شكري بكر
لا يخفى على أحد أن كوردستان مجزئة بين دول متعددة ومختلفة قوميا ومذهبيا ، بنفس الوقت لا يخفى على أحد التشتت السياسي والانقسام التنظيمي المنتشر من مشرقه إلى مغربه ، ومن شماله إلى جنوبه ، والأهم من كل ذلك هو غياب المشروع السياسي الكوردي المعبر عن طموح الشعب الكوردي ، وكذلك غياب المشروع الوحدوي التنظيمي الذي من الممكن أن تعقد الجماهير الكوردية آماله عليه إن كان على صعيد الجزء أو الكل. إزاء هذا الواقع المؤلم والمزري الذي يعيشه الشعب الكوردي، انبثق نهوض فكري، ويقظة سياسية في جميع أجزاء كوردستان في مطلع القرن الماضي، في شماله قامت ثورات وانتفاضات عديدة ومختلفة، آخرها كانت ثورة الشيخ سعيد بيران، وفي جزئه الشرقي تحقق إنجاز كبير تمثلت بإقامة جمهورية.
مهاباد والتي لن تدوم سوى أحد عشر شهرا، التي راحت ضحية مؤامرة إقليمية دولية في ذلك الحين، إلى اندلاع ثورة أيلول في جنوبه التي قادها الملا مصطفى البارزاني في بداية الستينات القرن الماضي وإلى ظهور جمعية خويبون في جزئه الغربي، ثم إعلان الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، ومعلوم لدى الجميع أن تلك اليقظة تمثلت بتشكيل أداة نضالية لتأطير نضال الشعب الكوردي ضمن إطار سياسي عبر انطلاقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كل من العراق وإيران بقيادة الخالد الملا مصطفى البارزاني في 16أيلول عام 1946 ، باسم الحزب الديمقراطي الكوردي ، وفي المؤتمر الثالث له الذي انعقد في مدينة كركوك في 26 / 1 / 1953 ، تم أتخاذ القرار بتغيير إسم الحزب إلى، الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
حزب الديمقراطي الكوردستاني وبعد فصل الديمقراطي الكوردستاني – إيران عنه ، عمد إلى تشكيل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كل من جزئه الشمالي والغربي . حيث انطلق الحزب الديمقراطي الكوردستاني – تركيا عام 1965 . أما الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا فقد انطلق في عام 1957 . وقد مر هذا الحزب بمراحل عصيبة تخلله إنشقاق في أوائل ستينات من القرن الماضي، ثم انبثق مرة أخرى في عام 2014 بعد إعلان أربعة أحزاب كوردية عن حلها والدمج في الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا في 4 / 5 / 2014 ، ولأسباب عديدة لا حاجة لها هنا من التذكير، فلم يتمكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا من عقد أي مؤتمر له مؤتمر الدمج حتى الآن.
إلى أنه في الآونة الأخيرة اتخذت قيادة الحزب قرارا بانعقاد مؤتمره العام قريبا، بعد الانتهاء من كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لعقد المؤتمر، حيث أنظار الجماهير الكوردية في سوريا تتجه نحو إقليم كوردستان لعقد المؤتمر الذي طال انتظاره لأسباب عديدة منها ذاتية ومنها موضوعية، التي أدت إلى عدم تمكن الحزب من عقد مؤتمره المعتاد، وقد يتأجل المؤتمر ربما لبعض الوقت، ريثما تنتهي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، قد يكون لهذه الانتخابات انعكاسات على الملف الكوردي بشكل عام والحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا بشكل خاص سواءً بالسلب أو بالإيجاب. ولا يخفى على أحد بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا أمام معضلة شائكة ومتشعبة سياسيا وتنظيميا ، إزاء هذا الواقع المؤلم والمؤسف له ، هناك جملة أسئلة تطرح نفسها وبقوة :
هل سيتجاوز الحزب تلك المعضلة في تحقيق الهدف المنشود الذي تأسس من أجله ألا وهو إنتزاع حقوق الشعب الكوردي في سوريا في حق تقرير مصيره ؟.
وهل سيخرج الحزب من عنق الزجاجة سالما ومعافا، دون حدوث أي خلل سياسي أو تنظيمي مستقبلا ؟.
وهل من الممكن توفير عامل الذات بالالتزام بمبادئ القومية للشعب الكوردي في سوريا ؟.
وهل سيتمكن المؤتمرون من تصعيد نضالاتهم في الساحة السورية من الصراع القائم منذ أكثر إثنتي عشر عاما، واتخاذ القرارات الصائبة تجاه حل القضية الكوردية في سوريا حلا ديمقراطيا ترضى عنه جميع الأطراف ؟.
هل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا سيتمكن من فرض أو إثبات نفسه كقوة رئيسية وأساسية في النضال التحرري الكوردي في كوردستان سوريا، بمعنى آخر هل الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا سيحذو حذو الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الإقليم بفرض نفسه كقوة رئيسية، تكلل هذا الفرض من خلال الدورة البرلمانية الخامسة عام 2018 التي فاز الحزب فيها على47 % من أصوات الناخبين ؟.
إذاً الحزب الديمقراطي الكوردستاني أمام امتحان صعب، تكمن هذه الصعوبة في جوانب عدة منها، الجانب التنظيمي، ومنها الجانب السياسي، ومنه الجانب النضالي في ميادينه المختلفة، السورية والكوردية، والإقليمية، والدولية والتحرك نحو هذه الميادين، عبر إنجاز مشروعين كورديين سياسي وتنظيمي ضمن إطار الممارسة الديمقراطية، بعيدا عن دمقرطة النضال ذات القوالب المسبقة الصنع من قِبل بعض دول الإقليمية في المنطقة. والتي من الممكن أن تصطدم ببعض الموانع هنا وهناك، لذلك مطلوب من الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ابتداع طرق وأساليب مبتكرة في النضال الكوردي المنشود والمشروع ، متمسكا بوحدته التنظيمية، وبنفس الوقت الالتزام بالثوابت القومية للشعب الكوردي في سوريا، والتمتع باستقلالية قراره السياسي بما يراعي الظروف الذاتية والموضوعية المحيطة به من كافة الجوانب. لهذا أستطيع القول بأن كوردستان سوريا تقتضي الضرورة لأداة نضالية فعالة
لإدارة مناطقها بشكل لائق يحتذى به أو يحسد عليه سوريا وإقليميا. على غرار تجربة الإقليم حكومة وشعبا ، التي تمر بتجربة رائدة ، تطور او تقدماً ديمقراطياً، بما شاهده وعبر عنه قادة وممثلو دول العالم بمشارقه ومغاربه ، بعد أن قاموا بزيارات عمل أو للسياحة لها .