حاوره: عمر كوجري
قال مصطفى جمعة عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا في حوار خاص مع صحيفة «كوردستان»
ترتبط سلطة الأمر الواقع تنظيمياً بحزب العمال الكردستاني (التركي) وتخضع لقراراته وأجنداته، وهذه الأجندات لا تخدم القضية الكردية ولا حقوق الشعب الكردي، ثانياً، حزب العمال ورافده ب ي د يعملان وفق مفاهيم ومصطلحات وأطروحات سياسية بعيدة جداً عن المتعارف عليه داخل الأحزاب والحركة السياسية الكردية، ويمكن اعتبار ب ك ك حالة منعزلة ومنافية للمشروع القومي الكردي والكوردستاني.
وحول تأخر انعقاد مؤتمر الحزب، أكد جمعة أن عقد المؤتمرات الحزبية في أزمنتها المقررة هو الأفضل؛ ولكن أحياناً، الظروف تتحكّم في مسار العمل الحزبي تبعاً للظروف القاهرة، إضافة إلى سوء الإدارة والتقديرات غير المجدية التي نفهمها جميعاً.
وعن رأيه بوضع وحال المجلس الوطني الكردي، أضاف جمعة:
المجلس الوطني الكردي قوة تمثيلية لطموح ومشاعر ودوافع الحق عند المجتمع الكردي، ورغم أنه انطلق كمرجعية كردية معتبرة، إلا أنه مع الوقت لم يستطع تلبية ما اختلج في نفوس أبناء شعبنا الكردي.
فيما يلي نص الحوار كاملاً
* تأخر انعقاد مؤتمر حزبكم لعدة سنوات، ماذا يمكن أن يختلف عن المؤتمر التوحيدي الذي انعقد في نيسان عام 2014؟
**المؤتمر التوحيدي جاء بعد جهود مضنية من قبل الأحزاب الأربعة على قاعدة إنشاء الاتحاد السياسي كمرحلة انتقالية بهدف إيجاد الانسجام والتوافق في التوجهات والممارسات وخلق الأرضية المناسبة لوحدة الأحزاب الأربعة بالتنسيق والعمل المشترك تعزيزاً للأسس التي ستُبنى عليها عملية الوحدة، وكان هدف الجميع النجاح والانتصار للفكرة.
أما المؤتمر الحالي والمنشود فنجاحه يختص بتثبيت ما أنجز، ووضع الحزب أمام مسؤولياته في المرحلة الراهنة التي تتميز بالاضطراب والتغيير، وانتخاب قيادة سياسية تتواءم مع الظروف الناشئة، وإدارة الحزب بشكل أفضل، خاصة أننا الآن على دراية أكثر بمكامن الخطأ والصواب، وعلينا أن نجاهد بجدية من أجل إيجاد التوافقات اللازمة مع شروط المرحلة، وبناء قاعدة حزبية مناضلة ومتمكنة، وتحويل الحزب إلى حزب مؤسساتي فعلاً لا قولاً، خاصة وأننا على أبواب التغييرات الكبرى في المنطقة حسب المعطيات المتوفرة.
* برأيك، لماذا حصل كل هذا التأخير بخصوص المؤتمر؟ وماذا تتوقع شكل وصورة المؤتمر القادم؟
**برأيي عقد المؤتمرات الحزبية في أزمنتها المقررة هو الأفضل؛ ولكن أحياناً، الظروف تتحكّم في مسار العمل الحزبي تبعاً للظروف القاهرة، إضافة إلى سوء الإدارة والتقديرات غير المجدية التي نفهمها جميعاً، مع الاعتراف بأن لنا خصوصية وطنية وقومية علينا الالتزام بها، ومراعاة حيثيات المرحلة، وسيطرة الفصائل العسكرية على ثلاث مناطق من كوردستان سوريا، والطروحات الكثيرة في الساحة الكردية، منها وضع المجلس الوطني الكردي، والحوارات البينية، وتحكُّم قوى الأمر الواقع في مصير كوردستان سوريا، والهيمنة على مقدّرات الوضع الكردي، والاستئثار الفذ بقراره. والآن نقترب من عقد مؤتمر حزبنا الذي نأمل أن يكون مؤتمراً ناجحاً، يتحدّى ظروف المرحلة، ويسعى إلى التجديد والتطوير والمؤسساتية، والوقوف على ما اعترى الحزب من تسبيب وضعف، ولماذا لم نكن ناجحين كفاية؟ ولماذا كان دور الحزب باهتاً؟ أعتقد أن المؤتمر الحالي أمام مسؤولية تاريخية من حيث أسس بناء الحزب، وتصويب التوجهات، ومغادرة الأوهام، ومعالجة مكامن ومسببات الفساد الإداري، ونبذ الشخصنة والفردية، وإعادة الوجه المشرق للحزب خاصة أننا نلتزم نهج البارزاني الخالد، ونسترشد به، كما يتوجب على المؤتمر الخروج بقرارات تنسجم مع الظروف المستجدة، وأين يجب أن نكون أو لا نكون؟ ودورنا في الائتلاف، وكذلك التعاطي مع مفرزات الساحة الكردية بروح الاقتدار وفهم عوامل الانتكاسات والاستعصاءات التي تحد من تحركنا وتقدمنا.
المؤتمر محطة تفاعلية والانتقال منه إلى ما بعده وكيفية إدارتنا وتعاملنا مع بعضنا البعض هو المهم.
* هل لديك تصور معين عن مدى تجاوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني -سوريا لواقع حاله، ويستعيد ألقه وقوته الجماهيرية التي ربما افتقدها؟
**نعم لدي تصور لخروج الحزب من الحالة الراهنة التي نشكو منها جميعاً، ولا يجوز لهذا المؤتمر أن يكون روتينياً. هذا المؤتمر له خصوصية بعد تسع سنوات تراجعنا فيه عن زخم المؤتمر التوحيدي، هو مؤتمر حاسم، وليس عادياً، وعليه وضع الأسس الصحيحة والمسار الأصح، ولا ينفعنا هنا الكلام الميتافيزيقي، ينفعنا اختيار قيادة فاعلة وديناميكية، مؤمنة بالمؤسساتية وبناء الحزب وفق شروط نجاحه. يمكن للحزب تجاوز واقع حاله الراهنة إذا كنا مؤمنين أن الأحزاب تنوجد أساساً لخدمة الشعب والقضية، والامتثال لمتطلبات الوضع الكردي، ولا يهمنا هنا القيام بجردة حساب للمرحلة الماضية التي ستظهر كل شي، ولكن علينا الاعتراف أننا لم نكن بمستوى إدارة إرهاصات الساحة الكردية، ولا بمستوى بناء الحزب لمستقبل الوضع السوري عمومًا والكردي خصوصًا.
*كيف من الممكن تنشيط وتفعيل عمل حزبكم في المهاجر الأوروبية، والعمل ضمن الجاليات الكردية المنتشرة هناك، والتأسيس للوبي كردي فاعل، ومتفاعل مع مراكز القرار ضمن برلمانات أوروبا، ويتواصل مع الداخل في كوردستان سوريا؟
**سؤال مهم جداً، حسب اطلاعي ومعرفتي، قام الحزب بعدد من النشاطات والفعاليات التي لم تتكامل مع بعضها البعض. أعتقد أن الحزب بحاجة إلى مراجعة جدية لعمله في ساحات الخارج، ووضع خطة عمل متوافقة مع ظروف تلك الساحات، ومدعوماً بقرارات وإمكانيات من الحزب، ثم يأتي بعد ذلك تشكيل لجان وهيئات مختصة بكل نشاط وفعالية، الكوادر متوفرة ومعظم من يستطيعون المساهمة في هذه المهمات يضعون أنفسهم وطاقاتهم في خدمة القضية والكوردايتي، لا ينقصنا سوى التأطير وتوفير إمكانات العمل. الضيق في الأفق السبايسي والمؤسساتي، والتحزب غير المجدي، وأحياناً تكليف الرجل غير المناسب لمهمة كبيرة، أسباب معيقة لنجاح هكذا أعمال. أقترح هنا لقيادة الحزب ما بعد المؤتمر أن تقف بجدية على متطلبات ساحات عمل الحزب في الخارج، وتأخذ القرارات المناسبة في هذا المجال، ولا تتسبب في الإعاقة، حيث إمكانات خدمة حزبنا وقضيتنا متاحة تماماً.
*في كوردستان سوريا، ثمة سلطة أمر واقع بعيدة كلياً عن ثقافة المشاركة والشراكة، وحتى كلمة ” الكرد” لا تتعامل بشأنها، وتتأفف منها، ما قراءتك؟
**أولاً، ترتبط سلطة الأمر الواقع تنظيمياً بحزب العمال الكردستاني (التركي) وتخضع لقراراته وأجنداته، وهذه الأجندات لا تخدم القضية الكردية ولا حقوق الشعب الكردي، ثانياً، حزب العمال ورافده ب ي د يعملان وفق مفاهيم ومصطلحات وأطروحات سياسية بعيدة جداً عن المتعارف عليه داخل الأحزاب والحركة السياسية الكردية، ويمكن اعتبار ب ك ك حالة منعزلة ومنافية للمشروع القومي الكردي والكوردستاني، وعامل معيق للتفاهمات بين الأطراف الكردية، من هنا يمكن فهم إشكاليات العلاقة مع هذه الجهة، فالمشاركة والتشارك والعمل سويا ليس في واردهم أبداً، أضف إلى ذلك أن البنية الداخلية التنظيمية ل ب ي د ليست مؤهلة لتقبل الشراكة، وأعتقد أنهم كانوا في بعض المراحل بحاجة إلى غطاء سياسي من الحوارات السابقة لتحسبين ظروف عملهم فاضطروا إلى اتفاقية هولير1 وهولير2 واتفاقية دهوك ، وتحت ضغوط الرأي العام الكردي ومطالبات أمريكا وفرنسا وإقليم كردستان لرأب الصدع داخل البيت الكردي، قبلوا بالحوار بين طرفي المعادلة السياسية في كوردستان سوريا، ولكنني شخصياً لم أكن مقتنعاً بإمكانية التوافق بين مشروعين متضادين، خاصة وهم يمتلكون الآن القوة العسكرية والاقتصادية والإدارية، ثم أن الموقف الأمريكي غير ضاغط حالياً ولا مواقف الآخرين أيضاً. أرى أن الظروف غير متوفرة الآن لأي حوار ناجح بعد الاصطفافات السياسية الجديدة في مواقف بعض الدول الإقليمية وتأثيراتها على الوضع السوري، وعودة النظام البعثي إلى الحظيرة العربية، لأن توجهات ب ك ك ورافده ب ي د سيكون باتجاه النظام ليس إلا.
*هل من المجدي بتصوُّرك استمرار الحوار مع سلطة حزب ال ب ي د ؟ وهي التي تنصلت من اتفاقيات سابقة وبرعاية كريمة من شخص الرئيس مسعود بارزاني؟
**الحوار متوقف منذ سنتين، وليس من بوادر خير في هذا المنحى، ولكننا نحترم تماماً شعور المجتمع الكردي الداعي إلى الحوار والتفاهم بين الطرفين، وأتمنى لو أن الحوار استمر، ونتج عنه توافقات أدت إلى حلحلة أمور الساحة الكردية، ولكن علينا أن نفهم أيضاً أن المعادلات المتعلقة بهذه المسألة لم تعد كما كانت، فهناك ترتيبات وتفاهمات في المنطقة وبين دولها لا تساعد أبداً على إيجاد توافقات سياسية في الساحة الكردية، ونحن نقول ذلك لأن الطرف الآخر هو ب ي د وليس حزباً يمتلك مشروعًا قوميًا. حالياً، يتوجب على المجلس الوطني الكردي وحزبنا تهيئة ظروف وأرضية العمل الناجح، وابتكار وتفعيل آليات تخدم الدور المطلوب منهما في هذه المرحلة، والتواصل مع فعاليات المجتمع الدولي كبدائل آنية لحين توفر شروط أفضل في المستقبل.
*كان للانتهاكات الجسيمة والمخالفات التي ارتكبتها سلطة حزب ال ب ي د الدور الحاسم في قرار إدارة معبر بيشخابور لإغلاق المعبر لإشعار آخر، برأيك حتى يعود المعبر لخدمة أهلنا من طرف غرب كوردستان سوريا، ما المطلوب من حزب الاتحاد الديمقراطي؟
**هذا المعبر (بيشخابور) جسر التواصل الوحيد بين جزأين كردستانيين، وقد فتح أساساً بقرار من سيادة الرئيس مسعود بارزاني في حينه لخدمة أبناء كوردستان سوريا بالدرجة الأولى، ومن المؤسف أن سلطة الأمر الواقع ب ي د قد تسبب لأكثر من مرة في إغلاق المعبر عبر استفزازات وانتهاكات واتهامات باطلة للإقليم، ولأن المعبر شريان حيوي يخدم مصالح أبناء شعبنا، فعلى سلطة الأمر الواقع أن تلتزم بهذه المصالح أولاً، وأن تحترم إرادة ومواقف الإقليم ثانياً، وأن لا تخضع المعبر لأجندات سياسية ثالثاً، وأن يكون المعبر مفتوحاُ لكل الحالات الإنسانية والسياسية والدبلوماسية وحتى التجارية رابعًا، وأن يقروا بممارساتهم المسيئة وتدخلاتهم في شؤون الإقليم، والعمل من جديد وفق تفاهمات لا تخضع لنزواتهم خامساً.
* التقارير الحقوقية تشير إلى وجود احتقان شعبي في دير الزور ومنبج وغيرها ضد الكرد بسبب ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي، ألا تجد أن هذه الممارسات ستكون عائقاً كبيراً أمام مسألة التعايش المشترك بين المكونات مستقبلاً؟
**بالتأكيد، ونشعر ونسمع بذلك كثيراً. ممارسات ب ي د في الوسط الكردي ومع المكونات الأخرى هي ممارسات عنفية وغبية في معظم الأحيان وبعيدة عن أخلاقيات من يريد أن يحكم، كما أن على ب ي د وقسد والإدارة الذاتية أن تعرف أنه في النهاية سيبكون هناك حل سياسي للوضع السوري، وأن مكونات سوريا ستتعايش سويا مستقبلاً، وإبداء المرونة وتوفير الأجواء الإيجابية بين هذه المكونات عامل مهم ومساعد في الاعتراف بالحقوق الكردية وتثبيتها في الدستور في سوريا المستقبل، كما عليها الاتعاظ من تجارب الآخرين، والاستفادة خاصة من تجربة إقليم كوردستان، وطريقة إدارة قادة الإقليم لملفات العلاقات مع حكومة المركز في بغداد، لكن مع الأسف هم لم يخرجوا من قوقعة الفكر التنظيمي لحزب العمال، ولن يستطيعوا طالما هم بقوا على النهج المغامر، وسيدفع شعبنا فقط ثمن هذه المغامرات والأوهام في رؤوسهم.
*ألا ترى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي نصبت نفسها راعية للحوار ” الكردي – الكردي- غير جدية في هذا المسعى، وهي تعلم أن حزباً بعينه ينسف الحوار؟
**نعم أشرت إلى ذلك قبل قليل، في الحقيقة المرحلة التي تطلبت حوارا كرديًا -كرديًا بهدف الوصول إلى تفاهمات وتوافقات كان لمصلحة الجميع بمن فيهم الأمريكان، لكن الظروف تغيرت، وهناك تطورات دراماتيكية تجتاح المنطقة: الاتفاق السعودي – الإيراني، مستوى التفاهمات بين تركيا وسوريا، عودة النظام إلى الحظيرة العربية، إضافة إلى انشغال أمريكا بالحرب الروسية – الأوكرانية، وحدة التوترات في المحيط الهندي وبحر الصين. مع الأسف السياسة الكردية تسقط في الوقت المناسب، ولن تنجح في الظروف المضطربة. لهذه الأسباب لن تتدخل أمريكا حالياً في الحوار وغير متحمسة له، خاصة وأن علاقاتها مع قسد تسير بشكل سلس.
*بشأن المجلس الوطني الكردي، هو يعاني أيضاً بعض الترهل في أدائه، كيف يمكن أن يتطور أداء المجلس الكردي برأيك؟
**المجلس الوطني الكردي قوة تمثيلية لطموح ومشاعر ودوافع الحق عند المجتمع الكردي، ورغم أنه انطلق كمرجعية كردية معتبرة، إلا أنه مع الوقت لم يستطع تلبية ما اختلج في نفوس أبناء شعبنا الكردي، ولا تمكن من وضع آليات عمل مستجيبة لشروط المرحلة، ولا استطاع تعزيز بنيته الداخلية وفق النسبية التي طرحناها في تمثيل المناطق بدءاً من عفرين وحتى ديركا حمكو، المجلس لا يتطور إلا بالتجديد، ووضع لائحة داخلية تأخذ بعين الاعتبار إرهاصات الساحة الكردية في مجملها، ولا أنسى هنا الدور السلبي لسلطة الأمر الواقع والقيود على عمل المجلس ومنع عقد مؤتمره، ولكن المجلس معزول أيضًا عن أية مبادرة لتحسبين شروط وآليات عمله، وكأن ما يعانيه المجلس ليس من اهتمامات قيادته.
* ثمة أحزاب ضعيفة للغاية في المجلس، وليس لها أي امتداد جماهيري، هل الحكمة في زيادة أسماء الأحزاب؟ أم من الممكن أن تتوحد الأحزاب الصغيرة مع بعضها؟؟
**لا نقاش أبداً حول أهمية وجود المجلس وتمثيله ودوره، حتى لا يُساء الفهم، ولكن من حقنا إبداء رأينا وفهمنا لطريقة عمله، ولهذا طرحنا أفكاراً ومبادراتٍ، والإشارة أيضاً إلى الإمكانات المتاحة – حتى لا أدخل إلى التفاصيل – يضع المجلس في وضع أفضل من حيث الفعالية والنشاط والارتباط بشعور الجماهير الكردية، ولكن الردود هي نفسها. باعتقادي بالأسلوب المتبع حاليًا وبالأشخاص أنفسهم وبآليات العمل نفسها، وعدم تسهيل دخول شخصيات جديدة في الإدارة السياسية للمجلس، سيعاني دائما لا محالة، من الضعف والوهن، وسيبقى هدفاً للانتقادات من معظم الأوساط الكردية.
*أهلنا في عفرين وسري كانييه وگـري سپي وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش ” الوطني” تعاني من انتهاكات كبيرة، وتضاعفت مأساتهم بعد الزلزال المدمر أوائل شباط الماضي، ما دوركم كحزب ومجلس كردي في هذه المناطق؟
**نعم، ما تفضلت به صحيح. فهناك انتهاكات يومية، وارتكابات فظيعة، وإجرام وقتل وخطف وقطع للأشجار المثمرة، وتغيير ديمغرافي، ولولا وصول إمدادات “خيرخوازيا بارزاني” بعد الزلزال المدمر لكان الوضع أكثر سوءاً بكثير. بشكل عام تجاوزات الفصائل العسكرية في تلك المناطق لها غرض تخدم أجندات الجهات الراعية لها، ولن تتوقف إلا بعد الوصول إلى حلول سياسية للحالة السورية برعاية وإشراف دوليين. برأيي لم يكن مسموحاً ولا مقبولاً للمجلس الوطني الكردي ولا لحزبنا نتيجة للحيثيات المتعلقة بهذا الموضوع أن يتمكنوا من العمل وخدمة أهلنا هناك، لكن الجهد المبذول من جانب الطرفين لم يكن في المستوى المطلوب، ولم يؤد إلى نتيجة مثمرة. مراعاة ظروف الآخرين ليس خطأ، ولكن لنا أيضاً توجهاتنا ودوافع خدمة أهلنا، ومع ذلك لم نكن جديرين ولا قادرين في هذا المجال.
*بعد المقتلة السورية الكبرى، النظام السوري عاد لـ” حضن” الجامعة العربية قبل أيام، هل نجحت السعودية وغيرها في إعادة تدويره، أم أنها بداية النهاية للنظام؟
**هناك تحليلات كثيرة من مراكز الأبحاث والمراقبين والمحللين السياسيين حول عودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية، ومعظم هذه التحليلات تشير إلى نجاح النظام مقابل انحلال المعارضة وخفوت دورها. الموقف الدولي في السنين الأخيرة لم يكن حاسماً تجاه النظام السوري رغم إقرار قانون قيصر وقانون تجارة المخدرات والإجراءات الأخرى من أمريكا وقليل من الدول الفاعلة. كما أننا نغفل الدور الإسرائيلي في بقاء نظام بشار الأسد، وكذلك الانعطافات العديدة من جانب تركيا وغيرها، والدعم الدائم والمستمر من روسيا وإيران. مبدئياً هو تدوير للنظام وإعادة إنتاج له (فقط بشار وزبانيته خارج المعادلة في المستقبل) فمعظم الدول العربية لم تكن صادقة في توجهاتها السابقة حول دعم المعارضة وإسقاط النظام، فهي في قرارة نفسها لا تحبذ الثورات التغييرية لأن الدور سيأتي عليها لا محالة نظراً للبنيات الديكتاتورية لمعظمها، والموروث التاريخي الذي يلف كينونته. لكنني مقتنع أن من مصلحة المجتمع الدولي أن يكون سوريا المستقبل: دولة ديمقراطية تعددية برلمانية، تلبي طموحات وحقوق كل المكونات التي تتشكل منها الدولة السورية.
*لماذا عجز السوريون عن تغيير أو حتى إسقاط النظام في دمشق، رغم الضريبة الهائلة التي قدمّوها من تدمير بلدهم، إلى قتل مئات الآلاف، وتهجير الملايين في الداخل والخارج؟
** برأيي إرادة السوريين لم تنكسر، حتى ولو تألب عليها الجميع، ولن يقبل السوريون إلا بنظام ديمقراطي، والأمور في بداياتها، والمعارضة موجودة، وقرار مجلس الأمن 2254 ساري المفعول. ما جعل السوريين عاجزين عن إنجاز التغيير المنشود، ليس بسبب ضعف عزيمتهم؛ بل بسبب التدخلات الواسعة للدول الإقليمية وروسيا في الشأن السوري، ووضع المعارضة السورية، أو قل الائتلاف لمعظم بيضه في سلة الآخرين الذين تحكموا بقرارها، وصادروها لأجندات ليست للمعارضة فيها دور ومصلحة. سيبقى الوضع السوري هكذا حتى تجري تفاهمات بين القوى الفاعلة في الشأن السوري.
*برأيك ماذا سيكون مصير المعارضة السورية في ظل التقارب العربي مع رأس النظام في دمشق والتحذيرات الأمريكية من التقارب معه، وهل ستكون هناك خطط إستراتيجية جديدة للمعارضة أم ستستسلم للأمر الواقع؟
**برأيي لا تمتلك المعارضة خيارات كثيرة، فالوضع معقد، والتفاهمات الإقليمية على الوضع السوري تجري تحت الطاولة وفي الخفاء، والتوجهات الدولية راهناً تخضع لشروط جديدة أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا، والصراعات الأخرى على المصالح الحيوية في أكثر من بؤرة وموقع. انعكاسات هذه المسائل لها تأثير مباشر على سياسات وتوجهات دول المنطقة، وتدفع باتجاه قرض معادلات جديدة، ليس للمعارضة فيها أي دور أو فعل، وإذا استمر الموقف الأمريكي رافضاً للتطبيع وكذلك الأوروبي، فإن الوضع السوري سيبقى بلا حل حتى تتوفر ظروف مؤاتية، فحلول الوضع أكثر تعقيداَ مما نتصور.
* للمرة الأولى في تاريخ تركيا، يستعد الأتراك لجولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد منافسة كبيرة لم ينجح فيها رجب طيب أردوغان ولا كمال كليجدار أوغلو، في فصل المعركة الانتخابية، كيف وجدت هذه المنافسة الانتخابية القوية، وما تأثير هذه الانتخابات على الوضع السوري بشكل عام والكوردي على وجه الخصوص؟
باعتقادي وحسب معطيات السنين الماضية، وصيرورة العملية السياسية في تركيا ككل، لم تكن ولا مرة في وارد حل الفضية الكردية، باستثناء أن حكومة أردوغان استجابت مرة واحدة للحوار، ثم أفشله حزب العمال. المنافسة الانتخابية هذه المرة أيضاً بعيدة عن تناول المسألة الكردية رغم تحالف حزب الشعوب الديمقراطي مع المعارضة وقليجدار أوغلو، أطروحات الطرفين تتركز حول معالجة الوضع الاقتصادي والعلاقات مع الجوار وروسيا وإيران، وإعادة اللاجئين السوريين.
برأيي لن يتغير منحى السياسة الخارجية التركية أياً كان الرئيس المقبل، خاصة وأن حزب العدالة قد حصل على الأكثرية في البرلمان. المعارضة ستكون أكثر ميلاً للعلاقة مع النظام السوري، ومن هذه الناحية فإن موقف النظام السوري تجاه الوضع الكردي سيكون أكثر تشدداً، وسيدفع بالإدارة الذاتية إلى الارتماء في أحضان النظام بشكل أسرع، ولكن طالما أن الحل السياسي للأزمة السورية غير متوفر حتى الآن، فعلى الأرجح ستبقى أمور الساحة السورية في شكلها الحالي مع تغييرات بسيطة في التوجهات والممارسات.