إبراهيم محمود
البارحة مساء” الجمعة، 26-5-2023 ” ، التقيت ببعض الشخصيات الاجتماعية ولها مكانتها الاعتبارية عندي، وفي مركز ثقافي واجتماعي ديني، في محافظة دهوك. وقد دعيتُ إلى هناك بغية الترويح عن النفس قبل كل شيء، ولأن أياً منا يشعر بقيمته بحضور الآخرين في حالات كهذه. هكذا رأيتني طوال عقود عمري العديدة.
سوى أن الذي يحدث قد يفاجىء على طريقة ” تجري الرياح بما لا تشتهي السفن “، إذ إن الحميمية التي سادت المجلس، وقبل أن يكتمل بوجوهه، تعكَّر صفوه.
بعد ذلك بزمن قصير، كانت المفاجأة الصادمة في ظهور أحدهم، ومن بين مجموعة وجوه أقدَّرها، وهو يقترب منّي: في المجلس الواسع: ماذا تفعل هنا؟
ليس بصيغة استهجان، إنما لأن السؤال لم يكن في محلها إطلاقاً، لأن المركز أتردد عليه كثيراً، كونه اجتماعياً وثقافياً، وطبع لي كتاباً كذلك، فيكون للسؤال جانبه المرفوض اجتماعياً، تعبيراً عن موقف خاص به بالذات، حيث لم ألتق به منذ سنوات طوال.
فسؤاله أساساً، مقدَّر له أن يكون سؤالي المطروح عليه منطقياً !
وما أن جلس بجواري، التفت إلي في الحال: أنت ختيرت؟ وثم : لقد سمنتَ !
كلمات ثلاث خرجت من فم هذا الرجل المتقدم في العمر وهو مسئول حزبي كردي معروف جيداً، لن آتي على ذكر اسمه، إذ لا بد أن يعلم بطريقة ما.
لم يسألني عن وضعي هنا، عما أنا عليه في أموري الثقافية، أو ما لدي من أنشطة، وأين أنا؟؟؟ طبعاً كل ذلك، لا أقول لا يهمه، إنما لا يريد وليس لديه رغبة في السؤال عنه، لأنه، كما هو تقديري، يعلم بذلك جيداً، ومن قبل حزبييه، ومن يهمهم أمر متابعة من هذا القبيل .
لم أشأ الدخول في مواجهة مباشرة له، فقد كنت في مجلس متنوع في وجوهه، واحترمت الزمان والمكان، سوى أنني أدركت ما تعنيه كلماته الثلاث، بخلفياتها وذيولها، فهو، رغم التغيرات الكبرى التي عشناها كردياً، لم ينس من يكون أنا ” وبعيداً عن الاستعراض ” وهو يرتد إلى سنوات وسنوات في مقالات نقدية لي لحزبه وحزب سواه، ربما تغيَّر الرجل كثيراً تجاه الجاري وفي موقفه من أعداء أمته وشعبه، إنما تجاهي، هو والذين يفكرون على طريقته حزبويين أو سياسيين حزبويين وكتاباً ذيليين وأمعيين، هم هم، لأنهم قادرون أن يديروا جلسات كاملة فيما بينهم تجاه وضع كهذا، وهذا مما يؤسف له، ويظهِر بؤس تفكير لدى أناس من هذا القبيل.
ذلك لا يدعو إلى الفخر، بالنسبة إلي، وإنما إلى الشماتة تحديداً إزاء تفكير يعرَف بكيفية التعامل مع الآخر، ومع الذات قبل كل شيء.
إذ يتطلب الحد الأدنى في مجلس كهذا، ومصادفةً، إبراز وضعية تغيّر، لصالحه قبل كل شيء، ومن في امتداده حزبياً، أن يسأل عما هو ثقافي، وما هو مستجد، وليس حصر كل ما لديه، وهو خلاصته بالكلمات الثلاث الآنفة الذكر.
لقد قلبتُ الكلمات الثلاث على وجوهها، ليس من موقع الحساسية، وإنما السؤال ما إذا كان ذلك معقولاً وبهذا الشكل، وبالطريقة المباشرة وما فيها من ارتجال غير مسئول .
لم أشأ الوصول إلى قناعة وفحواها: إنهم هم، هكذا، في أغلبهم، دون ذلك، ماالذين يبقيهم بعيدين بهذه الصورة، عما أنا عليه، على الأقل ليظهروا مرونة في أنفسهم في ضوء المتغيرات، أو في التعامل مع أنفسهم في ضوء التحديات ومتطلباتها.
إنما وقد هيأت نفسي لكتابة بعض ما تبيَّن لي في مثل ذلك الوضع، تأكد لدي تماماً: أنهم هم أنفسهم، كما قلت، وفي وضعية تراجع بالمقابل.
ألا ما أشطرهم في مواجهة ما يعتبرونها مواجهة سيسمونها فيما بينهم لاحقاً، مع كرد منهم، مهما علت مرتبتهم الثقافية، ومن موقع التفاخر الأجوف الطنان، وما أضعفهم وأربكهم حين يكونون في مواجهة خصومهم القوميين ومتربصي الفرص بهم من غير الكرد .
لكم وددتُ ألا أسطّر هذه الكلمات، لكنني رأيت من واجبي النفسي والمعرفي كتابتها ولو باختصار، تعبيراً عما أفكر فيه، وعما أنظر في أفقه بعيداً، فلا أرى سوى أشباح واهنة فقط …