الإسلام و المسألة الكوردستانية ـ ج1

زاكروس عثمان 

تتفق مختلف الاوساط الكوردية ما يشبه بالإجماع التام على أن المسألة الكوردستانية مسألة سياسية ناجمة بالأساس عن احتلال وطنهم القومي وتقسيمه بين مجموعة دول، وحرمانهم من حقهم المشروع في تقرير المصير، وهذا تشخيص صحيح ودقيق يستحق التقدير، إذ قلما يتفق الكورد على موقف حتى لو ادركوا انه صائب، والمحزن انه في العقود الاخيرة بدأت شراذم من الكورد بمحاولات حثيثة للتشكيك في صحة التشخيص السليم سالف الذكر، بغية ضرب الاجماع الكوردي حوله، تنفيذا لأجندة الدول المحتلة لكوردستان التي تعمل على حقن الإسلام السياسي في ذهن الشخصية الكوردية لتزاحم الفكر القومي الكوردي، 
وكانت المجتمعات الكوردية رغم تدينها التصوفي بقيت إلى وقت متأخر محصنة ضد مختلف تيارات الاسلام الإيديولوجي التي انتشرت في المجتمعات المجاورة وما زالت تنتشر بكثافة، ولكن في العقود الاخيرة حدث خرق لهذه المناعة بتسرب الإسلام السياسي إلى كوردستان ـ باشور ولو بشكل محدود، إلا ان الوضع اختلف في العقد الاخير من القرن الـ 20 بظهور تنظيمات كوردية سلفية تكفيرية لتشكل خطر وجودي على قضية الكورد المركزية. 
ـ جرس الانذار:   
لا ادل على هذا الخطر هو إقدام رجال دين كورد مسلمين في الآونة الاخيرة على إصدار فتاوى تحريضية ـ جهادية استهدفت علانية اهلنا الكورد الايزيديين ليس بالإساءة اللفظية فحسب بل كذلك ايضا بالدعوة إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة بحقهم لا يرتكبها إلا تنظيم داعش الارهابي ومن لف لفه، ربما هذه اول مرة يحدث فيها ان تصدر على ارض كوردية محررة فتاوى صريحة و واضحة من هذا النوع، إلى درجة رفع هؤلاء التكفيرين اصواتهم على المكشوف دون خوف من محاسبة او مساءلة، ولست هنا بصدد الدفاع عن الايزيديين بل احذر من ان التكفيريين الكورد اذا حرضوا اليوم ضد الايزديين فانهم غدا سيحرضون ضد اتباع الاديان والطوائف الاخرى وما اكثرها في كوردستان، ما ينذر بأن بذرة السلفية الارهابية التي تسربت إلى المجتمع الكوردي قد نمت و بدأت تطرح ثمارها السامة، لتفتك بالنسيج المجتمعي الكوردي الهش بالأساس، ما يلزم اولياء الامر على التحرك سريعا لمكافحة هذه الآفة القاتلة التي لم يدخلوها إلى كوردستان إلا بهدف تحريف مسار حركة التحرر الكوردستاني.  
ـ ممنوع مناهضة السلفية الجهادية: 
هذا الكلام لم يعجب الذباب الالكتروني السلفي وحين حاولت فضح هذه الاصوات الدخيلة، وطرحت موضوع تهريب الاسلام السياسي إلى كوردستان، وطالبت الجهات المعنية بقطع الطريق امام دعاة الارهاب، تعرضت لحملة شعواء من كورد سلفيين من اهالي كوردستان ـ روزئافا، بين تهديدي بملاحقات قضائية دولية و اتهامي بالبعثنة، العمالة، او وصفي بالمريض نفسيا والجاهل، و تقويلي ما لم اقله، حتى وصل البلل إلى عائلتي، وحيث ان الاسلام السياسي في كوردستان، حسب قناعتي تهديد لا يقل خطورة عن التهديدات الاتية من الدول المحتلة للوطن الكوردي، لن اخفف المواجهة مع  جند الظلام هؤلاء مهما فعل يتامى داعش خاصة بعد إعلان السلفيين الكورد التكفيريين عن انفسهم وبيان مواقفهم من المكونات الدينية الاخرى في كوردستان، مع ذلك يأتي من يريد ان يتلاعب بالعاطفة الدينية للكورد المسلمين بإيهامهم بان الإسلام قضيتهم المحورية ومن واجبهم التمسك به والدفاع عنه ومنحه الاولوية على حساب قضيتهم القومية، اي العمل على تحريف الثوابت الراسخة والصحيحة لحركة التحرر الكوردستاني التي وضعها الاباء المؤسسون الذين ادركوا ان الغبن التاريخي الواقع على الشعب الكوردي انما يأتي بشكل اساسي من  المسلمين، لان الدول الاسلامية هي من تحتل الاراضي الكوردية وتصادر حق الكورد في تقرير المصير، وترتكب المذابح بحق هذه الامة، لهذا وجد القادة الكورد انهم لا يمتلكون رفاهية الدفاع عن الاسلام والمسلمين، كونهم منهمكين في الدفاع عن شعبهم واسترداد حقوقه المغتصبة.  
ـ من يعبث بخط حركة التحرر الوطني الكوردستاني الاصيل:  
رغم حالة التمزق والتشتت المزمنة التي تعيشها حركة التحرر الوطني الكوردستاني إلا انها تميزت منذ ولادتها قبل مئة عام واكثر بميزة فريدة جديرة بالاحترام الا وهي أن جل أباء الحركة وكبار قادتها جاؤوا من وسط ديني إسلامي، تبعا لذلك كان المفروض ان يتأثر هؤلاء القادة بخلفيتهم الدينية ليطبعوا الحركة بشكل او آخر بطابع اسلامي “إسلام سياسي مبكر” ولكن هذا لم يحدث على الاطلاق، إذ حرص الزعماء على منح حركة التحرر الكوردستاني هوية قومية ـ وطنية لم تحيد عنها على مدى سنين نضالها الطويل والمستمر إلى اليوم، إذ بقيت الاحزاب الكوردستانية إلى وقت قريب محصنة ضد وباء الاسلام السياسي، وربما انعكس ذلك على الشارع الكوردي الذي بقي بعيدا عن الحركات الاسلاموية، إذ ان هؤلاء الاباء العظماء ادركوا جيدا ان القضية الكوردستانية قضية سياسية قومية ـ وطنية كبرى، وليست مشكلة دينية، فقرروا في موقف متقدم سابق لعصره فصل القضية القومية عن الدين، بمعنى آخر منحوا الاولوية للقضية الكوردية، انطلاقا من قناعة واضحة وبسيطة وهي ان الكوردي يواجه الف خطر وخطر ليس بسبب هويته الدينية بل لأنه يحمل هوية قومية خاصة به، انطلاقا من هذه القناعة لم يحدث لزعيم كوردي من الرعيل الاول ممن يحمل صبغة إسلامية ان فجر ثورة لأسباب دينية، بل كانت ثورات الجميع تتمحور حول مطلب استقلال كوردستان، حيث لم يحارب الشيخ عبيد الله نهري 1880 لأجل الإسلام بل لأجل كوردستان، كذلك الشيخ محمود برزنجى 1918، و الشيخ سعيد بيران 1925، وسيد رضا 1936، كما ان ثورات البارزانيين المتواصلة 1914 ـ 1991 حملت طابع قومي ـ وطني واضح المعالم سواء الشيخ عبد السلام، او الشيخ احمد، او ملا مصطفى أو الرئيس مسعود، حيث اكتفى هؤلاء القادة من الإسلام بالعبادة فقط، فيما كرسوا كل جهودهم لتحقيق هدف الامة الكوردية في الحرية والاستقلال.
يتبع 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…