خالد إبراهيم
حدث وأن صارت بلادنا ليست مُلكً لنا، تتباعد الجغرافية بفعل الأفعال وشيئا فشيئاً تتورم رئة الغدر والطعن المشين، سورية بلد الضجّة والضحية!!
شاء القدر وأن تُغتصب بلادنا، وأرضنا، وتنتهك حرمة بيوتنا، وحتى أعراضنا، وتُباع أتربة ديارنا، وبفؤوس الحقد والغل قطعوا أشجاراً تم سقايتها بدماء الآباء والأجداد.
هنا عفرين الحدث، عفرين الضحية، عفرين الألم ومنذ خمسة أعوام إلى الأن مازالت تنزُّ دماً، قهراً، حتى هطل حكم الله على عباده الصالحين والظالمين، وربما ليكون الجميع أمام امتحان أخلاقي قبل كل شيء، ولكن؟
زلزال النخوة والشرف، أم زلزال الخيبات ومرارة سنوات مضت؟
منذ أيامٍ ونحن نراقب أهم حدثٍ طرأ على سوريا وتركيا، نراقب بعيونٍ كادت أن تصبح حسيرة، عيونٍ لم تعد تقوى أن تعاند قساوة المناظر ورهبة الأماكن وتحويل أكثر من مائة مدينة إلى مدائن كهلة لا يسكنها إلا الأشباح، زلازلٌ هزّت العالم بأسره، زلازلٌ خلفت ورائها آلاف القتلى والجرحى وعدد لا يُحصى من المفقودين إلى هذه اللحظة.
منذ أيامٍ ونحن نراقب جثث الأطفال والأمهات، والعَبرة تملئ حناجرنا، نبلع القهر، وصدورنا تلتهب لأننا لا نستطيع ردَّ الأذى عن الجميع، ونرى أخرا يحمل جثة أخاه على دراجة نارية، وأخرا مات قهراً على أولاده وعائلته، وأخراً يحمل طفلته الميتة غير مصدقاً لحقيقة الموقف، ولا يريد الاعتراف بموتها ويطلب من المنقذين أخذها إلى المدفأة قائلا: ( هي بنتي، والله مافيها بلاي، بنتي متعودة علي يا جماعة، مشان الله بس خمس دقايق خلوني أخذها لعند الصوبيا، وجه البنت متل البوز)
وأخرا يخاطب ركام منزله، وأخرا يمسك بيد أبنته الميتة، وكلبٌ يعوي طالباً النجدة لصاحبه المتوفي، وهناك ألاف المواقف التي لم تستطع الكاميرات رصدها.
مواقف سيخلدها التاريخ
وأحياناً نفرحُ عنوةً لأننا نرى طفلاً ينادي هنا وطفلاً أخر ينادي هناك وامرأة ما بينهما تصرخ ما بين الموت الحياة، وطفلة ولدت من رحم الموت، أعجوبة السماء الطفلة ( أية ) والتي يتهافت عليها العالم ليتبنوها إلا أن خرج عمها حياً من تحت الأنقاض، الطفلة ( أية) والتي ولدتها أمها بعد يومٍ كاملا تحت الأنقاض، أعجوبة السماء، وقوة الله على ما يشاء ويفعل، وطفلة أخرى تهز ضمير العالم وهي تطلب النجاة قائلة:( عمو الله يخليك طالعني أنا وأخوي ورح صير عندك خدامة ).
يا الله، موقفٌ أقسى من الحجر الصوان، أعيد هذا المقطع أكثر من مرة، قائلاً لنفسي: لو أن المُنقذ هو أنا لأصابني الجنون ولربما انتحرت، ورغم ذلك خرج بيننا أناسٌ شجعان، فرق أنفاذ، الخوذ البيض، نحني لهم ونشكرهم لتقديم المساعدة، وفرق إنقاذ أخرى ومن كل دول العالم، عملت ولا زالت تعمل بجد وإخلاص.
منذ أيامٍ والمهمة كانت ولا زالت صعبة، ونحن كأفراد لا نستطيع فعل شيء غير الدعاء للجرحى والمفقودين وطلب الرحمة للضحايا، والموت لا يفرق بين طفلا وأخر، بين طفلا وأمه وأباه ولا بين عربي وكردي وعجمي ( تركي).
في حضرة الكوارث يأتي الموت ويدق رِقاب الجميع، ولا فرق إلا ما فعلته الأيادي والضمائر فيما مضى، المهمة صعبة ولا زالت صعبة، وإنها من مهام الدول، وحقيقة أغلب الدول قدمت الكثير، وأغلب مشاهير العالم من فنانين ولاعبي كرة القدم وغيرهم قدموا الكثير من الأموال، ونحن كأفراد عملنا قدر المستطاع، أعرف بعض العوائل تنازلت عن ثيابها ومصروفها الشهري بالكامل، وبدأت الجمعيات الكردية والعربية والتركية في سباقٍ مع الزمن لتقديم المساعدات والدعم اللازم للمدن المتضررة بالسرعة القصوى.
ومنها مؤسسة بارزاني الخيرية والتي لها تأثيرها الخاص على مدينة عفرين وأهلها ولما تعنيه هذه المؤسسة لهم من بعد قومي ووطني، وليس بالقليل إن ترفرف أعلام كردستان وأسم البارزاني في مدن وقرى عفرين.
حقيقةً في كل مكانٍ يرفرفُ عليه علم كردستان ويُذكر به أسم البارزاني، أو طيفٍ من خياله، يُزهر ذلك المكان بالخير والأمل والأخوة والقوة والشجاعة
شكراً سيادة الرئيس
شكرا حكومة الإقليم قيادةً وشعباً
القائد الذي لا ينسى شعبه رغم الصعوبات والتضحيات والتحديات، يجب أن يُبجل مدى الحياة