التطبيع، وما أدراك ما التطبيع!

جان كورد 

وبإختصار شديد… كانت شائعة كبيرة تجوب العالم العربي بأسره لعقودٍ من الزمن، مفادها أنّ الكورد “عملاء إسرائيل ويريدون اقتطاع جزء من الأرض العربية لإلحاقها بدولة أجنبية!” من دون ذكر إسم تلك الدولة الأجنبية في كل محاضر وملفات محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية في سوريا مثلاً، حتى صار ذكر إسم أي قيادة كوردية لا تخضع تماماً لمسؤولي الأمن السياسي في بعض الدول العربية مقروناً بعبارة “عميلة اسرائيل والصهيونية!” فجاء التطبيع/التركيع لينسف هذه المقولات الكاذبة ويظهر للملأ حقيقة أن ناشريها والمتشبثين بتعبئة عقول الشباب العربي بها ليسوا إلاّ خواتم في أصابع “اسرائيل والصهيونية” كما يجده بعض الكورد الغاضبين بحق. 
ولكن التطبيع جاء كما يبدو كالبحيرة التي تهدّم السد أمامها، بعد أن صارت بعض الدول العربية تحشد ملايين ثم ترليونات الدولارات الأمريكية على السلاح وما يتعلّق بالسلاح على جبهات الرفض والمقاومة والتحضير ليوم الفتح الكبير، عوضاً عن صرف تلك الأموال الطائلة على شعوبها الفقيرة، منذ حرب 1948 التي خسر العرب فيها أمام اسرائيل الصغيرة، وبعد ذلك في حربين كبيرين في عامي1967 و 1973، حيث فقدوا الكثير من قواهم وأراضيهم من دون تحقيق أى نصر يذكر، فاضطروا لتغيير الإتجاه والقبول بحلولٍ تصب كلها في مصلحة اسرائيل وترضى عنها الصهيونية التي يحوم شبحها المرعب فوق رؤوس الزعامات العربية، إلاّ أن اتهام الكورد بالعلاقة مع “يهود” لم تتوقّف رغم التحولات الجارية في التفكير العروبي عامةً، ولكنه خفّ بعض الشيء.
إلاّ أنّ “التطبيع/ التركيع” رغم كل عظمة الجبهة العربية الواسعة ليس وليد السنوات الأخيرة، كما يحلو لبعض الإعلاميين العرب تسويقه على أنه الحدث الكبير في التاريخ العربي الحديث، فالتطبيع قد بدأ من قبل أن تولد دولة اسرائيل يقيناً، وبالتحديد منذ عشرينات القرن الماضي، حيث رحبت دول وإمارات عربية بنوايا اليهود في تأسيس دولةٍ لهم إلى جانب ما يطمح إليه الفلسطينيون المستضعفون، وثمة رسائل من أعلى مستويات السياسة والدبلوماسية العربية موجهة لزعماء الصهيونية العالمية ومجلسهم الأعلى في ألمانيا، ما قبل النازية، تؤكد بوضوحٍ تام على أن بعض ملوك العرب وأمراءهم يرحبون بدولةٍ اسرائيلية بحرارة تكون دعماً وسنداً لجيرانهم العرب الفلسطينيين، وقد نشرنا إحدي تلك الرسائل قبل أكثر من عشر سنوات في مقالٍ متواضع، كنا قد أرسلناه إلى العديد من الصحف العربية التي لم تنشره ورمته في الزبالة أو خبأته في أدراج أرشيفها، وكانت إحدي المجلات الألمانية الرصينة المهتمة بالشؤون الطبية والأدوية قد نشرت تلك الرسالة من قبل، فالتطبيع العربي بعد صرف كل تلك الأموال التي في مجموعها على مستوى الدول العربية قد تزيد عن 12 ترليون دولار أمريكي وكثيراً من الذهب والدماء ومساحات شاسعة من تراب الأوطان، كما هو حال الجولان المحتل، ليس إلا حفيد الترحاب العربي الأصيل والودود من قلوبٍ عربية لأبناء العم اليهود. والشيء الوحيد الذى قد يستفيد منه الكورد هو أن العرب سيخففون من لهجتهم الحادة وشتائمهم ومسباتهم للقيادات الكوردية واعتبارهم جنوداً لإسرائيل والصهيونية العالمية. 
16/4/2023

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…