمات الغير معلنة والغير مُلزَمة، وهذه التفاهمات إما إنها ستخنق بعض المتفاهمين لصالح الآخر عبر شد حبل العقدة على رقبة طرف لصالح طرفٍ آخر، وتفاهمات استانا الأخيرة تُعبدُ الطريق لتوسيع التفاهم التركي السوري، وبرعاية روسية ومباركة إيرانية، من خلال قراءة بسيطة لمخرجات استانا الأخيرة تُشيرُ بان روسيا من خلال دعم تواجدها في الشمال السوري واستجمامها بالمياه الدافئة التي حرمتها الجغرافيا منها وكذلك حربها التي طال أمدها في أوكرانيا أصبحت أمام خيار واحد لا ثاني له:
إما النصر الساحق، وأما الوقوع في الهاوية التي لا مخرج منها وإلى الأبد. فمعظم المحللين السياسيين يقولون إن الغرب لم يستغل جيداً السقوط السوفياتي المدوي، وهم لن يفوتوا الفرصة هذه المرة إن سقطت روسيا، وتبقى الصين البعبع الذي سيخرجُ من قمقمه باتجاه الفراغ البشري الموجود على الأراضي الروسية، وروسيا تدرك هذا جيداً، ولهذا فهي تقوّي دفاعاتها في الشمال السوري وسط هذه التحولات الخطيرة».
يشير صوفي: «إلى أن تركيا التي فقدت بعضاً من أهميتها الجيوبولتيكية بعد انتهاء الحرب الباردة بين قطبي الصراع وبقاءها كقوة إقليمية عادية في منطقة جغرافية فاصلة بين الشرق والغرب بعد إن كانت جسراً للتواصل والاتصال ومركزاً له، عدم الاهتمام الدولي هذا خلق واقعاً سياسياً جديداً بتركيا، وفسحت المجال، ومهدت الطريق أمام قوىً سياسية صاعدة لم يكن مسموحاً لها حتى عن التعبير عن نفسها قبل ذلك، وهي القوى الإسلاموية المستترة تحت عباءة الديمقراطية ومرتدية قُبعة العلمانية حالمة في رميها بأقرب فرصة ممكنة لتلبس عباءة السلطنة، وتتزين بطربوشها السلطاني الذي ما وضع على رأس السلطان إلى بعد معركتي (مرج دابق والريدانية) وتمختر السلطان سليم بعباءة الخليفة العباسي لينتقل مركزها من بغداد إلى استنبول عاصمة الخلافة الإسلامية الجديدة ولأكثر من خمسمائة عام، فهي الآن تقفُ في نفس المكان وتحمل سيف السلطان سليم غير مدركة بأن العالم والقوى والجيوش قد تغيرت وتغيّر أسلحتها ولكن يبقى الحلمُ حلماً والصيدُ في المياه العكرة يُعطي بعض الآمل، وجاءت الانتخابات التركية الأخيرة لتوضيح الصورة قليلاً، فأرووبا قد أغلقت أبوابها أمام الدولة التركية التي انتظرت أكثر من سبعين سنة أمام بابها والشمال والشمال الشرقي من تركيا والذي يُعتبرُ عمقها البشري والجغرافي ذا الأصول التركية التترية المنغولية محميةٌ من قوى أكثر شراسة من ذي قبل ليصبح منفذ تركيا الوحيد هو جنوب بلادها والذي تربطهما علاقة الدين، فالحكام الجدد يلبسون عباءة الدين، وكذلك علاقة التاريخ لأكثر من خمسمائة عام ومنفذُ تركيا إلى ذلك هو الشمال السوري والفاصل الواصل بين القديم والجديد من دابق والريدانية هي الانتخابات التركية التي جرت، فالشعوب السورية التي ذاقت الأمرين على يد حكامها بعد جلاء الفرنسيين من سوريا لم تنعم بالراحة والأمان لوهلة من الزمن خارج بطش الديكتاتوريات المتعاقبة على سدة السلطة في سوريا، الأمر الذي جعلها تنسى الكائنات البشرية التي وِضعت على خوازيق جمال باشا السفاح، نعم انه الكائن السوري والذي يسمى كائن الأزمة لا يخرج من الأولى حتى يتهيأ للأخرى، الانتخابات التركية الأخيرة وضعت خارطة طريق لسبع سنوات قادمة سيكون لها تأثيرات مباشرة على المتغيرات الجديدة في سوريا والتي يُعتبرُ الشمال السوري بوابة لها نحو حلمها، والأمر متعلق بالحرب الأوكرانية الروسية أكثر مما يكون متعلقاً بالداخل السوري، فالمصدات والحواجز إن لم تكُن روسية فلن يستطع النظام ولا القوى الأخرى الصمود أمام خارطة الانتخابات التركية والتي عنوانها الأساس التخلص من الاتفاقات التي قيدت وحاصرت تركيا لأكثر من مئة عام مضى فمئوية بناء الدولة التركية الحديثة هي عام ٢٠٢٣، والتخلص من أعباء تلك الاتفاقيات التي سقطت تقادما حسب المفهوم التركي أصبح مكسباً انتخابياً لتركيا، وأحياء ميثاقها الملي الذي يبدأ من انطاكية حتى الموصل سيوضع في الحقيبة الدبلوماسية الجديدة لتركيا والتي يحملها مُنظر الاستخبارات التركية والذي تبوأ هرم الدبلوماسية الخارجية التركية»
اما الولايات المتحدة الأمريكية والتي اتخذت من الشمال الشرقي السوري موطأ قدمٍ لها، يقول صوفي: «في بُقعةٍ جغرافية تلتقي فيها جميع الممرات والتحركات وتقفُ حجرة عثرة أمام الهلال الشيعي الواصل إلى شنكال عبر العراق لينحني مُجبراً نحو الجنوب خوفاً من الاصطدام بالوجود الأمريكي هذا الهلال الذي يُقصفُ من قبل إسرائيل بين الفينة والأخرى ليجعله مُنحنياً مُنكسراً ويحول ذاك الهلال إلى متعرج يلفُ حول نفسه في جبال شنكال، وتبقى حلقة الفصل أمام الحكومة العراقية المدعومة أمريكيا بتطبيق اتفاقية تطبيع الأوضاع في شنكال وإخراج تلك القوى المتمركزة هناك، أما الحقيبة الدبلوماسية التركية الجديدة والتي تحمل ميثاقها الملي تلتقي أيضاً هناك، وأما طريق الجرذان الإسرائيلي فيتشابك مع الميثاق الملي والهلال الشيعي وانابيب الغاز الخليجي القطري في عين المكان في نقطة نظرت لها الولايات المتحدة الأمريكية قبل عقدٍ من الزمن بصدام الحضارات والثقافات والمصالح وفصلته بحدود الدم، وتبقى الألوية هنا للتحركات السياسية الأمريكية وكذلك تحركاتها الميدانية لصالح الولايات الأمريكية نفسها، والمحيط الحيوي الذي نظر له المنظر الأمريكي الهولندي (سبيكمان) والذي يُعتبر ابو علم الاحتواء ويعتبر ابو السياسة الواقعية للسياسة الخارجية الأمريكية والذي يَعطي أهمية للنطاق الهاشمي لقلب العالم أهمية كبيرة، ذلك القلب الذي اعتبره أغلبية منظري السياسة العالمية قديما وحديثا من بريطانيين وألمان وحتى الروس والصين والأمريكيين بأنها المنطقة الأكثر أهمية على الكرة الأرضية وهي في وسط اوراسيا أي أوكرانيا وبعض الدول القريبة منها، وان من يُسيطر عليها أي قلب الأرض (اوراسيا) يُسيطرُ على العالم وهو المكان الأنسب للسيادة العالمية، وفي خِصمِ هذا التنظير لا يَظنن احد بإن السياسة الأمريكية هامشية في المنطقة لا بل استراتيجيتها البعيدة تكمن في ذلك وهي السيطرة على الهامش الحيوي لقلب الأرض، فاللقاءات الأمريكية السورية التي جرت في سلطنة عمان مؤخراً وتحت إشراف بريت ماكورك عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي ومسؤول ملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية إلى تفاهمات لاحتواء أي تغيرات جديدة في المنطقة، فالولايات المتحدة الأمريكية تعتمد في تحركاتها السياسية على سياسة الاحتواء والتي يُعتقد انها هامشية وهي بالأساس في صلب سياستها، وأما زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا لحقنها عضلياً بالكبتاكون لأن الحبوب لم تعد تفي بالغرض المطلوب، واجتماعات عمان بين مصر والأردن وسوريا والعراق والسعودية في محاولة لملمة بعض المواقف وإعادة سوريا لإشغال مقعدها في الجامعة العربية وسد الطريق أمام سياسة المقامرة التي تتبعها سوريا لم تأتي بأكلها بعد، وكذلك اجتماعات موسكو بين إيران وروسيا وسوريا وتركيا لم تتضح معالمها، وسط كل هذه التجاذبات يطلُ علينا المبعوث الأممي غير بيدرسون ليقول أن النشاط الدبلوماسي المتجدد فرصة للحل السياسي في سوريا ونحن مقبلون على مفترق الطرق لدفع العملية السياسية في سوريا نحو الأمام».
ضبابية السياسة الامريكية عنصر أساسي في إطالة الأزمة السورية واستمراريتها
تحدث الكاتب، عبداللطيف موسى لصحيفة كوردستان، بالقول: «إن التحولات الدراماتيكية التي تعصف بالأزمة السورية تقودنا إلى العديد من التساؤلات عن المنحة الذي سوف تتخذها هذه التحولات، ومدى تأثيرها على الشعب السوري وما مدى جدية وفعالية القرارات الدولية في إيجاد حل حقيقي لإنهاء معاناة السوريين؟ وإيقاف التدهور الحاصل في تفكيك المجتمع السوري وهدم كل ملامح الدولة السورية. لعل التحركات التي قادتها الدول العربية من أجل الدفع أو تهيئة الأرضية المناسبة بالدفع للعملية السياسية أو الانتقال السياسي في سورية التي تمثلت في عملية خطوة مقابل خطوة التي أبدت فيها دمشق استعداها المشروط في المضي بهذا العملية، ولكن هذا التفاؤل والجهود العربية قد اصطدمت بالرفض والتشكيك الدولي في جدية دمشق للمضي في هذا العملية أو الانفتاح المشروط على العملية السياسية والتسوية للأزمة، ليعيد هذا الأمر السوريين الى المربع الأول من عمر هذا الأزمة في استمرارية المعاناة، ولتعيد التأكيد بأن قرار حلحلة الأزمة في سورية قد تجاوز السوريين، ولتبقى مصير السوريين وأزماتهم مرهون بالإرادة الدولية والصراع على السلطة والنفوذ الدولي والإقليمي في جعل سورية البقعة الجغرافية التي توفر لهم كل الظروف لهذا الصراع والتنافس على تحقيق الأجندات والمصالح على حساب الشعب السوري ومعاناته، ولتعري الأزمة السورية حقيقية واضحة وهي أن كافة المحافل الدولية التي تتشدق بالحريات والدفاع عن الديمقراطية كونها أكبر أزمة عرفتها البشرية في العصر الحديث، ولتكمل الأزمة السورية نصف عام آخر يضاف إلى السنوات الكلية من عمر هذه الأزمة مع المعاناة والقتل والتشريد وهدم وتفكك كافة ملامح المجتمع السوري والصراع الإقليمي والدولي على المصالح».
يؤكد موسى: «ان التحركات الدولية في هذه المرحلة تنصب في خدمة تنفيذ أجنداتها، وتعيد التأكيد على سياسة الحفاظ على مصالحها من خلال الدخول في مساومات على حساب الشعب السوري ومعاناته مع غياب إرادة دولية حقيقية لإيجاد حل نهائي وشامل للأزمة السورية، وكما أن هذه التحركات استكمال لمسيرة السياسية الدولية في الاخفاق في وضع خطوط ملموسة تفضي لوضع أرضية حقيقية لإنهاء الأزمة في ظل امتداد سلسلة اجتماعات استانا لتبادل الأدوار، وإعادة التأكيد على المصالح ومنع التصادم في الأجندات التي لربما في كل فترة تشهد بعض التغيير والتضارب بفضل الظروف لاسيما الانتخابات التركية التي أعادت تركيا إلى الواجهة والحسابات الدولية كقوة فاعلة واساسية في الأزمة السورية وكعضو فاعل في الأزمة الاوكرانية التي تشهد ارتداداتها على الأزمة السورية. أن سلسلة عقد اجتماعات استانا بشأن الأزمة السورية وما الاجتماعات الأخيرة بين تركيا وإيران وروسيا وسوريا في استانا إلا لإعادة التأكيد على ترتيب الأوراق والحفاظ على عدم التصعيد وخفض التوتر من دون احداث أي اختراقات أو حلول سحرية للأزمة السورية، وبحث مسائلة التطبيع بين تركيا وسورية بعد الانتخابات التركية مع تراجع حماس تركيا لهذا التطبيع، والذي برأيِّ استخدمته تركيا لأمور في الدعاية الانتخابية أكثر مما هو عليه في الواقع للتطبيع مع دمشق، وبحث مسائلة اللاجئين التي تريد تركيا بالدفع وتشجيع هذه المسألة بدعم سياسي روسي للضغط على دمشق وبدعم اقتصادي خليجي لبناء مساكن لهم لتشجيعهم على العودة الدولية، لذا يمكن القول بأن التحركات الدولية هي لإعادة التأكيد على النفوذ في سورية وتبادل المصالح من دون احداث حلول سحرية في الأزمة السورية».
يتابع موسى: «أن التحرك الروسي المنفرد في الشمال السوري يعبر عن نوع من الرسائل السياسية لتأتي كاستكمال لتنفيذ تفاهمات خفية تم التوصل إليها مع الجانب الإيراني من أجل ابعاد الجماعات المسلحة، التي في بعض الأحيان تشكل تهديد على المشروع الإيراني والمصالح الروسية في سورية، بموجب استغلالهم لتحقيق بعض المكاسب السياسية لإرضاء أمريكا ولاسيما بعد مقتل الجنرال الروسي الكبير في حميميم، والتوجه الأمريكي نحو الاعتماد على تفعيل بعض الجماعات المسلحة من أجل محاربة نفوذ الإيراني. تلك التحركات الروسية هدفها إحداث بعض الضغط على تركيا التي تحاول إرضاء أمريكا. وكذلك تلك التحركات ستكون على شكل عمليات محدودة جدا في الشمال من أجل الحفاظ على خفض التصعيد لان العنف في سورية لا يخدم أجندات تلك الدول ولاسيما دمشق نفسها التي تستخدم عملية المصالحة مع تركيا لرفع معنويات المؤيدين ولترميم جبهتها الداخلية المنهارة».
يضيف موسى: «يُلاحظ الكثير من المتابعين للشأن التركي نوع من التغير أو الفتور أو ما يشبه الضبابية في الموقف التركي بشأن التطبيع مع دمشق قبل العملية الانتخابية وبعدها في تركيا، لذا برأيِّ تركيا غير متحمسة لعملية التطبيع أو أن عملية التطبيع كانت مجرد دعاية انتخابية أكثر مما هي استراتيجية تركيا. أن التحركات الروسية ستأتي كنوع من الضغط الروسي والإيراني المشترك لحث تركيا أو رسائل نارية سياسية لتعزيز استحقاقات على طاولة ترتيب المصالح، ولإحداث نوع من الضغط لدفع تركيا إلى الوفاء بتعهداتها مع دمشق لاسيما في أمور التطبيع والمصالحة وإعطاء الشرعية لدمشق في عملية التطبيع، ولكن في ظل عدم التحمس الأمريكي ورفض الأوروبي لعملية التطبيع مع دمشق لن تجازف تركيا بهذه العملية كون تركيا غير قادرة على تحمل تبعات هذا التطبيع منفردة. أجل هذه التحركات الروسية في الشمال السوري ذات صلة ومرتبطة مباشرة بمفرزات العملية الانتخابية التركية».
يشير موسى: «إن بقاء الأزمة السورية واستمراريتها نتيجة حتمية لضبابية الاستراتيجيات الأمريكية في سوريا، ولكن ما يزيد من المخاوف لاسيما إذا صدقت تحليلات ومطالبات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي بعدم وجود استراتيجية أمريكية حقيقية في سوريا أو مطالبتهم الإدارة بإعادة صياغة استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، أنما تدل تلك المطالبات بأن السياسة الامريكية الحالية في سورية تتركز على محاربة الإرهاب وملف المعتقلين والحفاظ على خفض التصعيد، والتأكيد على أن القرار الامم المعطل في جنيف هي المخرج للأزمة السورية. ولكن التوجه الأمريكي الحديث في الاعتماد على قوة محلية وإعادة تركيبها كبديل لقوات قسد من أجل تنشيط الشريط الحدودي العراقي السوري لمواجهة تحركات المليشيات الإيرانية في نقل السلاح والمخدرات بين جانبي الحدود، وكما أنه ستتوقف فعالية هذه الاستراتيجية على مدى جدية أمريكا في الدفع بهذه القوة ومدى فعاليتها ضد إيران، ولكن السؤال الأهم كيف ستكون مصير الإدارة الذاتية وقوات قسد؟ التي اذا ما رضخت للضغط الأمريكي في المشاركة في هذه القوة ومحاربة إيران، لاسيما أن إيران هي الداعم الأكبر لهذه الإدارة وتقدم لها كل شيء عبر دمشق. في المحصلة، أن ضبابية السياسة الامريكية الحالية في سورية ذات تأثير سلبي أكثر مما هو إيجابي كونها العنصر الأساسي في إطالة الأزمة واستمراريتها».