حَذَارِ من «الجاش» في كردستان العراق

عمر كوجـري *

  عندما كانت نار الثورة الكردية في ذرا جبال كردستان العراق أوَّراة منذ أواسط القرن الماضي بقيادة القائد الكردي الملا مصطفى البارزاني، والبيشمركة يضعون أرواحهم على أكفهم غير هيابين من الرّدى يدفعهم عشقهم لوطنهم كردستان، إلى مقارعة كل جبروتٍ مستبد..

كان يعيش مع تلك الحالة جمهور من كرد باعوا ضمائرهم في مزاد النظام العراقي آنذاك، وظلّوا على غيهم وضلاهم حتى سقوط النظام العفلقي في العراق، والذي تكلل بتماثيل الطاغية صدام التي تهاوت والعروش التي دُكَّتْ بعد طول قهر، وظلم طال كلَّ أطياف الشعب العراقي بمختلف مكوناته، وبطبيعة الحال كان للكرد في تلك المصائب الذبح الوفير.

 

  هؤلاء المرتزقة الذين وصفهم المرحوم البارزاني بـ «الجاش..

أي الجحوش» قاتلوا مع السلطة العراقية بالضّد من مصلحة شعبهم الكردي، وكان النظام العراقي يغدق عليهم الأموال الكثيرة، ويمنحهم العتاد اللازم لمقاتلة البيشمركة.
وحتى الهجمات التي كان تشنُّها قطعانُ الجيش العراقي كانت تتم بالتنسيق مع مسؤولي المرتزقة «الجحوش» من المستشارين الذين شكلوا وحداتٍ من جيش عشائري مؤازر للجيش  العراقي، وكانت لهم حظوة كبيرة عند صدام، حيث يهجم هؤلاء على البيشمركة قبل الجيش العراقي النظامي، كانوا يخونون شعبهم، يدفعهم إلى ذلك جشعٌ أعْمَى قلوبَهم.
الجاش أحرجوا الثورة الكردية، لأنهم تحرّكوا بحرية في كردستان، ونقلوا تحركات، وأخبار البيشمركة للسلطات العسكرية العراقية.
اليوم وبعد أن تحررت كردستان، وبسبب روح التسامح الكبيرة لدى القيادة الكردية فإن هؤلاء، وبدلاً أن تلقى رقابُهم أعوادَ المشانق، ويودعوا غياهب السجون، وصل بعضهم إلى مناصب هامة أرقى من ذي قبل في السلطة الكردية في كردستان العراق رغم تاريخهم الأسود.
هؤلاء الخونة والأفاقون ماتزال حفنة منهم في غيّها رغم المسامحة التي أبدتها وتبديها القيادة الكردية الواعية.

وبهذا الشكل أو ذاك، الكثير منهم مازال يتسلم مناصب كان يجدر أن تذهب للمناضلين لا إلى قاتلي الشباب الكردي، وشيوخه وأطفاله.
قبل شهور قليلة تناقلت وكالات الأنباء ومواقع الانترنيت نبأ تشكيل بقايا الجحوش لحزب سُمِّيَ «حزب الحرية والعدالة الكردستاني» برئاسة الشخصية المقرَّبة من صدام، المدعو: جوهر محي الدين الهركي الذي شغل مناصب كبيرة منها مستشار في ديوان رئاسة الجمهورية في العراق، يقول بيانهم: بعد دراسة جادة معمقة للتاريخ السياسي والاجتماعي لشعبنا الكردي وحركاته السياسية، ومن أجل تنمية روح المواطنة، والشعور الوطني بالانتماء إلى العراق الموحد… وفي إطار مواجهة احتكار الحياة السياسية والفكرية من جانب القوى والأحزاب التي ارتبطت بالمشاريع الاستعمارية في كردستان..
إذاً: يعود هؤلاء إلى كردستان بلبوس سياسي هذه المرة.

فبيانهم يغازل بعض النظام العربي والإقليمي الذي يعادي الاستحقاقات التي حصل عليها الشعب الكردي بعد انتفاضته المباركة عندما تبنى برلمانه المنتخب الفيدرالية كأساس للتعايش مع نظام المركز في العراق.
البيان يعارض الفيدرالية بوضوح، و يدعو إلى« الانسحاب التام وغير المشروط لقوات الاحتلال الأمريكي» في خطوة يفهم منها أنه يريد عودة أزلام نظام البعث إلى سدة السلطة لأن الحكومة الحالية لاتسيطر على الأوضاع الأمنية حالياً، وسيحدث خروج قوات متعددة الجنسيات بصورة مفاجئة في العراق إلى حدوث فجوة أمنية يخشى معها عودة البعثيين بالتضافر مع تنظيم القاعدة النشط هناك، فدحرُ القاعدة من المثلث السني في محافظة الأنبار لايعد انتصاراً باهراً، ومازال أمام الشعب العراقي الكثير ليفعله حتى يترسخ الأمن، ومازال الفساد ينخر صفوف قوات الجيش العراقي الذي انخرط الكثير فيه من أجل شهوة الدولار لا الوطن، مما دعا الحكومة العراقية إلى إنهاء خدمة الآلاف من المتطوعين، لاتهامهم بنهج أجندات طائفية واللعب على الحبلين من طرف بعض القيادات المتقدمة في الجيش التي تعاملت مع الذي يدفع أكثر«القاعدة والتنظيمات المسلحة الأخرى» وفي الوقت عينه مع الجيش العراقي.
الغريب في البيان أنه لايتطرق أبداً إلى الموضوع الذي يشغل بال الكرد وهو كركوك الكردية التي لايبغي البعض أن تتحول إلى مدينة للتسامح، والعيش المشترك.
ولعل من الطرافة أن يلقى حزب محي الدين الهركي ترحيباً، ومباركة من أحد أجنحة حزب البعث العراقي المحظور الذي يقوده عزت الدوري الذي تطالب به جهات كثيرة لتورطه وارتكاباته الفظيعة إبان الحكم السابق.
الجاش يعودون إلى الواجهات الأمامية في كردستان العراق، ومن الأبواب المشرعة لا من خلف لكواليس، وهذا يتطلب يقظة من حكومة إقليم كردستان ، وكل استهانة بهذه العودة سيكون ثمنها مكلفاً، وبعد فوات الأوان.

* المصدر: جريدة آزادي الصادرة عن مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحـزب آزادي الكـردي في سـوريا – العدد (391) تشرين الثاني 2007

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…