المركز البحثي الجامعي بين «رئيسين»

 إبراهيم محمود

اليوم: الثلاثاء ” 18-4/ 2023 ” كان هناك بروتوكول استلام وتسليم، ظهراً، لرئاسة مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية ” جامعة دهوك ” بحضور رئيس الجامعة الدكتور داوود أتروشي، بين كل من البروفيسور الدكتور نشوان شكري عبدالله الرئيس السابق للمركز، والرئيس الجديد له الدكتور صلاح هروري، وسط تبادل كلمات ارتجالية مقتضبة تمحورت حول العمل البحثي وزمالة العمل البحثي، مع التقاط صور تذكارية بهذه المناسبة.
ما الذي أريد قوله هنا، وأنا من الذين باشروا العمل في هذا المركز منذ عقد من الزمان، حيث كان يديره حينها الباحث في التاريخ  البروفيسور الدكتور عبدالفتاح بوتاني، وكان المركز باسم ” مركز الأبحاث العلمية والدراسات الكردية ” والذي دشّن سنة  2006 ؟ ذلك لا يقتصر على الجانب الإعلامي- الإعلاني، إنما على ما هو بحثي ومتطلباته .
أشير بداية، إلى الذي انطلق منه زميلنا الباحث ورئيس المركز السابق الدكتور نشوان، في الاجتماع الذي ضمَّناً  صباحاً قبل عملية ” الاستلام- التسليم ” تحدث فيه عن علاقته بالمركز، وما كان يريده أن يتحقق بحثياً، وأنه في الوقت الذي سعى جاهداً إلى أن يكون عمله عمل معنيّ بالبحث العلمي، ابتعد عما أراده لنفسه، وهو أن إدارته للمركز أبعدته عن عمله باعتباره باحثاً ” واختصاصه في الجغرافية “، ولأنه يريد متابعة أبحاثه، أصر على طلب الاستقالة، ليجمع بين صفته كأستاذ جامعي، وصفته الأخرى كباحث بالمقابل، منوّهاً إلى أن السنوات التي أمضيناها معاً كانت مثمرة، وربما تخللتها أخطاء، ولكنها لم تكن مقصودة، فالأخطاء من طبيعة أي عمل كان، ثم كان هناك تبادل كلمات وجدانية مؤثرة عن هذه المدة .
هذا الموقف هو الذي يهمني، ومن خلال متابعتي لعملية البحث، وطبيعة العمل في المركز. أن الذي اجتهد فيها الدكتور نشوان، تمثيّل في كيفية إقامة أنشطة مختلفة: ندوات، محاضرات، مؤتمرات مختلفة، طباعة كتب ذات علاقة بتوجهات المركز…إلخ”، ولم يدخر جهداً في توثيق علاقات للمركز مع مراكز أخرى، وأظهر تواضعاً، ومرونة وأهلية لافتة في إدارة المركز، والدفع به إلى الأمام، لفت الأنظار إليه تالياً .
أشدّد على هذه النوعية من العلاقات، وأقولها بتركيز شديد: أن العمل الإداري ليس سهلاً، وكان الدكتور نشوان قادراً على تذليل صعوبات كثيرة بأسلوبه هنا وهناك.
بالتوازي مع هذه الشخصية الإدارية الناجحة، ومن خلال الجهود الملموسة، أكّد على صفة الباحث المقتدر في نفسه، وتوقه الشديد إلى أن يستثمر وقته في أعمال بحثية، لم يستطع القيام بها، جرّاء عمله الإداري سابقاً، وأن المدة الزمنية التي أمضاها في المركز، كافية، ليترك المجال لغيره، فهو مقتنع ببقاء أي كان في عمل كهذا لسنوات طوال، لأسباب لها صلة بما هو اجتماعي، ثقافي، معرفي، وإداري في الصميم. وقد قبِل طلب استقالته بعد محاولات عديدة. وهذا تأكيد آخر على أنه كان فالحاً في عمله الإداري .
إنها حالة ندرة حين يلح إداري وفي موقع له اسمه وقيمته المعتبَران، على الاستقالة، والالتفات إلى ما يفيده بحثياً، وما في ذلك من تذكير بتلك الكثرة الكاثرة من الذين يحاولون المستحيل لاستلام منصب كهذا، ويستميتون في الدفاع عنه للبقاء فيه، لأن فيه ” نجومية ” معينة، وحضوراً اجتماعياً هنا وهناك …
كلمة أشدد عليها هنا، وقد قلتها، وأنا أذكّر بما أفلح فيها زميلنا وصديقنا الدكتور نشوان، بأن الذي اتخذه هو أجرأ قرار في هذا الجانب ليتفرغ لطموحه العلمي في البحث الذي يعنيه، وتلك علامة صدق مع الذات، من الصعب تلمسها في آخرين، وفي مجتمعنا.
كلمة، أردت تسجيلها تقديراً لجهود الدكتور نشوان، وتوصيفاً لخاصية الشخصية العلمية الناجحة، وإضاءة لهذا الجانب.
والذي أتمناه، هكذا، وباسمي أتحدث، هو أن يكون تعيين زميلنا الجديد الدكتور صلاح هروري، وهو باحث معروف التاريخ، رئيساً لمركز بيشكجي للدراسات الإنسانية، مبشّراً بعطاء مختلف، وفي مسار مختلف، وإثراء علمي مختلف، وتكون له بصمة معتبَرة ثقافية، كما هي بصمة الدكتور نشوان شكري عبدالله. وما أتمناه، كما أعتقد، أمل جميع العاملين في المركز.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…