منكوبو عفرين يطلبون خيماً لامخيمات!

إبراهيم اليوسف
آلمني، وأنا أقرأ هذا الصباح، رسالة عن مأساة وكارثة أهلنا في عفرين، وجهها إلينا أحد الأصدقاء من أبناء عفرين، في أحد الكروبات الواتسابية التي تجمعنا منذ سنوات وفيه مهتمون بالشأن الكردي، من كل من: عفرين- كوباني- الجزيرة، نتبادل منذ سنوات وجهات النظر، على قاعدة الحوار، وبات محور اهتمام المجموعة، في السنوات الأخيرة: شأن أهلنا في المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها: عفرين- سري كانيي/ رأس العين- قامشلي- تل أبيض/ كري سبي، وما يتبعها كلها من قرى ونواح وأرياف، إذ جاء في رسالة الصديق أن كرد عفرين في حاجة إلى حوالي خمسة آلاف خيمة، بعد أن تهدمت ديار بعضهم بشكل كلي، أو جزئي، وأصيب بعضها بصدوع وشروخ، وهو ما ترافق مع رسالة صديق من عفرين فيها بيانات بأسماء المنكوبين والمتضررين من أهلنا في منطقة عفرين، ومن بينها جنديرس وبقية أضحيات المكان.
قد يسألني سائل، قبل أن أشرح ما تم  مقدماً وجهة نظري، عن سبب اهتمامي الكبير بعفرين، على نحو استثنائي، من بين كل ماخلفه خط الزلزال الذي انطلق من قلب كردستان، فإنني أؤكد قبل كل شيء أن ذلك وارد من دواع  عدة: أولها الحصار الذي ضربه كل من تركيا والمعارضة والنظام، فلم يسمح بوصول المساعدات خلال الأيام الأولى من زلزال السادس من شهر شباط فبراير الجاري2023، بينما كان هناك تحت الأنقاض المئات الذين كان يمكن إنقاذ حياتهم لو أن المعدات اللازمة كانت متوافرة، إذ إن أبناء عفرين، وبإمكاناتهم البسيطة راحوا ينتشلون أجساد العالقين، وأشلاء الضحايا، بل و القيام  بواجب دفن ضحاياهم، بصعوبة كبرى، من دون أن تكون في عفرين كلها سوى آليات جد قليلة لا تكفي إنقاذ ضحايا ثلاث عمارات، في كل يوم، وحياة العالق تحت الأنقاض مرهونة بعامل الزمن في جزيء الثانية، بين شهيق وزفير. لن أقول هنا: إنه كان من الواجب الإنساني لدولة محتلة أن توفر ما يمكن من آليات لازمة لمناطق عفرين، سواء أكان ذلك عن طريقها، أو عن طريق المساعدات الدولية التي اشترطت أن تلعب دور الجباية في أخذ حصة- الذئب- منها، والمساومة على آلام البشر، في أحرج اللحظات- وأنى لها هذا الضمير أن يتأنسن!- إذ إن حياة أحد في عفرين، لا يهمها. لا حياة الكردي الذي احتلت مكانه وإرادته، ولا حتى  حياة المرتزق المأجور الذي طرد ابن عفرين- بموافقته وبتوصية من مشغله التركي- من بيته، كي يقيم فيه هو، بدلاً عنه، وهو راض عما تم، حتى وإن كان نازحاً!
لقد جاء في رسالة ابن عفرين التي أتناولها- هنا- وهي واحدة من رسائل عدة، ساهم في كتابتها ناشطون كرد، من عفرين وخارجها، أيضاً، أن هناك مخيمات تقام و يطلب من أبناء عفرين أن يقيموا فيها، إلا إنهم يصرون على أن يكونوا قريبين من أنقاض منازلهم، وأشلاء أجساد ذويهم، لاعتبارات عدة، لا يفتأ هؤلاء يترجمونها، وفي مطلعها إصرارهم على البقاء في مكانهم، رغم كل ما تم، وعدم القبول بأن يسكنوا في- مخيمات- فوق ترابهم، وإن كانت الحاجة إلى الخيم جد ضرورية، لاسيما في ظل زمهرير الشتاء القارس، القارص، الجحيمي، وهم في العراء، إذ لم يطلب أحد منهم خبزاً، أو ماء، أو أدوية، من  بين ضروريات مقومات الحياة والعيش، فالمسكن  مطلبهم الأول، المسكن: وطن. المسكن عفرين، وجنديرس، وما يتبعهما، ناهيك عن أمر آخر يمكن قوله، هنا، من خلال متابعتي وهو أن ابتعاد ابن عفرين عن حطام بيته يفتح المجال أمام لصوص الاحتلال المرتزقة الذين راح بعضهم يعملون- كمتعهدين- لنبش ما تحت الأنقاض للسطو عليه، وثمة قصص أليمة تم تناقلها شفاهاً ومنها أن أحد الذين كانوا يرفعون أنقاض إحدى العمارات ما إن وجد قرطاً ذهبياً  في أذن إحدى نساء عفرين حتى سحبها، من دون أن يتأكد أهي حية أم متوفية، بطريقة وحشية يندى لها جبين البشرية، وهذا ليس غريباً عن مجرمي الخطف وطالبي الفديات وفارضي الاتاوات وحارقي أشجار الزيتون وقتلة الابرياء!
لابد لنا. كل عن طريقه أن يطلق النداء، إلى المجتمع الدولي، إلى المنظمات الإغاثية الدولية أن تعنى بواقع مكان محتل. كارثته مضاعفة، كما كارثة مهجر خارج بيته، من المدن السورية، وغدا من منكوبي الزلزال في هذه المدينة في تركيا أو تلك، مع الظن بأن إمكان إنقاذ هذا الأخير، ومساعدته، قد تكون أكثر، وإن راح عنصريو تركيا يستغلون هذه الكارثة ليؤلبوا على السوريين جميعاً، ناهيك عن شعور السوري، ضحية الزلزال، في تركيا، وهو تحت الأنقاض أن أفضلية الإنقاذ إنما هي للتركي؟!
لقد تأكد لجميعنا، مرة أخرى، أن العالم من حولنا منافق، إذ إن كبرى دول العالم ومن بينها دول عربية ومسلمة هرعت لمدِّ يد العون لتركيا، ذات الإمكانات العظيمة- وفعل المساعدة إنساني- إلا إن السوريين في مكانهم- وهكذا بالنسبة لأهلنا في جنديرس- ظلوا خارج خطط المساعدات الأممية، الإسلامية، العربية!!!!؟؟
حقيقة، استطاع إقليم كردستان- وعبر جمعية البارزاني الخيرية- أن يرسل أول قافلة إلى عفرين المحتلة، وإن رحنا نسمع قصصاً، عما تعرضت له المعونة من سطو، رغم إن هذه الجهة عاملت كل المتضررين، بروح إنسانية تدل على خصال الكردي الذي لا يتخلى عن قيمه حتى في ساحة الحرب ومع عدوه، كما إن منع المعارضة إيصال معونات الإدارة الذاتية يدل على أنها بحق- تابعة- للمحتل التركي، ولا قرار لها. لا رأي، وما والمهيمنون من وجوهها، إلا طلاب منافع، مأجورين، لاسيما بعد أن  بات واضحاً أنهم لا يمثلون أحداً من السوريين- خارج أسرهم- وقد آن الأوان للدول التي شمرت عن سواعدها وزكت هذه المؤسسة سحب اعترافها، بهؤلاء!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…