إبراهيم محمود
لا أذكّر بآذار الذي كان، وهو غير مفارق لنا، وهو ليس أي آذار كان بالتأكيد، وأقول ” أذكّر “
رغم أنه لا يُنسى، رغم صواب قول القائل: لتتذكر عليك أن تنسى. ذلك صحيح، إنما ننسى ما يقرّبنا مما نستطيع نسيانه، أو ما لا يجب نسيانه. ولهذا ، طالما أن الذي نعيشه يتنشط ويحيا معنا، أو داخلنا، وبه نكون في المؤثر في حياتنا الفعلية، فهو لا يدخل نطاق التذكير به، والمثال الاذاري الذي أعنيه هو ” آذار 2004 “، أعني تحديداً ” اليوم الثاني عشر منه “. وإذ أتحدث عنه، وفي نهاية الأسبوع الأول من سميّه آذار راهناً ” 6 منه “، وقبل قرابة أسبوع من حلوله بيننا، أو حلولنا فيه، هناك ما أجده جديراً بالتسمية والتصنيف في المكانة والاعتبار والتمايز:
أتحدث عن الذين ولِدوا حينذاك، وقد شبّوا عن طوق سن الرشد ” أي 19 سنة ” : تُرى ماذا قيل أو يقال لهم من قبل أهليهم، أو من هم في محيطهم، وتبعاً لموقعهم الاجتماعي ” النسَبي ” وسواه، والثقافة الذاتية ! والذين عاشوا الحدث العظيم” الكردي ” طبعاً،ممن كانوا في سن الطفولة أصبحوا رجالاً، والذين كانوا رجالاً، لا بد أنهم دخلوا نطاق الشيخوخة…وهكذا.
قبل حلول آذار بأسبوع، يشدني شغف الفضول وسؤاله إلى السؤال عما حل بسلسلة الآذارات، وكيفية تداولها والتعامل معها كردياً. أسأل عن الفارق الكبير الكبير جداً، بين آذار السلف ” 12 منه 2004 “وآذار التالي على حلقات، وآذار الراهن، وا الذي اُسنبقي من آذار السلف، ونحن في عهدة آذار الخلف؟
لا صلة لي بمن يقدّمون أيديهم وأذرعهم على طولها، كما لو أنهم يودِعونها ألسنتها، شعاراتياً، ومع رفع الصوت المشدد على ما هو كردي وكردايتي، وليس في الواقع ما يشهد بأي آثر مما كان عليه وعرِف به آذار المشار إليه .
برغم كل ما يمكن أن يقال عما حصل في آذار ذاك، مما هو سلبي، لكن ذلك لا يلغي ذلك الزخم الكردي.
وها نحن اليوم في حضرة الكردية التي تتقاسمها عشرات مضاعفة مما هو حزبي وتنظيمي أو تحزبي، تأكيداً على فجيعة الكردية أو مأساتها في من لا يرون الكردية إلا من خلال ما هم عليه تكتلياً .
سوى أنني لا أخفي ما أنا على بيّنة منه، وأنا أوجه كلامي إلى من لديه أذنان، وهما ببعض عافيتهما:
اطمئنوا، فمئات الألوف من كردنا الذين خرجوا من هذه الـ: روجآفا كردستان إلى جهات العالم الأربع، لن يعودوا. خرجوا في نسبة كبيرة منهم، إشعاراً بأن الكردية التي تتم تسميتها أصبحت في معظمها ” اكسباير “:نافدة الصلاحية .
اطمئنوا، الذين خرجوا عائلياً : زرافات ووحداناً، وبلغوا الجهات التي يُعرفون بها، ومنهم من غرق، ومنهم من احترق، ومنهم من ضاع أثره، ومنهم من قضي عليه، لن يعودوا قادرين على الحديث عن الكردية بذلم العشق الذي كان في ذلك التوقيت الآذاري الموسوم .
اطمئنوا، فإن الذين ظلوا حتى الآن، ولم يغادروا ديارهم، قد تغيَّر في روحهم طعم الكردية، وإذا قالوها ” كردية ” فلسبب هم أنفسهم غالباً غير مقتنعين به، في ضوء الموجَّه كردياً .
اطمئنوا فروجآفا كردستان التي يشار إليها تبكي صغارها وكبارها ، تبكي الكردية التي كانت، وتعيش حداد نسبها الكردي، تبكي اسمها في الصميم.
وطالما أن هناك من يفضّل استخدام التقريع أو الذم أو الشتم أو السعي إلى الإيلام والتهديد، ضد من خرجوا وليس هناك ما يؤشر على أنهم سوفت يلتفتون وراءهم شوقاً، ومن هم باقون وهم يوجَّهون بما هو كردية محصور في مسار ضيق، تختفي فيه السماء العلى، والهواء العليل، والنَّفَس الحواري .
إن شعباً يجري التعامل معه بالعنف، بالإكراه، بالعصا، وتبرير كل عسف ضده، يعني في الواقع تجريده من كل ما ينسّه إلى مفهوم الشعب، وإلى الحياة الفعلية.
إن من يسوق شعباً بالتحرك وتنفيذ الأوامر، وترداد الشعارات، ودون تقبّل أي نقد، أي نقد مجدداً، يعني الدفع به إلى مسلخ التاريخ، والموت الفعلي.
إن ما نعيشه بمفهومه الآذاري راهناً، ومقارنة إياه بما كان، لهو فظيع، ولعل القادم أعظم وأوخم ..!