ريزان شيخموس
يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا تخاذل المجتمع الدولي في دعم الثورة السورية من جهة وتفكك المعارضة من جهة أخرى، حيث تتصرف معظم الدول العربية والأجنبية على أساس مصالحها وأجنداتها السياسية والعسكرية، مما أدى إلى تنافسات داخلية، وجعل المعارضة السورية أقل فعالية، ومرتهنة إلى أجندات بعض الدول الإقليمية كتركيا والسعودية على سبيل المثال لا الحصر، ويبدو أن العالم بدأ يتناسى ما يحدث في سوريا نتيجة العدوان الروسي على أوكرانيا، وما يجري فيها من حرب مدمرة بالوكالة بين اقطاب الصراع العالمية، وخاصة ان ارتدادات هذه الحرب، كانت في البداية أكثر سطوعاً وصخباً إعلامياً على الأقل، لكن في الواقع أن ظلال الحرب الروسية الأوكرانية أكثر قتامة على العالم أجمع، ومن كافة النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، وللشرق الأوسط خصوصية مهمة في هذا الإطار ومنها سوريا. حيث الكل يحاول أن يستخدم أوراقه في مناطق الشرق في حساباته وصراعاته، وتدخُّل العديد من الدول الكبرى في المعادلة العامة، ومن أهم هذه الدول التي تحاول ان يكون لها دور أساسي في المراحل المقبلة هي الصين.
لقد دفعت الكارثة التي حصلت في شباط دولاً عربية عدة إلى إعادة فتح قنوات الاتصالات مع النظام السوري، بهدف تقديم مساعدات إنسانية، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل عزلته، ولذلك قد تتسم المرحلة المقبلة بالعديد من التسويات والتطبيع وإدارة الأزمات، وبالتالي فإن مسار التطبيع مع النظام السوري يأتي بسبب غياب الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، ونتيجة لذلك هناك دول كانت معارضة لسيطرة النظام السوري ومؤيدة للموقف الامريكي تقوم اليوم بتعديل مواقفها تجاهه، وتحاول ان تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي دون الخوض بإيجاد حل جذري للأزمات القائمة في المنطقة، رغم ان هذا المسار لا يعالج جذور مشكلة الصراع في سوريا، ولن يقود إلى الاستقرار والأمن وإنهاء معاناة السوريين، وتحقيق تطلعاتهم في نظام ديمقراطي تعددي، وهو ما دفع إلى دخول الصين على خطوط التسويات والتي يمكن تسميتها في هذه الظروف بالتسويات المرحلية أو المؤقتة، نتيجة غياب الدور الأمريكي أو الأوروبي.لهذا فإن الانفتاح الحاصل بين تركيا من جهة والعديد من الدول منها مصر والسعودية وإسرائيل والنظام السوري، أي السعي التركي إلى سياسة تصفير المشاكل أو الخلافات مع العديد من الدول، كما أن التطبيع الجاري بين السعودية وإيران بوساطة صينية، والانفتاح الخليجي والمصري والتركي على النظام السوري يأتي في إطار هذه التسويات التي تقودها على الأغلب روسيا والصين انطلاقاً من الضغوطات التي تمارسها روسيا على أمريكا والدول الأوروبية .
ان هذه التسويات أو ما يسمى بالتطبيع الجاري في المنطقة ينبع من الأزمات الداخلية التي تعانيها كل من هذه الدول، وماهي إلا فرصة لتصديرها نحو الخارج. ان الوضع السوري أو التطبيع مع نظامه هو محور هذه التسويات ولابد من الخوض في تفاصيل هذه التسويات حتى نتمكن من استيعاب كل ما يجري في المنطقة. في البداية لابد ان نوضح عدة نقاط مهمة تخص الثورة السورية أو الوضع السوري أو بالأحرى الزلزال السوري الذي غير الكثير من الأوضاع في الشرق الأوسط ومن أهم هذه النقاط:- مرور أكثر من ١٢ عاماً على الثورة السورية دون أن تحقق أهدافها والنتائج الكارثية التي ترافقت معها والذي يشبه “الفشل ” .- المعارضة السورية بكل الوانها وتسمياتها لم تكن بمستوى ثورة الشعب السوري وتضحياته العظيمة من أجل حريته وكرامته. كما أن عسكرتها للثورة واسلمتها وقراءتها السطحية للوضع السوري والظروف الموضوعية لسوريا من حيث الجغرافيا والتعدد القومي والإثني.- تشتُّت المعارضة بشكل كبير وتبعية معظمها للجهات الداعمة لها وعدم قدرتها على استقطاب مكونات الشعب السوري من خلال برنامج وطني جامع بديلاً للنظام القائم.- معظم الأنظمة العربية والاسلامية في المنطقة لم تكن لها مصلحة في إنجاح الثورة السورية بل بالعكس تتقاطع مصالح هذه الانظمة مع النظام السوري في رفضها رغم الاختلافات الايديولوجية والسياسية بينها.- ان كل الدول العربية التي تسعى إلى التطبيع مع النظام السوري تتحجج بإخراج إيران من سوريا وإعادة النظام السوري إلى الحظيرة العربية، ولكنها تعرف تماماً بان هذا النظام أصبح تابعاً كليا لإيران، ولا يمكن الفصل بينهما.- الدول ليست جمعيات خيرية بل لها مصالح واجندات تدير سياساتها من خلال مصالحها.ان هذه النقاط تؤكد أن كل المبادرات القائمة على الانفتاح أو التطبيع في المنطقة أن مع النظام السوري ليس بأمر غريب أو بالأحرى شيء طبيعي ونابع من مصالح هذه الأنظمة ودول المنطقة».أما بخصوص اللقاءات التي حصلت بين السعودية وايران وبوساطة صينية، يضيف شيخموس: «ماهي إلا حصيلة أزمات كبيرة تجتاح الطرفين وخاصة في الشأن اليمني والذي سيكون التطبيع “ان حصل” بداية الحل في هذا الموضوع، الذي عجزت السعودية رغم كل هذه السنوات من إيجاد أي اختراق لحله، ولكن بالمقابل سيكون انفتاح على العزلة الإيرانية في المنطقة وأيضا بداية التطبيع السعودي مع النظام السوري.بالنسبة لحكومة اردوغان في تركيا وانفتاحها على العديد من الدول تنبع من مصلحتها في تصفير مشاكلها مع دول المنطقة، وذلك بهدف العودة إلى الداخل التركي مواجهة المعارضة التركية في عملية الانتخابات المقررة إجراؤها في شهر أيار وخاصة ان هذه الانتخابات ستكون مصيرية بالنسبة لها، ولذلك ستعمل في ايجاد حلول جدية للمواضيع التي قد تساهم في انجاحها في الإنتخابات وخاصة مسألة التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي موضوع اللاجئين السوريين.إن روسيا لها مصلحة كبيرة في تحقيق التطبيع بين النظام السوري وتركيا، ولهذا تمارس ضغوطاً كبيرة على كل الأطراف في هذا المجال، وان اللقاءات المتكررة في موسكو بين روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري ستصطدم بعقبة الشروط السورية، وأهمها انسحاب تركيا من الأراضي السورية، وتسعى روسيا من خلالها تحقيق أهدافها من عملية التطبيع منها تأهيل النظام السوري، وإعادة سيطرته على كل التراب السوري، والحفاظ على حليفه التركي في الانتخابات، وممارسة كل أشكال الضغوط على امريكا واوروبا تحدياً منها في مواجهتها في حربها مع اوكرانيا.لكن حتى هذه اللحظة لم يحسم هذا الامر، ومن الصعب تحقيقه وذلك لأسباب عديدة منها:⁃ الرفض الأمريكي والأوروبي لكل أشكال التطبيع مع النظام السوري من اي جهة كانت، وهذا ما تم إعلانه في مناسبات عديدة من خلال اللاءات الثلاثة مع النظام السوري.⁃ لا يمكن لأمريكا القبول بتأهيل النظام السوري، وإعادة سيطرته على كامل التراب السوري دون ان يكون هناك حل سياسي جذري للوضع السوري بناءً لقرارات مجلس الامن ٢٢٥٤. كما انه لا يمكنها القبول بسياسات الأمر الواقع التي تمارسه روسيا، وبالتالي لا تقبل بالتخلي عن مناطق نفوذها.⁃ النظام السوري نفسه يرفض التطبيع مع حكومة اردوغان والذي يعتبره محتلاً لبلاده، وذلك لمراهنته على نجاح المعارضة التركية في الانتخابات، ولذلك يلعب النظام على الوقت رغم كل الضغوطات الروسية التي تمارس عليه.⁃ الشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات وبعد كل هذه السنوات ان يقبل بعودة النظام السوري المسؤول عن كل الكوارث التي حلت بالشعب السوري، وكأن شيئاً لم يحصل».في النهاية، لابد من القول إن أمريكا واضحة في مواقفها السياسية من النظام السوري ومن الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري وبحق المجتمع الدولي، ورضوخه الكامل لروسيا وإيران ومصالحها التي تتعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة، وان سوريا ستبقى مقسمة إلى مناطق نفوذ في هذه المرحلة. رغم عدم وجود أي شمعة تضيء في نهاية هذا النفق المظلم ولكن هذا الوضع لن يبقى إلى الأبد، لابد من إيجاد حل سياسي جذري للأزمة السورية يرضي الشعب السوري بكل مكوناته.إن المعارضة السورية مدعوة إلى إجراء مراجعة شاملة لكل سياساتها وتحالفاتها وممارساتها على الارض، واستعادة ثقة الشعب السوري بها، والتي تعتبر المسؤولة المباشرة عن الخذلان التي لحق بها، والانفتاح على بعضها شريطة ان تكون مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبار، واسقاط كل الشخصيات والأطر التي راهنت على الأنظمة والدول وفقدت قرارها المستقل. المنشور في جريدة كردستان العدد ٧.٢