براءة السلطات من ممارسات مواطنيها

ماجد ع  محمد 

لا يبدو مجازفاً التصور بأن التعاطي الجيد في منطقة جغرافية ما مِن قِبل مواطني البلد مع مواطني بلدٍ آخر ممن حلواً ضيوفاً عليها هو على الأغلب انعكاس مباشر لتوجهات السياسيين فيها وقوانين البلد، هذا إن كان القانون هو الذي يحكم في ذلك البلد وله السيادة الحقيقية كما هو الحال في الدول الأوروبية، كما أن اعتداءات مواطني دولة ما على مواطني دولة أخرى أو على مَن قصدوها كلاجئين هي أيضاً لها علاقة مباشرة بمزاج الطبقة السياسية والسلطة، وغالباً ما تكون تصرفات مواطنيها وممارساتهم بحق الغرباء هو إما انعكاس لسياسة الحكومة أو توجهات بعض أبرز تياراتها. 
ففي سورية على سبيل المثال وخاصةً قبيل عام 2011  كان احتكاك المواطن السوري بالأجانب ممنوعاً، لذا فإن هذا الأمر رسّخ لدى المواطن الفاسد أو صاحب السوابق حاجز كبير وقاعدة ردع ذاتية فَهِم من خلالها بأن ممنوع عليه الاقتراب من هذه الفئة البشرية، وصحيح أن هدف الحكومة الأساس والجوهري وقتذاك لم يكن حماية الأجانب من اعتداءات الخارجين عن القانون وبلطجية البلد، إنما كانت الغاية الأبرز وضع ساتر عريض بين مواطني البلد والأجانب منعاً للتواصل معهم، ولئلا يتجرأ أحد المواطنين ويشرح للغرباء وضع البلد، أو يعطي تصور ما عن السلطة وعن أجهزتها القمعية وعن حال حقوق الإنسان بوجه عام، ولكن بالرغم من ذلك فإن الحاجز الذي وضعته السلطة شكّل رادعاً حقيقياً وكان بحق لصالح الأجانب بوجه عام، إذ بالرغم من حدوث عشرات الجرائم في البلد آنذاك بقي الأجانب ضمن الضحايا الأقل من بين كل حالات الاعتداء على طول البلد وعرضه.
ومثال آخر فالمتابع لما يجري بإقليم كردستان العراق وماذا فعلت إيران بالإقليم بعيد الاستفتاء، وماذا صنع الحشد الشعبي المدعوم من إيران بكركوك وجميع المناطق المتنازع عليها، وبعدها اعتداءات إيران المتكررة على مدن الإقليم، ولكن مع كل ذلك لم يصدر أي تعميم سري أو علني من قبل حكومة الإقليم أو أي حزب سياسي فيها ليس فقط في إطار إستهداف مصالح إيران كدولة إنما كذلك الأمر ما يخص أي مواطن إيراني في الإقليم، ولا قامت  وسائل الإعلام  بدور تحريضي أو ألّبت الرأي العام ضد الإيرانيين في الإقليم، والدليل العملي هو ما كشفه الميدان من خلال تعاطي الناس مع زوار إيران القادمين للمناطق المقدسة عقب استهداف إيران للإقليم، وكيف أنهم بدلاً من الانتقام منهم أو مضايقة أحدهم صدرت تعليمات حكومية بضرورة الاحتفاء بالزوار وتسيير أمورهم، وهو ما يعني أن حكومة الإقليم بالرغم من عمرها الزمني القصير فقد التزمت سلطاتها بالقوانين فانعكس ذلك على سلوك مواطنيها أيضاً، وكانت حضارية في تعاملها مع مواطني دول الجوار أكثر من دول المنطقة العريقة التي يزيد عمر كل دولة فيها عن مئات السنين، وحيث أن تعاطي الشارع وتوجهات الحكومة وقوانين الإقليم كانت منسجمة على الدوام في التعامل اليومي مع مواطني الدول الأخرى، وقد تبين بأن الأمر مدروس وعبارة عن نهج تسير عليه الحكومة، ونقرأ ذلك التوجه من خلال كلمة الرئيس مسعود بارزاني أثناء مشاركته في المؤتمر العلمي الدولي للإبادة الجماعية ضد شعب كردستان والتعريف بالإبادة الجماعية للكورد الفيليين الذي بدأ في 2 بالشهر وانتهى في 4 من الشهر الجاري في قاعة “سعد عبد الله” في أربيل، وحيث قال البارزاني فيها: “شعبُنا لم ولن ينتقم، لكنه لن ينسى الجرائم التي تعرض لها”.
وعلى كل حال فما يجري في تركيا من ضغوط  يومية على اللاجئين السوريين ليس بعيد عن التصور الذي بدأنا فيه المقالة، والدليل على ذلك هو التعامل الراقي والإنساني مع السوريين القادمين إلى تركيا على طول الحدود السورية التركية في السنوات الأولى من التغريبة السورية، بينما اليوم وعلى نفس الشريط الحدودي يتعرض السوريون للضرب والإهانة وإطلاق الرصاص الحي من قبل الجندرية، والمفارقة حسب النشطاء أن تعامل حرس الحدود حالياً مع السوريين من أغلظ وأردأ ما يكون مع السوريين الداخلين إلى تركيا، بينما في الوقت نفسه هناك تعامل راقي جداً من قبل الحرس الحدودي التركي على حدود اليونان مع السوريين الفارين باتجاه أوروبا، فهل يا ترى أتت هذه الازدواجية من فراغ أم أنها تأتي بناءً على توجه وتوصيات جهة ما في هذا البلد، وأن نفس الجهة التي لا تريد قدوم السوريين حالياً من سوريا إلى تركيا توصي الجندرمة هناك باستخدام العنف وحتى استخدام السلاح إذا لزم الأمر، بينما الجهة ذاتها تريد أن تظهر نفسها كجهة حضارية وتتعامل برقي مع اللاجئين الفارين منها باتجاه اليونان وبلغاريا، لذا الجندرمة في تلك الضارب ليس فقط تعاملها جيد مع من يحاول الفرار من تركيا، إنما حسب الذين فشلوا في الوصول إلى بلغاريا أو اليونان فحرس الحدود تعطي حتى الطعام والأحذية والملابس لمن جردهم الكومندوس اليوناني من ملابسهم، وما سبق يشير إلى أن سلطات البلدان المذكورة ليست بريئة من ممارسات مواطنيها  في الشارع مع الأجانب اسوةً بباقي مؤسسات الدولة.
وتؤكد المنظمات الحقوقية بأن ما يجري بحق السوريين في كل من لبنان وتركيا سببه الرئيس هو عدم توفير الحماية القانونية للاجئين الأمر الذي يُسهل جرائم الكراهية والاعتداءات بحقهم والتمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، لافتين إلى أنه لو كان هناك قانون واضح يمنع التعرض للسوري أو غير السوري من الأجانب لما كان الأجنبي عرضة للمخاطر والمضايقة، لأن المواطن سيعرف حينها بأنه سيتعرض للمساءلة، ولكن بما أن مواطني البلدين محميين من العقوبة أو المساءلة لذا فحال المواطن في هذين البلدين مع الأجانب أشبه بحال مواطني بعض دول الخليج مع الأجانب، إذ أن المواطن حسب المتعارف عليه في تلك الدول مفضّل على الأجنبي وأي صراع أو إشكال بين مواطن أو أجنبي فالأفضلية فيها هي للمواطن حتى وإن كان الأجنبي بريء وابن البلد فاسد أو معتدي أو قاتل.
ويبقى أغرب ما في أمر حكومات المنطقة هو ادعاء مؤسساتها الالتزام بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، علماً أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعهدت بالعمل وبالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الاحترام والمراعاة العالمين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وحيث أن المادة 3 من ذلك الإعلان يعطي اللاجئ (الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه) والمادة 5 من الإعلان ذاته يتضمن (الحماية ضد التعذيب وسوء المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة)، بينما على أرض الواقع فليس هناك أي التزام حقيقي بفحوى البندين المذكورين في ذلك الإعلان الأممي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…