عبداللطيف محمدأمين موسى
تعتبر الجامعة العربية ومنذ سنوات تأسيسها من أهم المحافل التي تفتخر بها الدول العربية ولاسيما في أمور السيادة والعروبة والتضامن العربي وتوحيد جبهة النضال والمقاومة ,ولكن في الرجوع الى تقيم شامل لإداء هذا المحفل الذي يعتبر ذات قيمة رمزية أكثر مما هو عليه في ظل العجز عن تحقيق خطوات عملية ملموسة في أيجاد حلول أو تحقيق بعض من الحلحلة في الكثير من الأمور والمواضيع المصيرية التي تخص العرب ومشاكلهم , وتوحيد مواقفهم في المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية في ظل كثرة المشاكل التي تواجهها الأنظمة والدول العربية ,ولاسيما النزاع والفوضى وعدم الاستقرار وعمق الخلافات المعمقة فيما بينها.
الأمر الملفت بالنسبة للجامعة العربية هو تحقيق نوع من الأجماع المشروط في عودة عضوية سورية الى الجامعة العربية لتحقيق نوع من الانفتاح أو إعادة الثقة والاعتبار الى الدبلوماسية العربية في مواجهة التدخلات والمشاريع وأجندات الدول العظمى والإقليمية التي تتحكم وتصادر القرار السيادي للكثير من تلك الدول ,وعلى الرغم من التعهد والإصرار الشديد من بعض الدول العربية ولاسيما الاردن في طلبها من واشنطن إفساح بعض المجال للدبلوماسية العربية في أحراز بعض الانفتاح على دمشق في السعي لدفع دمشق الى أجراء بعض الخطوات في المساعدة على تحقيق بعض الحلول السياسية لحلحة ازمة هذا البلد من خلال التقرب من المعارضة, وتحقيق الديمقراطية ومساعدة دمشق في تأهيل نفسها للقيام ببعض الإصلاحات في مجال حقوق الأنسان .برأي المتواضع تكمن جوهر المشكلة في صعوبة القدرة لدى الكثير من الدول العربية في القراءة الصحيحة للفكر السياسي لنظام الحكم في دمشق في عدم القبول مبدأ التشاركية في القرار, الأمر الذي سيكون بمثابة العامل الاساسي والجوهري في أنجاح الانفتاح المشروط نحو دمشق من عدمه في الحصول على بعض المكاسب . لوعدنا الى جوهر ما أود طرحه فيما يتعلق بمبادرة الدول العربية في الانفتاح نحو دمشق والدفع الى أعادة عضويتها في الجامعة العربية سنرى بأن هذا الانفتاح ينطلق من منطلق الإيجابية في الشكل في ظل الكثير من السلبية في المضمون ,وعلى الرغم من أن هذا الانفتاح ملفوف بشعارات براقة في مساعدة الشعب السوري واعادة تأهيل دمشق سياسياً ,ولكن من الصعوبة لأي متتبع للأحداث إخفاء النوايا الحقيقة للبعض من هذه الدول في تحقيق مصالحها وتسوياتها ومقايضاتها مع الدول الإقليمية والعالمية في المنطقة على حساب مصالح الشعب السوري .في التعمق بصلب وجوهر هذه المبادرة وهذا الانفتاح المشروط للدول العربية في أعادة سورية الى الجامعة سنرى بأن هدف هذه المبادرة هو تحقيق الكثير من الأهداف ,ومن أهمها تخفيف أثار وارتدادات الأزمة السورية على الكثير من الدول العربية المجاورة لسورية ولاسيما أمور اللاجئين السوريين ,وتبعات هذا الموضوع فيما يخص المسائل الاقتصادية وأعبائها المالية على استقرار تلك الدول وبالأخص الاردن صاحبة هذه المبادرة ولبنان ,وكما تسعى هذه المبادرة الى تحقيق نوع من التفاهمات الأمنية المشتركة في مواجهة مسائل تجارة المخدرات التي يتهم فيها الكثير من الدول العربية دمشق في أنها تستخدم هذا الموضوع في تحقيق مصالح ونتائج سياسية لها في تهديد المنطقة ولاسيما السعودية والخليج التي وصفت هذا الموضوع بالخطير وفي مساس مباشر مع أمنها القومي ,وكما تسعى الدول العربية في مواجهة مشاريع الهيمنة الإقليمية والدولية في سورية في الاعتراف الرسمي لبعض الدول العربية في مقاطعة دمشق خطاء استراتيجي في جعل دمشق لقمة سهلة للنفوذ الإيراني وشعارتها المذهبية على أمل أيجاد موطئ قدم لبعض الدول العربية في دمشق من أجل تحقيق نوع من التأثير في قرار دمشق ,وخلق نوع من التوازن في الهيمنة الإقليمية والعالمية .في المقابل ستحاول البعض من هذه الدول وبمساعدة إيرانية ولاسيما من خلال المصالحة السعودية والإيرانية في جعل أيران وبحكم نفوذها في سورية بالضغط على دمشق لدفعها في تحقيق بعض الإصلاحات والقبول ببعض الشروط .بالتأكيد سيكون عودة سورية الى حضن الجامعة العربية عودة مشروطة ,ولابد أن تقوم دمشق بإيفاء التزاماتها في هذا الشأن ,ومن أهم التزامات دمشق مقابل هذا الزخم من الدبلوماسية العربية نحوها والمساعدة في تخفيف الضغوط الدولية عليها مقابل تحقيقها بعض الأمور أهمها تأهيل حكومة دمشق نفسها في مواكبة الإصلاحات الديمقراطية التي تعيشها أغلب دول المنطقة في مسائل حقوق الأنسان والعدالة الديمقراطية وتحقيق تسوية سياسية والقبول في الجلوس مع المعارضة والاعتراف بها والقبول بالحلول السياسية للازمة السورية وفق المقررات الأممية ,وكذلك القبول بالعدوة الطوعية لللاجئين السوريين الى سورية من دول الجواء من دون محاكمات وتدخل الأجهزة الأمنية في تسوية أمورهم لدى العودة ,وكذلك تحقيق انسحاب كافة القوات والمليشيات الأجنبية من سورية في تحقيق مبدأ خطوة مقابل خطوة .ثمة البعض من الصعوبات أمام قبول دمشق في الإيفاء بالتزاماتها تجاه الدول العربية ولاسيما موقف روسيا الضبابي بشان هذا الموضوع ونفوذها الكبير في التحكم بالقرار السيادي لدمشق مقابل دعم دمشق طيلة أزمتها ,وكما أن موقف دمشق الرسمي يعتبر من أهم المعوقات والصعوبات التي توحي باستحالة إيفائها بالتزاماتها تلك لاسيما موقفها الرسمي في تسوق عودة الى الجامعة العربية في أنه انتصار واختفاق للمشاريع الاستعمارية وأفشال المؤامرات الكونية وأمور ومن هذا النوع. في المحصلة, عودة دمشق المشروطة الى الجامعة العربية وهذا الاندفاع والانفتاح في تأهيل دمشق ستكون بمثابة الاختبار الحقيقي للجامعة العربية وللدبلوماسية العربية في جعل دمشق تفي بالتزاماتها مقابل عودتها الى الجامعة ,ولاسيما في ظل موقف دمشق العلني والرسمي في تسويق هذه العودة و الانفتاح العربي بمثابة انتصار حقيقي على المؤامرة الكونية, وكما أن السؤال الذي يراود مخيلة أي متابع للأحداث والشؤون السورية والدولية الاستفسار عنه هل باستطاعة الدبلوماسية العربية تغير الفكر السياسي لنظام الحكم في دمشق المبني على اساس المركزية في القرار وعدم قبول التشاركية والتدخل في هذا القرار.