إبراهيم محمود
” نص محاضرة في مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية- جامعة دهوك، اليوم صباحاً، سا 10 ، 7-3/ 2023 “
لا بد أننا نتقاسم” هنا جميعاً ” معلومات مشتركة حول زلزال تركيا ” 6 شباط 2023 “، وأن هناك معلومات تمتلكونها عنه أكثر، وبالمقابل، ربما أمتلك معلومات غير موجودة لديكم. وسوف نتحرك في إطار ما يدفع بنا إلى توسيع دائرة النظر، في الجاري حدثاً طبيعياً، وحقيقته، بعيداً عن إصدار أي حكْم، خصوراً وأنه منذ شهر ونيّف، شوهِد وتوبعَ من خلال ملايين مؤلفة من الأشخاص في جهات مختلفة من العالم،نظراً للأضرار التي تسبب بها، وكلف الضحايا والمصابين، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال ضخ ملايين الصور المختلفة المصادر والمفبركة، تعبيراً عن التنوع في الغايات والأهداف، حيث يكون من الصعب بمكان التفريق بين الحقيقي والزائف، وهذا يتطلب وعياً مضاعفاً تجنباً لأي انزلاق جانبي .
أقولها، وأنا أحاول التشديد على ما يعنينا، وبالنسبة إلي كباحث هنا، في سياق عرْضي لفكرة الموضوع، وهو أنني لا أنفي أن أردوغان، الرئيس التركي، ليس عدواً لنا ككرد، سوى أن موقفي هذا لا يعني بالمقابل، أن أمحور حديثي عنه، وأتعامل معه بعبارات إيديولوجية، أي من زاوية هذا العدوان، وليس من خلال زاوية أوسع وأعمق بالمفهوم السياسي والاجتماعي .
هنا، أذكّر بما قاله المفكر الفرنسي جان بودريار حرب الخليج الثانية ما اشتهر به، وهوأن: حرب الخليج لم تقع. أي إن كثافة الصور التي قدّمت وروّج لها طغت على حرب الخليج، وظهر الإعلام لعبة للصور، وليس امتهاناً لحقيقة الإعلام .
وإذا كان لي أن أمهّد لفكرة موضوعي، أشير إلى أن هناك علاقة قائمة بين توترات اجتماعية معينة، وظواهر طبيعية من النوع المذكور، إنما بالعكس، جهة ربط كل منها بما هو سياسي: ففي التوترات الاجتماعية، كما في الحرب، ثمة إمكانية لظهور فضائح سياسية وتعرية خلفيات من يعنون بأمور المجتمع، فالتوتر ليس أكثر من ممارسة سياسية سلطوية قائمة مستفحلة بأدوائها وذيولها، بمقدار ما تكون مؤثرة سلباً، وفي الطبيعة، فإنها تؤدي إلى الكشف عما هو خفي من فساد سياسي، جهة الاهتمام بمصائر أفراد المجتمع، وحيث يقيمون ويسكنون ويتنوعون في تكوينهم الاجتماعي.
ربما من هذه الزاوية يمكن النظر إلى الجاري بصدد زلزال تركيا، خصوصاً وأنه لا زال يتفاعل باطناً وظاهراً مع الرهانات، وتأثيراته المعتبرة لم تتوقف بعد، وهذا يتطلب منا، إذا كنا في موقع المسئولية كتاباً وباحثين أن نكون يقظين أكثر، وبعيداً عن إصدار أي حكم قطعي، بالتوازي مع مسلك فكري بحثي، يكون حضور الثقافي النقدي متقدماً على ما هو سياسي محض أو إيديولوجي قائم، وتحديداً إزاء الجاري في تركيا، ومستجدات الواقع التركي، وعلاقة تركيا بالمنطقة، وفي سوريا عموماً، وتجاه الكرد على وجه الخصوص . إن ترك خط رجعة ضرورة أخلاقية هنا.
وقبل أن آتي وردني فيديو من نوع ” تيك توك ” وفيه يظهر متحدت مصري، وهو يسهم في الكلام بطابعه القطعي تقريباً، مشيراً، وباختصار، إلى أن الذي جرى، ومنذ البداية، عبارة عن خطة أميركية – تركية، للقضاء على الكرد في جنوب تركيا وشمال شرق سوريا، وهو يأتي بالمقابل على اسم خبير الزلازل الهولندي فرانك هوغر بيتس، الذي تنبأ بحدوث الزلزال، ولا بد أنه، وكما يقول هو، حصل على معلومات مسرّبة عن جهة استخباراتية، وتوقف عند علامات تخص الزلزال، وما يشدّد على فحوى كلامه، من ظهور ذلك الوميض الكهرمغناطيسي وعالياً وتأثيره على الخزان الغازي أسفل الأرض والمؤدي إلى انفجاره، وفي نقطة أخرى، أن قرية قريبة من موقف الزلزال شهد أهلها بأنهم كانوا يسمعون أصوات حفر في باطن الأرض، ولا بد أن هناك استعداداً لوضع قنبلة، وفي نقطة ثالثة، أن عالماً أجرى تجربة مصغرة، بصدد حقيقة الزلزال، وتحليل لعينية طينية مدروسة، ليصل إلى نتيجة وهي أن الزلزال مفتعل.
وليقول في النهاية، أن الله أعلم .
وهذا تناقض طبعاً.
وما تردد في الحالات كلها، هو أن الأرضية مهيأة لتصديق كل ما قيل، ولكل منه خاصيتها السياسية، الاجتماعية والنفسية، ونظراً لموقع تركيا باعتبارها الآن مستوع بارود في المنطقة، ومن خلال المكونات الاجتماعية والقومية، يمكن تسمية ردود الأفعال هذه، وعلى صعيد إقليمي، حيث لكل دولة في الجوار، نوعية علاقات تختلف عن غيرها، ولا بد أن يكون التعامل مع المستجدات في نسَبها الزلزالي متجاوباً مع طبيعة العلاقات القائمة بينهما، وهذا ينطبق على الدول لتي لها علاقات مختلفة في العالم: أميريكا، روسيا، فرنسا، وغيرها، وبالنسبة للباحث ، تكون مهمته صعبة، في كيفية توسيع دائرة الرؤية ليرى أكثر مما يراه سواه، وليس الانحصار في زاوية ضيقة تجرده من خاصية الباحث فيه .
وفي العودة إلى النقاط السالفة الذكر بلسان المتحدث المصري، لا بد من الإشارة إلى أن الوميض الكهربائي ظاهرة طبيعية، وهي تسمى ” البرق الزلزالي “، وبشأن الهولندي، ليس من تأكيد في المتقدَّم به، وكذلك المتعلق بالموقف من الكرد، إنما هي توليفة قائمة على ما هو جار ٍ دون تبيّنه .
أما على صعيد آخر، جهة تبعات الزلزال، فيمكن النظر من زاوية أخرى، وكيف أنه كشف عن جملة من السلبيات في علاقة تركيا كنظام بما جرى، وتحديداً في الموقف من الكرد، وعرقلة وصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة التي يسكنها الكرد، وفي كل من عفرين وجنديرس، ومن قبل جمعية بارزان الخيرية، والأكثر تأكيداً، على هذا الموقف العدائي من الكرد، هو سعي أردوغان إلى إثبات قوته، في إعلانه الحرب على الحرب، كما في إصراره على إرسال طائرات مسيرة إلى روجآفا كردستان، وأن الانتخابات التركية ستتم في موعدها، دون إعطاء أي أهمية تذكر، للكارثة الزلزالية في تركيا، أي ما يُسمى بـ ” فوبيا الكرد ” .
ما يهم هنا، جهة التعامل مع حدث طبيعي كهذا، أو في الحرب، يكون لمشاعر الناس وهواجسهم وأحاسيسهم ومخاوفهم العميقة ذلك الحضور المؤثر في تلوين سلوكياتهم، بينما ينخفض مستوى المشاركة العقلية في تلقّي أي خبر بهذا الشأن، وما في ذلك من استفحال العدوى، وبصورة أكثر، في مثل هذا الوضع المعقد والشديد التوتر على مستوى المنطقة، وجهة الكرد بصورة مركَّزة.
أي حين أنوّه مجدداً، جهة هذا التفاعل السلبي كثيراً، وتلقي أي خبر يخص مؤشراً زلزالياً، في السبب أو التداعيات الباطنية ” ارتدادات هزاتية أرضية ” دون نقد، لأن وعياً حشدياً يفعل فعله هنا، حيث اللاوعي الجماعي يؤكد سلطته وضغطه من الداخل، إن تجاوبنا مع فرنسيس بيكون بخصوص أوهام العقل، ومنها : أوهام الكهف، وأوهام السوق..إلخ، والتي تفعّل ما هوسلبي في النفوس.
ودون أن أجرد تركيا كدولة مما هو سياسي واجتماعي أو مؤسساتي حيث تتواجد فيها أصوات وهي تتناول بالنقد مختلف أوجه الحياة فيها، وبشكل حاد ونافذ الأثر، وفي الواجهة الرئيس التركي أردوغان” كما في حال الكاتب التركي: أحمد آلتان وغيره “، تأكيداً على أن تركيا في واجهة الدول في المنطقة التي تعرف بما هو مؤسساتي، رغم كل الحديث الذي يمكن تكثيفة والذي يظهِر عمق الفساد السياسي فيها والذي يجري انتقاده” أي أردوغان ” هنا وهناك طبعاً.
لا شك أن التعمق في مثل هذه المواقف، وهي ليست سهلة، تفضي بنا إلى معرفة الكثير من السياسة التركية، ودلالة العدواني الصارخ فيها، وعلاقة السياسة بما ببنية مجتمعها وثقافته.
من جهة أخرى، إن الباحث حين يربط بين الزلزال التركي، وتحركات السياسة، لا بد أن يراعي ما هو متاح دون اعتباره المفصح عن حقيقة الوضع، وهو بذلك يحرر نفسه من المؤثرات النفسية التي لا صلة لها بما هو بحثي وفكري، وهو ما ينبغي علينا العمل عليه، تجاه بعضنا بعضاً، ورؤية ما هو إيجابي في الموضوع، فطريقة تعامل الكرد مع الزلزال كانت إنسانية وصادمة حتى للميليشيات التركية في عفرين وجنديرس وغيرها، وما في ذلك من معرفة ما ينبغي على هذه الميليشيات المسلحة معرفته، وهو أن تركيا لا تعطيها أي اعتبار سوى أنها أدوات لضرب الآخرين، ومن ثم التخلص منها. وأن الكرد خلاف ما هو متردد باسمهم أو عنهم على مستوى النظام في تركيا.
وما يمكن أن يقال هنا، جهة الإعلام، هو البعد الديماغوجي له في الدول التي تتجنب الشفافية، كما هو محتوى كتاب هربرت إ. . شيلر” المتلاعبون بالعقول ” والذي صدر عن سلسلة ” عالم المعرفة ” في الكويت، سنة 1973، حيث يتمثل سعي الإعلام الأميركي إلى توجيه العقول ما أمكن في أميركا بما يتناسب وسياسة أميركا في بلورة الحقيقة التي تريده عن نفسها داخلاً وخارجاً، وليست تركيا ببعيدة عن ذلك، من زاوية أخرى، حيث جرى توجيه الناس، وعبر قنوات دينية إلى المساجد وقراءة القرآن والدعاء لأهل الضحايا، تعبيراً عما ذهب إليه أردوغان بأن الذي جرى لا يد لتركيا فيه، ناسياً أو متناسياً، أنه اعتبر زلزال إزمير سنة 1999، وقد ذهب ضحيته ” 17 ألف ” له أبعاد سياسية .
وعلينا أن ننتظر ما سيأتي مستجداً ومختلفاً، مع مراعاة عامل المسافة في الرؤية والتحليل والنقد!