قمع النساء بين الأمس واليوم.. تاريخ الجدليّة حول الحجاب في إيران منذ عهد الخميني وإلى الوقت الحاضر

نظام مير محمدي* 

كان الحجاب وملابس النساء من القضايا التي أثيرت في المجتمع الإيراني منذ بداية استيلاء الخميني على السلطة وسرقة ثورة الشعب الإيراني المناهضة للشاه قال السيد منتظري، الذي تم تعيينه رسمياً وتقديمه خلفاً للخميني، في 16 كانون الثاني/ يناير 1979: ” إن الحجاب الإسلامي لا يعني التستر بالحجاب والعزلة الاجتماعية، والغرض منه أن المرأة ليست عارية في المجتمع لتتعرض للإساءة والاستغلال. بالحجاب الإسلامي، من وجهة نظر الإسلام، يتم توفير الحريات المطلوبة للنساء والفتيات، ويتمتعن بجميع المزايا والحقوق الاجتماعية المشروعة ” لكن مؤيدي الخميني اعتقدوا أن الحجاب يجب أن يكون إلزامياً، إما بالتحذير اللفظي أو بالإكراه على هذا النحو تبلور شعار “إما غطاء الرأس أو رأسك” في المجتمع الإيراني بعد أسبوعين من انتصار الثورة، تحدث الخميني عن ضرورة فرض الحجاب، 
بعد ذلك، في 8 آذار/ مارس من العام نفسه، خرجت مظاهرة حاشدة ضد الحجاب الإجباري كانت هذه المظاهرة أوضح ردة فعل من قبل المجتمع الإيراني المحرّر حديثاً من قيود استبداد الشاه ضد قرار الخميني تظاهر أكثر من 15 ألف شخصاً في جامعة طهران ضد لوائح الحجاب الإلزامية وهتفت المحتجات :” نحن ضد الاستبداد ولا نريد الحجاب الإجباري ” في ذلك الوقت، حاولت الحكومة المؤقتة برئاسة المهندس مهدي بازركان بطريقةٍ ما حل قضية (الحجاب الإلزامي) أعلن عباس أمير انتظام، المتحدث باسم الحكومة المؤقتة في ذلك الوقت، أن رئيس الوزراء بازركان وعائلته مهتمون بارتداء الحجاب و “يعتبرون أنفسهم ملزمين بمراعاة ذلك، لكنهم في الوقت نفسه يقرون بآية لا إكراه في الدين” يقول الراحل آية الله طالقاني، الذي كان يحظى باحترام غالبية الشعب الإيراني، حول الحجاب: ” في هذه الحالة لا أحد يجبر النساء على النقاب أو عدمه وعلى ارتداء الحجاب أو عدمه” وحظر الملا حسن روحاني، ممثل الخميني في القوات المسلحة في بداية الثورة المناهضة للشاه، في الأيام الأولى بعد الثورة المناهضة للملوك، دخول النساء دون الحجاب إلى مقرات القوات المسلحة وفي هذا الصدد كتب في مذكراته: ” بدأت الموظفات غير المحجبات بالشكوى وإحداث الضجيج، لكنني وقفت بحزم وقلت: ابتداء من صباح الغد، يلتزم الحارس الموجود أمام باب المدخل بمنع النساء غير المحجبات من دخول هيئة الأركان المشتركة للجيش” وتكتب السيدة سيمين دانشور، إحدى أشهر المفكرات والكاتبات في إيران في ذلك الوقت، عن قضية الحجاب، قائلةً: “عندما نتمكن من إعادة بناء هذا المنزل المدمر، وتنظيم اقتصاده، ونقل زراعته إلى النقطة المرجوة، وإنشاء حكومة عدل وحرية، وعندما يكون لكل أهل هذه البلاد سقف آمن فوق رؤوسهم ويستفيدون من التعليم والصحة العامة، حينها يمكننا أن نذهب لمناقشة القضايا الثانوية والفقهية، ويمكننا التطرق لوضع المرأة بسهولة “.
مثال على القمع في مدارس البنات 
وفقًا لغرفة تلغرام (هم انديشان) (أشخاص متشابهين في التفكير) والعديد من غرف التلغرام الأخرى في 5 نيسان/ أبريل 2023، فإن الدكتور محمد أمير ساماواتيان (عالم نفساني) كتب تحت عنوان (التحقيق في لون الشعر تحت الحجاب. فتاتي الصغيرة في المدرسة الثانوية تعاني من الضغوط! ، يكتب:
“ابنتي البالغة من العمر 17 عاماً، طالبة متفوقة في اختصاص الرياضيات، في مدرسة عامة نموذجية في طهران. قبل العيد بشهر، بإذن مني ومن والدتها، صبغت شعرها بالبني الفاتح، والآن بعد قرابة شهرين أصبح شعرها أسود أكثر، لكن لسوء الحظ، لا يزال هناك القليل من اللون البني الغامق على شعرها! في 3 نيسان/ أبريل 2023، أجرت ابنتي المحادثة التالية معي: 
الفتاة: أبي! ماذا علي أن أفعل غداً؟
 الأب: ماذا ستفعلين؟! 
الفتاة: مدير المدرسة سيفحص شعرنا!
الأب: هل تركتِ شعركِ يخرج في المدرسة؟
الفتاة: لا! هل يجب أن أخلع حجابي حتى يتمكنوا من معرفة ما إذا كنت قد صبغت شعري أم لا ؟! صبغت إحدى الطالبات شعرها. وقال لها المدير: “ليست لديكِ درجة انضباط، لذا احرصي على عدم مواجهة أية مشاكل في التسجيل في العام المقبل”! 
يقول والد هذه الفتاة في المدرسة الثانوية: “إن ابنتي تعاني من (ضغوط شديدة) منذ الأمس وتخشى أن يكتشفوا لون شعرها الذي كان بنياً قبل شهرين، والذي أصبح الآن أكثر سواداً، ودرجة انضباطها ستنخفض ولن يتم تسجيلها في العام المقبل و …”. 
الخلاصة:
كما ترون، في إيران تحت حكم الفاشية الدينية، قضية الحجاب هي أداة للقمع، لا يتمتع الناس بالحرية في شؤونهم الخاصة ما حدث في ستة أشهر من الانتفاضة الإيرانية، وما هو واضح من خلال شعارات المنتفضين مثل الموت للديكتاتور والموت لخامنئي وشعار “بالحجاب أو بدون الحجاب، إلى الأمام للثورة”، يظهر أن الشعب الإيراني يطالب بالإطاحة الكاملة بنظام ولاية الفقيه إن الشعب الإيراني يرفض أي نوع من الدكتاتورية والإجبار والإكراه، سواء كانت دكتاتورية الشاه أو دكتاتورية الملالي، يريد الشعب الإيراني الحرية بمعناها الحقيقي، يريد الشعب الإيراني نفس الحقوق والحريات المعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لجميع شعوب العالم لكن خامنئي ومركز أبحاثه يريدان عمداً إثارة الرعب والإرهاب من خلال إثارة قضية الحجاب وتطبيق الأنظمة القمعية في المجتمع الإيراني، وخاصة بين النساء اللواتي لعبن دوراً مهماً وتوجيهياً في الانتفاضة بعد مقتل مهسا أميني، وحرف المطلب الأساسي للشعب الإيراني، وهو الإطاحة بالنظام ونيل الحرية، ولن تنجح مساعي المتحدثين بلسان الاستعمار، بالتحالف مع الفاشية الدينية الحاكمة، لتشويه النقاش وتقليص مستوى مطلب الشعب من إسقاط النظام إلى غوغوائية الحديث حول الحجاب وغطاء الرأس.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…