عزالدين ملا
إن الأحداث والصراعات الدولية تزداد توسعاً، وأساليب الضغط، ولَيْ الأذرع تشتد، أمريكا التي تتفرد بزعامة العالم، وتفرض إملاءاتها السياسية والاقتصادية والتجارية، تتخوّف من التوسع الصيني الاقتصادي والتجاري من جهة والأطماع الروسية التوسعية من جهة أخرى.
ومن جانب آخر، التغيرات السياسية التي طرأت على الساحة الشرق الأوسطية، من توجهات سياسية جديدة لدول الخليج، وفتح قنوات أخرى مغايرة لما كانت عليه من فتح قنوات اتصال جديدة مع الصين، ومحاولات التطبيع العربي مع النظام السوري وإعادته إلى مقعده في الجامعة العربية. هذه السياسات، وهذا الصراع يفتح الطريق أمام احتمالات عديدة، قد تكون أسوءها حرب عالمية ثالثة.
1- كيف تحلل كل ما يجري الآن من تطورات جيدة وأحداث متصارعة؟
2- هل ستكون تلك السياسات والأحداث بداية مرحلة جديدة ونهاية خارطة سايكس بيكو؟ ولماذا؟
3- برأيك، لماذا كل هذه المحاولات من الجانب العربي للتطبيع مع النظام؟ ما الذي تغير؟
4- ما مصير الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة عامة وكوردستان سوريا على وجه الخصوص؟
القوى الكبرى.. والمنافسة في التركيز على العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري
تحدث عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، مسلم محمد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «في السنوات الأخيرة أدركت “أوروبا” خطورة السياسة الصناعية الصينية؛ وسعي بكين للاستحواذ على التكنولوجيا، لذا أقرّت بوجود تهديد صيني لمنطقة المحيطين “الهندي والهادي” وضرورة مواجهته بشكل مشترك مع “الولايات المتحدة الأمريكية” لذا انشؤوا تحالف ( AUKUS)، لتأسيس مرحلة جديدة عنوانها “الصراع الجيوسياسي الحاد”، بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين الصين الباردة والتي تتشكل بثوب جديد أخر. الوضع الدولي يتم تشكيله الآن عبر مسارين رئيسيين هما: المنافسة بين القوى العظمى، وقد يتحوّل إلى أكبر تحدٍ يواجه البشرية. ويمكننا رصد تداعيات الخلاف بين “الولايات المتحدة والصين” على المنطقة من خلال استعراض بعض الاتجاهات والأحداث في الفترة الماضية».
يتابع محمد: «حيث نجد أن الصين يوازي نموّها التصاعدي مع تعطش متزايد للطاقة ومعظم مشتاق بترولها يأتي من أعضاء (OPEC) في الخليج العربي. هنا يجد الأمريكيون الذين كانوا لاعبين مركزيين في “الشرق الأوسط” على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي أنفسهم على الهامش، وبعيدين عن التغييرات المهمة وأصبحت الصين اللاعب الجديد، ولتأكيد ما اسلفت أعلاه زيارة الرئيس الأمريكي “بايدن” والرئيس الصيني “وشي” إلى دول الخليج العربي، وذلك بهدف بسط نفوذهما في الدول الساحلية، وغرب آسيا، المتطلعين إلى الموارد الاستراتيجية والطاقة في المنطقة، وجاءت هاتان الزيارتان كمؤشر لسياسة قوتين كبيرتين على اطراف الكرة الأرضية، لكن رأينا أن سياسة “الصين” في الشرق الأوسط شهدت تحولات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية حيث أنّها تواصل التركيز على العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، وتعلم بأنّها بمجرد أن تتعمّق في المجالين العسكري والسياسي سيصبح من المستحيل الحفاظ على علاقاتها الودية وطويلة الأمد، والتنبؤات المثيرة للجدل تقول: بأن “الشرق الأوسط” يمكن أن يصبح الساحة التالية للمنافسة بين البلدين لأن الصين ستستمر في زيادة وجودها في المنطقة، وأنّه المكان الذي لا توجد فيه صراعات كبيرة بين القوتين العظيمتين وأنّه ليست منطقة استراتيجية لأي قوتين».
وبخصوص محاولات تعويم الأسد أو التطبيع، يضيف محمد: «فقد وجدنا مؤخراً أن مسؤولين عرباً توافدوا على سوريا ليس لتقديم الدعم لضحايا “الزلزال” الذي ضرب مناطق شمال غرب سوريا والتي أسفرت عن وفاة ما يقرب إلى 5000 شخص… بل تطبيع للعلاقات مع النظام السوري وعودته إلى “جامعة الدول العربية” ورغبة شديدة في إعادة العلاقات مع نظام الأسد، وكأن شيئاً لم يحدث خلال العشرية الماضية وأن النظام لم يقتل أكثر من نصف مليون شخص ولم يشرّد ما يقارب من ١٢ مليون سوري داخلياً وخارجياً ولم يدمر البلاد. من اجل البقاء في السلطة بأي ثمن كان».
يشير محمد: «إنّ تسارع التطبيع مرتبط بشكل أساسي بدخول الصين على الخط بقوة، ومحاولتهم استغلال انشغال أمريكا بالحرب “روسيا” على “اوكرانيا” من جهة والصراع مع الصين من جهة أخرى، كما أن بعض من هذه البلدان استخدموا مسألة التطبيع مع “الأسد” لأجل ابتزاز امريكا سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً. ويأتي تطبيع بعض الأنظمة مع الأسد لوجود العديد من العوامل المشتركة بينها وبين النظام، وبالتالي فإن دعمهم له هو في الأساس دعم لأنفسهم ولاستراتيجيتهم ولرؤيتهم لشعوبهم.
وإن مصالحة السعودية مع الأسد ستبقى محكومة بسقوف معينة والأوهام فيها اكبر من المعطيات المادية أو الواقعية، وهي تشير اي حال كما المصالحة مع ايران والوساطات العمانية والإماراتية إلى خيارات اقليمية ومازالت كثيرة في معالمها ومرتبطة بايقاعات السياسة الامريكية حضوراً في المنطقة أو غياباً أو انكفاءاً مؤقتاً. باختصار سيبقى التطبيع مع الأسد محصوراً في اطار عربي جزئي وحتى لو انخرطت تركيا فيه بعد انتخاباتها الرئاسية فسيبقى اقليمية بسبب ترسانة العقوبات الأمريكية والأوروبية على الشركات والأفراد المرتبطين بهيكلية النظام السوري، وإن جميع المحاولات في تعويم الأسد وشرعنته هو إطالة عمر الأزمة السورية والابتعاد عن الانتقال السياسي في سوريا كما هو ابتعاد عن تنفيذ القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار “2254” والتهرب من الاستحقاقات، وبالتالي أن الانفتاح الخليجي (العربي) على الأسد سيكون على أرض الواقع دون مقابل سياسي فعلي كبير ولوجود ثلاث قوى نفوذ في سوريا ودون التسوية لا يمكن أي تعويم وإن أي صفقة في ظل عجز اقتصادي إيراني روسي ستصتدم كلها بالعقوبات لكل مستثمر خليجي في سوريا نتيجة لوجود ٱليات قانون قيصر وغيره من الآليات العقابية الامريكية».
كُردياً، يردف محمد: «ان الشارع الكُردي منقسمٌ بين القوى السياسية، وذلك بسبب امتلاك منظومة “pyd” الذهنية العسكرتارية، وعدم قبوله للآخر مع اخضاع كل شي لمصلحته الحزبية بحتة، ناهيك عن الاسرار بتفرّد في الساحة، وكذا إفشالهم جميع الاتفاقيات التي ابرمت بينهم وبين “المجلس الوطني الكُردي في سوريا”. ونجدهم بين الفينة والأخرى يقومون بالتضرّع إلى النظام السوري وإطلاق مبادرات متكررة حتى يوصلوا إلى اتفاق معهم، والنظام بدورهم يرفض جملةً وتفصيلاً كل تلك المبادرات والمحاولات إلى أن يعيدوا جميع المناطق التي يسيطرون عليها والإعادة بها إلى حضنهم وبشكل خاص ثروات النفطية من دون شروط أو قيد وكما استلموها. ويرافق ذلك ازدياد معاناة الشعب الكُردي في كُردستان سوريا، حيث يتحوّل من سيء الى أسوأ، على الرغم من سيطرتهم على أهم السدود ومحطات توليد الطاقة وعلى معظم حقول النفط والغاز، وهذا بخلاف المساعدات العينية من الدول المانحة، ومع ذلك نجد أن الشعب يعاني من ندرة مياه الشرب، ونقص في الكهرباء، وأزمة الوقود، بل وابسط مقومات الحياة».
المشهد يوحي أن نظاماً عالمياً جديداً آخذ في الظهور
تحدث سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي، أحمد سينو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ان ما يشهده العالم حالياً من أزمات وحروب وركود مالي وجائحات وصراعات في الكثير من مناطق العالم وصلت إلى حد الاستعداد للمواجهة والتلويح بالحرب النووية، كلها تؤكد أن نظاماً عالمياً جديداً آخذ في الظهور، ومن الصعب التكهن بطبيعته أو موعد تشكله لكن المؤكد انه سيكون أكثر تعددية، ولكن كل ذلك سيمر بمرحلة طويلة من الفوضى والهلامية. وبالتالي العديد من المتغيرات على مستوى العلاقات والتحالفات قد تكون الاصطفافات حالياً واضحة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن عندما تتبلور ملامح العالم الجديد فإن الاتحاد الأوروبي نفسه سيعسى لأن يصبح أحد أقطابه إلى جانب أمريكا وربما غيره من القوى العالمية، ولكن يجب القول إنه كلما طالت فترة التبلور كان ذلك أفضل في تبلور شكل التحالفات لتكون الصورة أوضح، وعلى اساسها سوف تبنى مواقف الكثير من الدول والحركات تجاه هذا أو ذاك. وما نشاهده من التسارع الروسي الصيني نحو نظام متعدد الأقطاب سيخلق عالماً غير مستقر وغير متكافئ، وبالتالي ديمقراطية أقل ونظام أقل عدالة، واعادة لدورة العنف وعدم الاستقرار في النظام العالمي كما كان في أيام الاتحاد السوفيتي وربما أكثر بشاعة».
يتابع السينو: «عدم الاستقرار الذي يمر به العالم حالياً سينعكس بشكل مباشر على الشرق الأوسط الذي لا يملك أي مقومات البروز أو التأثير في شكل هذا النظام العالمي أو طبيعته، لذلك فكلُّ ما يستطيع فعله هو الاستعداد لارتدادات هذه التغيرات والاستعداد للصمود في وجه التغييرات المتوقعة حدوثها، وخاصة المنظومة السياسية العربية القائمة في معظمها على استبداديات أو ملكيات، وبعيدة عن أيّ تمثيل شعبي أو نظام اجتماعي عادل، وستكون أكثر عرضةً للتغيير، وقد رأينا كيف غيرت اتفاقية سايكس بيكو شكل المنطقة، وكانت عاملاً رئيسياً في صعود الأنظمة العسكرية في غالبية الدول المشمولة بتلك الاتفاقية، وعدم بناء الدولة الوطنية. وبدلاً من ذلك نجد الحكام يستخدمون الاختلافات الدينية والعرقية، التي حرصت اتفاقية سايكس بيكو على خلقها، لترسيخ سلطتهم من خلال التلاعب السياسي بالجماعات المختلفة والمتنوعة ضد بعضها البعض. ولابد من التذكير ان هذه الاتفاقية كانت واحدة من سلسلة اتفاقيات حرمت شعوب المنطقة من الاستقرار والتنمية والقرار المستقل لتبقى رهينة السياسات الغربية ومصالحهم. وكان أيضاً الشعب الكوردي أحد ضحايا هذه السياسة، حُرِّم من تحقيق تطلعاته كغيره من شعوب المنطقة، بل جلبت على الكورد أكثر من مئة عام من الحروب والويلات والمجازر والأسلحة الكيمائية والانفال، ورغم كل ذلك لا اعتقد في المدى المنظور أن هناك ما يشير إلى إمكانية حدوث أي تغيير في تلك الحدود، لأن الدول الغربية تخشى أن يؤدي أي تحوُّل في تلك الحدود إلى تأثير الدومينو، لذلك اعتقد انها ستحافظ على تلك الحدود إلى أقصى حد ممكن».
يضيف السينو: «بخصوص هرولة بعض الدول العربية إلى التطبيع الاسدي، اعتقد ان بعض الدول العربية تنظر اليوم إلى الأسد أنه انتصر عسكرياً، وإن الحرب في سوريا أدت إلى زعزعة استقرار العديد من الدول العربية، خاصة الأردن ولبنان اللتان تتحملان الملايين من اللاجئين السوريين، إضافة إلى إغراق نظام الأسد السوق الخليجية بحبوب الكبتاغون، ومحاولة الدول العربية إعادة سوريا إلى الحضن العربي بعيدا عن هيمنة النظام الإيراني على قراره، كما أن التقارب السعودي – الإيراني الأخير برعاية صينية، ونية السعودية التطبيع مع الأسد، والعمل على إعادته إلى الجامعة العربية، يوحي أن السعودية قد تبحث عن مقاربة للحل السوري على غرار اتفاق الطائف بعيداً عن القرار 2254. مع ذلك لا يشكل التطبيع العربي مع نظام الأسد المنهك اقتصاديًا، والذي يعيش 90 بالمئة من شعبه تحت خط الفقر، وغياب جميع مقومات العيش، وتهدم أكثر 70 بالمئة من البنية التحتية، ومساعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الرفض لهذا التطبيع، والإبقاء على العقوبات، وإقرانها بالحل السياسي، مؤشر واضح أن لا مستقبل لهذا النظام ولا قيمة لمحاولات التطبيع الجارية. والدول العربية تدرك ذلك جيداً، والبعض منهم يستخدم التطبيع كأداة ضغط على الغرب، ربما للإسراع في تنفيذ القرار الدولي بخصوص سوريا».
يؤكد السينو: «أن شكل التطبيع مع نظام الأسد وجدية الولايات المتحدة والغرب يؤثران بشكل مباشر على القضية الكوردية في سوريا واستحقاقاتها السياسية، خاصة في ظل تعقد المشهد السياسي والعسكري على الأرض في مناطق شرق الفرات، والوجود الأمريكي والتهديدات التركية ومدى مضي الطرف التركي في حوارها مع نظام الأسد. والأكثر من ذلك سيطرة وتحكم حزب العمال الكردستاني المقرب من نظام الأسد بجميع مفاصل الإدارة الذاتية، ورفضها لأي محاولة لتحكم كورد سوريا انفسهم بقرارهم السياسي، لذلك الحركة السياسية الكوردية متمثلة بالمجلس الوطني الكوردي باعتباره مظلة سياسية مطالبة اليوم بمراجعة الذات والاعتراف بفشله، واعادة النظر في بنيته التنظيمية، والاعتماد على قوى سياسية فاعلة من اجل استعادة زمام المبادرة، والقدرة على تمثيل مصالح الشعب الكوردي وتطلعاته المشروعة، من خلال الخصوصية الكوردية السورية ضمن دائرة الحالة الوطنية، واستعادة ثقة الشارع الكوردي به مرة أخرى، وإلا لا قيمة للشعارات هنا وهناك. وليدرك الجميع ان انتصار النظام في هذه المعركة ستكون كارثة على مستقبل القضية الكوردية في سوريا بشكل خاص، وعلى تطلعات السوريين بشكل عام في دولة الاستبداد والاجرام، على الجميع العمل لهزيمة النظام مهما كانت التضحيات».
المتناقضات السياسية غيرت تحالفات ونشوب حروب جديدة
تحدث عضو الهيئة السياسية لحزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، بهجت شيخو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بداية أشكر شخصكم الكريم ومن خلالكم كل الشكر لصحيفة «كوردستان» لإتاحة الفرصة لنا في الحديث عن هذا المجال. بداية لا بد من الاعتراف بحقيقة أن هذه المرحلة تعيش حالة صراع وصراع شديد بين الدول الكبرى في العالم، ويهدف إلى اتساع رقعة نفوذ كل منها لذا ما نشاهده من اصطفافات وتمحورات لبقية الدول تندرج تحت يافطة إعادة النظر في حماية مصالحها».
يتابع شيخو: «منذ انتهاء الحرب الباردة بداية التسعينيات أُفسِح المجال تمامًا للولايات المتحدة الأمريكية لأن تلعب دور اللاعب الرئيسي في العالم مع مساندة تامة من الدول الأوربية، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا وغيرها، فشهد العالم عدة حروب خاضتها أمريكا وحلف الناتو، وبدون موافقات مباشرة من الأمم المتحدة، ولا سيما في يوغسلافيا والخليج وافغانستان، وفرضت تغيرات على تلك المناطق، وعززت من وجودها العسكري رغم عدم موافقة كلٍّ من روسيا والصين. ومنذ ذلك الحين بدأت ما يسمى بالصراع الدافئ بين تلك الدول الثلاث، وتجلت ذلك من خلال هجوم روسي على جورجيا في آب من عام 2008 ولاحقاً عام 2014 بضم جزيرة القرم، كما أن الصين تحاول ضم تايوان، ناهيك عن التنافس التجاري مع امريكا. ويمكن القول انه خلال ما بين اعوام 1990 ولغاية 2020 تمكنت كلٌّ من الدول الثلاث المذكورة في بناء استراتيجيات مختلفة حول العالم الهدف منها اتساع رقعة السيطرة.
ومع بداية الصراع السوري عام 2011 توضحت حدة المنافسة الدولية بشكل أوضح، حيث واجهت كلا من روسيا والصين والولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها بكثرة المرات لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وذلك لمنع اصدار أي قرار بخصوص التدخل العسكري أو حماية الشعب السوري عسكرياً. وفي خضم شدة الصراع تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا 2015 وحاربت إلى جانب النظام ضد فصائل المعارضة، وبهذا شكلت توازناً عسكرياً على الارض (لا غالب ولا مغلوب). وبعد أن تمكنت من سحق الكثير من جيوب المعارضة، بدأت أيضاً بالضغط الدبلوماسي على بعض الدول العربية التي تدعم فصائل المعارضة، وفتحت مسارات أخرى لتكون بديلة عن جنيف كسوتشي وأستانا، كما استفادت من المتناقضات بين تركيا وأمريكا للضغط على المعارضة المسلحة بوساطة تركية وترحيلها إلى ادلب وغيرها من المناطق. وإذا وضعنا بالحسبان أن روسيا قد انتصرت عسكرياً في سوريا، فيمكننا القول إنها عاودت دورها كدولة كبرى ومهمة، ويأخذ لدورها الكثير بالحسبان».
يرى شيخو: «أنه وكنتيجة طبيعية لجملة المتناقضات التي شهدتها المنطقة خلال عشر سنوات الأخيرة وخاصة الصراع المسلح في كلٍّ من سوريا واليمن وليبيا، ومن عدم ايجاد حلول ترضي جميع الأطراف، فمن الطبيعي أن تتمخّض المعضلات المزمنة عن افرازات وارهاصات وتغير لتحالفات ونشوب حروب جديدة. لذا كان الغزو الروسي على أوكرانيا، وتدريبات الصين قبالة سواحل تايوان والتهديد باجتياحها وضمها للصين الأم. كما رأينا كيف تم التقارب بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الاسلامية مؤخراً وبوساطة صينية، وهو كان احتمال صعب جداً تصديقه بالأمس لكنه الأن أصبح أمراً واقعاً، وبه سينهي حقبة من الصراع المزمن بين البلدين، وخاصة الصراع المسلح في اليمن بالدرجة الأولى وثم سوريا ولبنان والعراق».
وفي السياق ذاته، يقول شيخو: «يمكننا القول وكنتيجة لعدم قدرة إرادة المجتمع الدولي على تنفيذ القرارات الاممية الخاصة بالشأن السوري، وخاصة القرار الأممي 2245 وإطالة أمد الصراع في سوريا وتأثيراتها في المنطقة، عدلت تركيا وبعض الدول العربية عن مواقفها المساندة للمعارضة السورية إلى التطبيع مع النظام السوري».
بالنتيجة يعتقد شيخو: «بأن الولايات المتحدة الامريكية ما زالت تملك القدرة الاقتصادية والعسكرية الأكبر في العالم، لذا أي احتمال لعالم متعدد الأقطاب الآن ما زال مبكراً، كما أنه سيتمخض عن هذا التنافس العالمي مشاريع سياسية جديدة للمنطقة، واعتبرها مسألة طبيعية في ظل هذا التنافس الحاد بين مصالح الدول الكبرى وأمنها القومي وكيفية المحافظة على قرار التأثير».
يضيف شيخو: «عموماً منطقة الشرق الأوسط تتعايش مع تفاقم صراعات دولية جديدة، وهنا يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار ما بين مرحلة سايكس بيكو والمرحلة الراهنة. أولا: لأن اللاعبين الأساسيين مختلفين. وثانيا: يتم التغاضي كثيراً في هذه المرحلة عن الاحتلالات المباشرة للبلدان، وتكتفي الدول الكبرى بالاعتماد على أجندات أو ميليشيات داخلية لتلك البلدان المرشحة لسيطرة كي تلبّي مصالحها. وثالثاً: التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في هذا العصر. ورابعاً: تضارب مصالح الدول الكبرى فيما بينها من أي تغير قد يحدث على أرض الواقع. وأعتقد ان العوامل الأربعة المذكورة اعلاه لا توحي بإنشاء كيانات جديدة ونهاية لاتفاقية سايكس بيكو بقدر ما يتم استهلاك قوة المركز، وإضعاف دورها الرئيسي لتصبح الدول المستهدفة دول فاشلة بكل معنى الكلمة».
ويشير شيخو: «تعتبر الأزمة السورية إحدى الأزمات المعقدة في هذه المرحلة، فليست فقط على مستوى الداخل السوري والإقليمي، وانما أزمة استعصت حتى على الدول الكبرى وخاصة أمريكا وروسيا وحلفائهما.
وكما هو معلوم أن الثورة السورية تدرجت من ثورة سلمية إلى حرب مسلحة طاحنة منذ أكثر من عقد من الزمن، وتدخلت فيها قوى إقليمية ودولية، وأوصلت البلاد بالمحصلة إلى أزمة سياسية وعسكرية، وانقسمت عملياً سوريا إلى مناطق نفوذ متعددة. ويمكن وصف الوضع السوري الحالي كمريض مرضُهُ معنّدٌ على العلاج.
فكل هذه السنوات التي انهكت الشعب السوري وطاقاته المختلفة فبدون شك كان له تأثيراً كبيراً على تلك الدول الإقليمية كـ (تركيا)، والعربية كـ (الخليج) الداعمتين للمعارضة السورية في إسقاط النظام، ولكن طول امد الحرب وعدم حسمها إلى جانب المعارضة وعدم جدية أمريكا وحلفائها في إزاحة النظام عسكرياً، وتوقف العملية السياسية الأممية للأزمة، ناهيك عن الاصطفافات والمحاور الجديدة التي تُجرى في المنطقة كل هذه الاسباب قد تكون مشجعة لإعادة النظر في مواقف الدول العربية التي أرادت اتخاذ قرار التطبيع مع النظام. وأعتقد محاولات التطبيع الجارية، وخاصة من بعض دول الخليج لا تأتي بمعزل عن ضوء أخضر أمريكي، ولكنه غير معلن حتى الآن».
يردف شيخو: «يتوزع الشعب الكوردي حالياً على أربع دول إقليمية (تركيا – ايران – العراق – سوريا)، ومنذ ما يقارب المئة عام يحاول هذا الشعب في كل دولة من الدول المذكورة ان ينال على حقوقه الدستورية والمشروعة، إلا أن الأنظمة المستبدة وعلى اختلافاتها في الرؤى لم تعترف بشكل صريح وشفاف بحقوق الشعب الكوردي الذي يتجاوز تعداده الـ50 مليون نسمة.
إلا أن ما تم نيله في العراق بخصوص الشعب الكوردي فمن المؤكّد هو نتاج التضحيات الجسام التي ضحى بها في كوردستان العراق في سبيل حقوقه، وكذلك السياسة الحكيمة التي اتبعت من قبل القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني، وما يتلوه من الممارسات الجريئة لمهندس المشروع القومي الكوردي جناب الرئيس مسعود البارزاني في نيل المزيد من المكتسبات القومية والتاريخية الهامة، ليس فقط لشعب كوردستان العراق وانما لعموم الشعب الكوردي في المنطقة».
فيما يخص كوردستان إيران، تطرق شيخو: «فما زال الشعب الكوردي وكل شعوب إيران تعاني من ظلم واستبداد نظام الملالي، واستطاع الأخير من سحق الانتفاضة الشعبية الأخيرة على إثر استشهاد الفتاة الكوردية جينا أميني على يد ما تسمى بـ شرطة الأخلاق».
اما في كوردستان تركيا، يتابع شيخو: «فلم تستطع حكومة العدالة والتنمية حل القضية الكوردية والاعتراف بها دستورياً رغم بعض المحاولات الخجولة في البداية، والتي لم تتمخّض عن نتائج ايجابية، والأجدر ان تراجع الحكومات التركية سياساتها باتجاه حل القضية الكوردية على اسس التعايش السلمي ومصلحة الشعبين».
اما بالنسبة لكوردستان سوريا، يضيف شيخو: «عانى هذا الجزء من سياسة الاضطهاد القومي وحتى الانساني فمنذ نشوء الدولة السورية، ولم يسلم مناطق الشعب الكوردي من سياسة التعريب، وبناء المستوطنات، وفصل ابناءه من الجامعات، وحرمان مئات الألوف من الجنسية السورية. وباختصار كان الكوردي يعتبر مواطناً من الدرجة الثانية في دولة سوريا خلال مختلف مراحل الحكومات المتعاقبة على دفة الحكم».
وختم شيخو، بقوله: «أنه مع اندلاع الثورة السورية حسم حركته السياسية الممثلة في المجلس الوطني الكردي موقفها المساندة مع الثورة، وعلى اساس العمل المشترك في بناء دولة ديمقراطية تصون حقوق مكونات الشعب السوري المشروعة. لذا تم التوقيع بين المجلس الوطني الكردي والمجلس الوطني السوري بتاريخ 27 / 8 / 2013، وثيقة يعترف الأخير بحل قضية الشعب الكوردي دستورياً وغيرها من البنود المشتركة. إلا إنه وبعد انقضاء عشر سنوات على عمر هذه الوثيقة وتداعيات التي آلت إليها الثورة السورية، وما ترتبت عليها العملية السياسية السورية لاحقاً بضم النظام والمجتمع المدني والمعارضة إليها، فبات من الصعوبة الإقرار أنه ممكن انتزاع بنود خاصة بقضية الشعب الكوردي في الدستور القادم، وذلك لعدم وجود منصة كوردية خاصة بها، ناهيك عن عدم إيمان قوى الثورة والمعارضة السورية أصلاً بوجود شعب كوردي يعيش على أرضه التاريخية.
ومن جانب آخر على أرض الواقع حالياً تتعرض كوردستان سوريا لخطر كبير، وذلك بعد احتلال تركيا والفصائل السورية التابعة لها لمناطق عفرين وكري سبي وسري كانيه، وتجرى بحق هذه المناطق يومياً الانتهاكات الفظيعة، وقد تصل أحياناً لجرائم حرب ضد الإنسانية كما حدث مؤخراً في جنديرس.
فيما تسمى بشرق الفرات والمناطق التابعة لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي الـpyd فهو لا يمثل مشروعاً كورديًا بل هو مشروع أممي. وباعتقادي تفقد فيها القضية الكوردية خصوصيتها كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية، وهذا تحد خطير آخر.
وبالمحصلة، فالقضية الكوردية في كوردستان سوريا تواجه معضلتين أساسيتين الأولى بتشتيت الرؤية الكوردية الداخلية والثاني بعدم دعم دولي سياسي واضح حيالها».