من يقف وراء جريمة جنديرس، ولماذا؟

د. محمود عباس

   شهداء جنديرس صفحة من صفحات الإجرام التي تمت بمخطط من الأنظمة المحتلة لكوردستان، نفذها حثالة من محاربي أحرار الشرقية، فيوم وجهوا فوهات رشاشاتهم إلى الشهداء، كانوا في عمقه يوجهونها نحو الشعب الكوردي وقضيتهم القومية، وثقافتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وتاريخهم.
 العائلة الشهيدة، التي كانت تجمع تاريخ نوروز في علبة، وتختصر ثورة الحرية في شعلة نار بسيطة، هي من ضمن سلسلة طويلة من الشهداء الذين سقطوا فوق تراب عفرين، سيستمر الإجرام بحق أهلنا هناك، ما دامت تركيا تحتلها والمنظمات التكفيرية موجودة لتنفيذ أجنداتها.
 فمنذ اليوم الأول من الاحتلال، تبينت مدى كراهية المجموعات التي كانت تتقدم الدبابات التركية، وحقدهم تجاه الشعب الكوردي والذي لم يقف عند حدود المجال القومي، بل شملت إيمانهم وثقافتهم، فالتكفير كان حاضرا عند كل مواجهة، إلى درجة إصدار فتاوى بحل دماء الكورد وسبي النساء، وتدمير مقابر ومعابد الكورد الإيزيديين، ومن شبه المستحيل أن يخمد بمسرحية إلقاء القبض على المجرمين أو تقديم إلى المحاكمة. فمن سيحاكمهم؟ على الأرجح سيكونون من نفس الذهنية، ولا يستبعد أن يكون القضاة هم ذاتهم الذين خططوا لهم وأرسلوهم لتنفيذ الجريمة.
   واجه شعبنا في عفرين منظمات تكفيرية فضلت محاربة الكورد على النظام، تحمل ذهنية الأنظمة المحتلة لكوردستان، وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية، غذتها دولة قطر، العرابة الروحية لهم ولحركة الإخوان المسلمين، إلى أن أصبحوا ومعهم المعارضة السورية السياسية أخطر من النظام ومربعاته الأمنية على الكورد، لذلك من شبه المستحيل التعامل معهم ضمن سوريا القادمة.
  ومن المحمود القول أن الله أنعم على الشعوب السورية على ألا تنتصر هذه المنظمات وهي بهذه الذهنية على النظام المجرم، فقد كان النظام يحصر عداءه للكورد في البعد القومي دون الديني المذهبي، أما هؤلاء فهم أوباش، تحولوا جلهم الى مرتزقة، وهم حثالة المجتمع السوري جلهم غارقون في الجهالة الدينية، يضعون الوطنية والإسلام والعروبة في كف والشعوب الأخرى وثقافتهم أي كانت أديانهم في الكفة المعادية، تم تلقينهم على أن الكورد أعداء في القومية والدين. ومسيرة احتلال تركيا للمناطق الكوردية وتحريض هذه المنظمات للعبث بعفرين ودفعهم للقيام بعمليات إجرامية بحق أهلنا فيها، تثبت هذه الحقيقة.  
رغم أن الشعب الكوردي أثبت وطوال التاريخ على أنه أصدق وأنقى الشعوب في إيمانها، إن كانت في المعتقدات الروحية أي الأديان أن كانت الزردشتية أو اليهودية أو المسيحية أو في الإسلام، فكما نلاحظ أنه من النادر أن نجد يهودي أو مسيحي يقول أنه كوردي العرق، فهل فعلا لم تعتنق أية مجموعة ذوي عرق كوردي تلك الأديان؟ أم أن الإيمان المطلق يدفع بهم لتناسى أصولهم العرقية؟ ولهذا من النادر أن نجد يهودي أو مسيحي ينسب عرقه إلى الكوردية، والموجة هي ذاتها بين الكورد المسلمون، فبينهم من ينكر قوميته عند حضور الإسلام، ومن ينفي انتماءه كليا، وهناك من يعادي قوميته ومناسباته القومية ومن بينها عيد نوروز.
 ومثلها في الإيديولوجيات المادية. مع ذلك تمكنت الأنظمة المحتلة لكوردستان نشر مفاهيم مرعبة بين شعوبها عن الإيمان الكوردي وعن معتقداتهم، وأخرجوهم كشعب مغاير لشعوب الأرض، ورسخوا في ذهنية أغلبية شعوبهم صور نمطية معادية لكل ما هو كوردي، ولثقافتهم، ومن بينها عيد نوروز، نشروها على أنه عبادة للنار، وليس رمز للحرية، وشعلة للثورة على الظلم والاستبداد، والذين أقدموا على الجريمة البشعة بحق العائلة الشهيدة في جنديرس كانوا يستندون على هذه الخلفية الفكرية، لذلك كان سهلا تحريكهم من قبل القوى التي تتربص بالكورد وقضيتهم.
 المفاهيم ذاتها كانت مغروزة في ذهنية حثالات داعش الذين أجرموا بحق شعبنا الإيزيدي، لهذا أقدمت المنظمات المعارضة السورية التكفيرية أو المسماة جدلا بالجيش الوطني على جرائم مماثلة بأهلنا في منطقة عفرين عامة وبالإيزيديين ومعابدهم ومقدساتهم خاصة، وجريمة شهداء جنديرس تدرج، في البعد الروحي، ضمن هذه الخانة، أما في البعد السياسي والعسكري، فهم أدوات الأنظمة المحتلة لكوردستان يسخروهم بكل خباثة لتطبيق مخططهم ضد الكورد، قبل بدء مسيرة التطبيع ما بين النظام وحكومة أردوغان، ووضع المخطط النهائي لسوريا القادمة. 
المجرمون الحقيقيون ليس فقط مجموعة الحثالة الذين نفذوا العملية، بل المسؤولين الكبار للمنظمات التي تعبث بالمنطقة، وقادة القوى التي تخطط لتغيير ديمغرافية المنطقة الكوردية، والقضاء على كل ما هو كوردي في سوريا، وهي من ضمن التمهيدات المستمرة قبل انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الأربعة(روسيا وتركيا وإيران وسوريا) في موسكو، وقبل مسيرة التطبيع، والتي ستتعرقل وستلاقي صعوبات جمة، ما دامت القضية الكوردية حية، والشعب الكوردي، إن كان لذاته أو بسند دولي، قادر على أن يضع قضيته على طاولة المفاوضات حول قادم سوريا.
  تدرك الدول المحتلة لكوردستان، أن المنطقة الكوردية، من البعد السياسي-العسكري، رغم التغيرات الديمغرافية الكارثية وجدلية الأمة الديمقراطية، أصبحت تفرض ذاتها كإحدى أهم القضايا التي لم تتمكن الدول الثلاث عرابة القضية السورية من تجاوزها في جميع مؤتمراتها المنعقدة حول سوريا.   
 وبما أنهم الأن يخططون نحو دخول مرحلة جديدة، وانتقال حكومة أردوغان من منطقة العداوة الوهمية ضد نظام بشار الأسد، إلى إعادة العلاقات السياسية، والتي لها خلفيات دولية وصراع على المستوى العالمي، فكان لا بد من العبث بالمنطقة، وتصعيد الفوضى، التي خلفتها الحرب ومن ثم الزلزال، فدعوا بمجموعة من المجرمين، لمهاجمة الكورد في عيدهم القومي، وشهداء جنديرس هم ضحية بداية العملية الدولية، الذين لم يكن يتوقعون أن يصبح هؤلاء الشهداء شعلة للثورة مثلما كان قادة نوروز، ومن سبقوهم من الشهداء الذين سقطوا بيد جلاوزة النظام الأسدي قبل عقود في دمشق وقامشلو.
 لو لم يكن الشهداء في جنديرس، لدفعوا بأدواتهم القيام بعمليات إجرامية مماثلة، في ناحية أو مدينة كوردية أخرى من منطقة عفرين، والمخطط هو أن تكون العملية الإجرامية ذات أوجه، وتحقق عدة غايات، ويتمكنون من عرض تبريرات لها، يحصرونها في عملية فردية،  يقطعون خطوط التواصل ما بين مخططيها والأدوات التي أقدمت على تنفيذ الجريمة بدءً من المنظمة وهي أحرار الشرقية إلى العناصر الذين تلقوا الأوامر، فالمكلفون القيام بها أوسع بكثير من مفرزة عسكرية أو بعض الحثالات من دير الزور، المدينة التي تحتضن مجتمع له تاريخ أسود غارق في الحقد والكراهية، فهؤلاء ليسوا سوى مجموعات من الإرهابيين المرتزقة، الذين تم تكليف الألاف من أمثالهم في المعارك الدموية ضمن سوريا وخارجها، وهم مجموعات دربت لتنفيذ أقذر المهمات في منطقة عفرين وغيرها من المناطق غرب كوردستان.
 والوجه الآخر للجريمة، هي أن يتم التأويل لهيئة تحرير الشام، وتقليص عدد المنظمات في منطقة عفرين وإدلب، ليتمكن دول التطبيع وخاصة تركيا التحكم بهم عند بدء المفاوضات مع النظام، ولهذا يلاحظ الموجة الغريبة في المنطقة وهي الالتجاء إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني المتمكن من القصاص وتحقيق العدالة، وكمنقذ للشعب الكوردي في عفرين، في الوقت الذي بإمكانهم توجيه نفس النداء للقوة الكوردية حليفة المعارضة وأحد أقطاب الائتلاف السوري المعارض.
 لن تتم العدالة ولن يحصل الشهداء على حقوقهم، وستظل عفرين وجنديرس شهيدة ما دامت الأنظمة التي دفعت بهؤلاء المجرمين القيام بجريمتهم، يحتلون المناطق الكوردية، وما دام هؤلاء يتحكمون بمصير شعبنا في عفرين وجنديرس وغيرها من المناطق الكوردية، وما دام بيوت شهداء جنديرس تحت رحمة المنظمات التكفيرية، وإن خرجت أحرار الشام فالقادم على نفس الشاكلة، جلهم ينهلون من الثقافة الموبوءة ذاتها ومترسخة في أدمغتهم الصور النمطية العدائية نفسها تجاه الشعب الكوردي وقضيتهم، فالكورد لدى الجميع هم الإسرائيل الثانية. 
الولايات المتحدة الأمريكية
25/3/2023م
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…