علي شيخو برازي
الماضي الذي هو: التاريخ – الثقافة – الفولكلور – العادات والتقاليد – الدين. كل هذه المعطيات أثرت فينا جيل بعد جيل، ورسخت في أذهاننا قناعات لم تكن بإرادتنا، موروث بثقل الجبال نحمله دون تفكير، لم نحاول يوما التخلص منه، أو حتى مجرد تفكير بذلك الموضوع، وتلك الثقافة الموروثة التي أصبحت جزءا منّا، تلازمنا أينما كنا، وكيف ما كنّا .
التاريخ الذي نعرفه نحن الشعوب الإسلامية، لا يعني الحقيقة بعينها، وحدث وقع كما هو مكتوب في بطوب الكتب، نصف تاريخنا قصص وروايات كتبت بعد مئات السنين من الحدث، وبعقول مختلفة كل الاختلاف عن ثقافتنا ووعينا اليوم، من كَتب تاريخنا كان مجرد شخص يحسن الكتابة فحسب، لم يمتلك وعيا يؤهله أن ينظر إلى الموضوع وفق الأسس والمبادئ التي استندت عليه الشعوب ذات التجربة، في مجال كتابة التاريخ مثل: شعوب بلاد الرافدين الذين كتبوا بالأحرف المسمارية 3600 ق. م ، والمصريون الذين كتبوا بالأحرف الهيروغليفية 3400 ق . م ، وقارئ التاريخ يعرف أن فك الرموز المسمارية تم في منتصف القرن التاسع عشر.
لم يستندوا كتّاب تاريخنا على الوثائق التاريخية كما هو اليوم، ولا على معطيات الآثار والحضارات، ولم يكونوا مطلعين على تاريخ الشعوب المجاورة، ذلك التاريخ المكتوب، إلا عبر روايات بسيطة، غلبت عليها العاطفة أكثر من العقل، ناهيك عن تأثير القرار السياسي والقرار الديني على هذه الكتابات، ومعروف في التراث العربي والإسلامي عامة، إن الحاكم عندما لم يرى حجة في منع الكتاب عن كتابة موضوع ما، كان من أبسط الطرق التي يسلكها هي: أن يمنع الوراق من بيع الورق للكاتب.
وإذا نظرنا إلى تاريخنا المعاصر واختلاف المؤرخين حول حادثة معينة، بسبب اختلاف سياسات الحكام، حينها ندرك مدى مصداقية هذا التاريخ .
وإذا اتفقنا على منهج فكري، لا يأخذ بكل جزئيات التاريخ كحقيقة غير قابلة للشك، حينها تتقارب الرؤى، ويكون للعقل دوره الحقيقي في وضع المستقبل، وفي بناء الوطن حسب الكفاءات، وليس حسب مكيال الأقلية والأغلبية.
على سبيل المثال وعلى ضوء ما أشرنا إليه، فلا نستطيع أن نعرف حقيقة الوجود الكوردي في عفرين والجزيرة الفراتية، لأننا لا نملك وثائق تاريخية كافية عن هاتان المنطقتان، وهذا أمر مؤسف جدا، فكل ما ورد عن جبل الكورد والجزيرة الفراتية، هو بعض معلومات موجزة وغير دقيقة، في بطون كتب البلدانيين العرب والمسلمين، وهي لا تبحث في شؤون شعوبها، من الجوانب: الثقافية – الدينية – العرقية – التاريخية – السياسية – الاقتصادية الخ …..
فكل ما كَتبوه، كان يخص انتصار المسلمين العرب على سكان بلاد الشام وكوردستان والعراق وغيرها، من البلدان التي وقعت تحت حكمهم، وعن الذين حكموها من العرب في ظل الإسلام، وكم فرض من ضرائب على أهل المدن والبلدات والقرى في هذه البلدان، وكم من الخراج كان يأتي من هذه البلدان، ولم ينقلوا لنا صورة واضحة عن حياة سكانها، ولا عن نمط عيشهم وسياسة من كان يحكمهم قبل الإسلام، حتى نستنتج، وما هو الفرق بين نظام الحكم العربي الإسلامي وما سبقه من نظم وحكام ؟.