عفرين .. جنديرس المكلومة !!

أحمد مرعان

عندما تتراكم الهموم، وتتعاقب الكوارث، تنشل الأطراف، وتتداعى إلى الخيال ذكريات الماضي، وإلى القلوب الآهات، فلا مواساة إلا دموع الأحداق المنهمرة في مواكب الرحيل ..
توالت عليها النكبات بالتوالي، فأيقظت أحلاما راكدة في عالم الخيال. تظهر من جوف الليالي، وكادت أن تسدل الستار من ظلمة الليل الحالك، فتسللت إليها أقدار السماء ما لم تكن بالحسبان، نهضت من نومها فازعة تفرك عينيها من هول المصائب ..
غدر بها أشباه بني الإنسان، وتوارت بين الأزقة تبحث عمن يشابهها في المعاناة والحرمان، تضرعت إلى الله ليواسيها في محنتها، ففاجأها بزلزال لم يكن بالحسبان، نبشت بقايا الأنقاض، لتعلن عن مفقوديها تحت الركام، وتستجرهم بحرقة القلوب وأفئدة لن تستكين لأيام، تندب حظها العاثر من تراكم الملمات، وارت شهداء الليل في بكرة الصباح، أعلنت الحداد المتجدد كالمعتاد، عزاؤها انها كارثة ألمت بالبلاد من رب العباد ..
غسلت براثن الجوع بعد المواساة، استبدلت ثوب اليباب، تزينت وتعطرت وأضرمت نيران الحرية في ليلة الزفاف النوروزي علها تزيح عن كاهلها بعض الآهات، فامتدت يد الغدر والحقد لتضيف إلى قافلة الشهداء أربعة منارات في مجمع الصلوات ..
أي قدر يواسي من لا تناسبه الأفراح، وأي قدر تصنعه الأيادي القذرة والعقول المدبرة لتستبدله بالأتراح، ومازال الأمل يتخبط في نيل الجزاء ممن اقترفت أيديهم إطفاء شعلة الضياء، الكل منهم براء بحسب بياناتهم، والكل ذخيرة حية بجعبهم وأصابعهم تدك على الزناد ..
أية محكمة يحتكم إليها الجناة إن كان قاضيهم هو قائدهم ويصدر التعليمات ..
جنديرس تئن من الأوجاع منذ خمس سنوات، وجروحها لا تلتئم لعدم توافر الدواء، عقارهم قاتل، وحبوب المصل سامة، حتى هواؤهم ملوث بزفرات أنفاسهم الضغينة ..
لملمي جراحك أيتها المزيونة وتكابري، زفافك سيتم، وعريسك سيعود قريبا من جبهات القتال، سيضمك إلى صدره بكل حب ومودة وحنان، ويغسل ثيابك الملوثة من الهُباب بزخات المطر من غيوم الضباب، سيزرع حدائقك بأجمل ألوان الورود، سيجعل فصولك القادمة كلها ربيعا مستدام الخضرة بالنضارة على مر الأيام ..
الكل يدرك المؤامرات ومصالح الدول حينما ساوموا على بيعك في سوق النخاسة بأبخس الأثمان ..
عفرين يا جرحا لا يندمل، ويا دموعا على الخدود تنهمر، تبقين حلما يراود حلم حتى تتحرري، كما تحرر يوسف الصديق من السجن بكل عز وفخر ..
قطار الزمن يتوقف في محطات، وينطلق نحو أخرى لاستكمال سكة السفر ..
عفرين يا جناح نسر يرفرف في الأعالي،  وينقض على فريسته بكل قوة وجبروت موقنا بالنصر ..
الرحمة لشهداء عفرين .. رحمة نوروزية لشهداء جنديرس الأبية ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…