نفعل اليوم ما تتمنون فعله في الغد

ماجد ع  محمد

بادئ ذي بدءٍ المفتتح أعلاه هو تصوُّر لما يكاد أن ينطقه أو لعله يتحدث به ضمنياً من دون أيّ تصريحٍ عن كنهه أعضاء وقيادات حزب العدالة والتنمية في تركيا قِبال حراك الهائجين من جمهور وزعامات المعارضة التركية منذ أشهر بخصوص ملف اللاجئين السوريين؛ إذ أن الوعود التي يطلقها زعماء المعارضة التركية حيال ملف اللاجئين السوريين في الانتخابات تضعنا في أجواء قصة طريفة عن صيادٍ قنوع ورأسماليٍّ جشع أوردها الكاتب الهندي البريطاني “أنتوني دو مِلو” ضمن قصص الحكمة، وفحواها أن صناعياً ثرياً تضايق يوماً عند رؤيته صيّاداً على الشاطئ وهو جالس بتكاسل ملحوظ بجوار القارب وهو يدخن غليونه.
فسأله: لماذا لم تخرج للصيد؟
أجاب: لأني اصطدت كمية كافية من السمك اليوم.
ـ  ولماذا لم تصطد أكثر مما تحتاج؟
ـ  وماذا أفعل بها؟
ـ يمكنك أن تكسب مالاً أكثر، وبمقدورك  شراء محرّك أقوى وتثبته في قاربك، فيساعدك ذلك على الدخول إلى عمق البحر وتصطاد كمية أكبر من السمك، لتبيعها وتشتري بثمنها شباك من النايلون فتساعدك تلك الشباك على اصطياد كميات كبيرة من السمك، فتجني بها أرباحاً كثيرة تساعدك على امتلاك قاربين وربّما أسطول من القوارب، وعندئذٍ تستطيع أن تصبح ثرياً مثلي.
ـ وماذا أستطيع أن افعل عندئذٍ؟
ـ تستطيع أن تجلس وتستمتع بالحياة.
فأجاب الصيّاد القنوع: وماذا تعتقد فيما أنا فاعله الآن؟؟؟
ولا يخفى على القارئ المتابع أوضاع تركيا في الوقت الراهن بأن الحوار بين الرجل الثري المتحمس والصياد الهادئ يحيلنا مباشرةً إلى موضوع المزايدة على ملف اللاجئين السوريين في تركيا، وحيث أن الذي يقوم فعلياً منذ أكثر من سنة بإرجاع السوريين وترحيل قوافل تلو قوافل إلى الشمال السوري القابل للانفجار في أية لحظة هو الحزب الحاكم، بينما المعارضة ما تزال في طور النية والتفكير بإرجاعهم إن وصلت للحكم، وحيال الترحيل الفعلي سبق أن أكدت هيومن رايتس ووتش  في تقريرٍ لها نشر في تشرين الأول 2022 أن “السلطات التركية اعتقلت مئات اللاجئين السوريين، حتى الأطفال غير المصحوبين بذويهم، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سورية”.
كما يرى مراقبون أن التطبيع مع نظام دمشق قبل دول الخليج العربي بدأ من تركيا في ظل الحزب الحاكم أي العدالة والتنمية، فعملياً وواقعياً وفعلياً السلطة الراهنة (العدالة والتنمية) هي التي من دون أي إعلان أو صخب إعلامي تعيد السوريين تدريجياً إلى بلادهم، وهي التي مهدت للدول الخليجية بأن تخطو نحو دمشق، وربما هي التي عبّدت الطريق أمام الدول الأخرى بأن تحذو حذوها في إعادة اللاجئين إلى سورية رغماً عنهم، كما يحصل الأمر في لبنان منذ فترة والتي بدأت فيها عمليات الترحيل التعسفي للاجئين السوريين بشكل مكثف، كما أن مَن جعل من اللاجئين السوريين وسيلة ضغط كانت الحكومة وذلك عندما حاولت الضغط على أوروبا من خلال تلك الروقة، بينما المعارضة أتت فيما بعد واستخدمت نفس ورقة الحكومة، ولكن هذه المرة ليس لتهديد أوروبا بها إنما لتضغط من خلالها على الحكومة التي عملت على اختلاقها في البداية؛ إذن فما الذي ستقدمه المعارضة التركية للمواطن التركي وحتى للنظام السوري غير ورقة اللاجئين التي يوعودن الجماهير داخلياً ونظام دمشق خارجياً بها، بما أنهم ما يزالون في إطار التمنيات والرغبات الشعاراتية، بينما الحزب الحاكم بدأ منذ الأمس ويقوم اليوم بالذي تتمنى المعارضة التركية القيام به إن فازت في الغد.
وبتصورنا أن المعارضة التركية بدلاً من منافسة الحكومة في عملية الترحيل والتطبيع الماضية على قدم وساق، لو ركزت على الأسباب الكامنة خلف التضخم المالي، وعلى الارتفاع الجنوني لأسعار المنتجات والعقارات، واهتمت بالملفات المالية لزعماء الفساد في البلد، أو سلطت الأضواء على احتكار وسائل الإعلام من قبل الحكومة وتصفية وسائل الإعلام المستقلة والتي لا تكاد تشكل نسبة تتجاوز الخمسة بالمئة من مجمل وسائل الإعلام في تركيا وفق الكاتب التركي محمد أوجاكتان، أو ركزت على موضوع تأخر أجهزة الدولة في الوصول إلى بعض المدن المدمرة بعد ثلاثة أو أربعة أيام من كارثة الزلزال في السادس من شهر شباط، وعدم استغلالها الجيش العرمرم في مجالات إنقاذ الأرواح العالقة تحت الأنقاض في المناطق التي ضربها ذلك الزلزال المدمر، أو اشتغلت المعارضة إعلامياً وبشكل مدروس على الشخصيات التي صنعت المجد الاقتصادي والسياسي لتركيا خلال العقدين الأخيرين والتي تركت صفوف الحزب الحاكم في الفترة الأخيرة، فلو قامت المعارضة باستغلال ذلك الأمر وروَّجت لتلك الشخصيات بشكلٍ فاعل ربما لكسبت أصوات حتى فئة لا بأس بها من أعضاء الحزب الحاكم نفسه، أما مزاحمة السلطة عبر الشعارات والتمنيات على ما تقوم به الحكومة فعلياً هو رهانٌ لا يمت للمنطق السياسي بصلة لجهةٍ لا تقدِّم للمواطنين أي مشروع حقيقي في الانتخابات تفيد به البلد وأبنائه في المرحلة القادمة، في الوقت الذي تحشد فيه كل طاقتها الدعائية في ملف اللاجئين من أجل ربح بعض الأصوات الصاخبة من العنصريين المرضى الذين يترنحون مع إيقاع أي نغمة تحريضية تدغدغ مشاعرهم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…