إبراهيم محمود
الصديق العزيز، صديق الكتاب، صديق الهدوء، صديق من يقرأ، ومن يجالسه، أعني به ” أبو إسحاق ” أعني به العزيز ملكي أفرام، الذي رحل إبان الظهور الصاعق لزلزال فجر الاثنين 6-2/ 2023.
كيف هو لون موتك هذا في هذه اللحظة الصادمة، والناس في غفلة مما جرى، والناس في بلبلة تجاه الجاري مما لا يُرى، إنما مخافة أن يُرى ما لا يُرغَب في حدوثه، ناحية ” ضرباته ” القاعية: الزلزال، أعني به من الأسفل إلى الأعلى، وخفض الأعلى بساكنيه، إن وجِدوا، كما هو صنيع المفجّر الأرضي.
كيف هو لون رحيلك الأبدي في مثل هذه اللحظة التي أعدمت في الناس البقية المتبقية من طمأنيتهم في وطن فقد اسمه، وأرض فقدت أي ضمان يشي بأمان ينام الناس طيّه بعيداً عن كوابيس مستجدة؟
لا أدري يا الصديق المعرفي العزيز كيف أصف رحيلك، وأنا أستدعي إلى الذاكرة القريبة جداً مكتبتك الجميلة وفيها أنواع وأنواع من الكتب، وما أكثرها من تنويعات مقابل القليل القليل مما يعنيك تحديداً في جانبك العقائدي، الديني: المسيحي تحديداً، مرة أخرى، وكنت بذلك، تريد التأكيد على أن هذه المكتبة هي هويتك الثقافية، وتقابل المجتمع القامشلوكي الذي أمضي فيه عمراً له وزنه الأثير، وأنت تستقبل كل المنتمين إلى هذه المدينة الثرية بألسنتها، عرباً، أرمناً، سرياً، وكرداً، وربما وأنت تحدثهم بلغاتهم، تعبيراً آخر عن هذا الانفتاح على الآخرين .
” أبو إسحاق ” العزيز.. لكم زرتك في شوق يتناسب ومحبتي لما اخترته عملاً، لأراك في مكتبتك، وأنا أقرأ محياك من خلال المستجد من عناوين الكتب باستمرار، رغم شكواك المقدَّرة والفعلية، بأن ” الناس ما عادت تقرا استاذ ابراهيم” وكنت أهز رأسي إيجاباً، أو أصمت، وللصمت كلام من نوع آخر، وأنا أمسح بناظريّ أغلفة الكتب المعروفة، أو عناوينها، وما كانت تنوع فيه من عناوين، وأنت تبسط نوعية منها على ثلاثة أرباع طاولتك، لأشاركك في ملاحظتك السديد: نعم أبو إسحاق، الناس ما عادت تقرا… لكم كنت أزورك، وفي شوق معلوم، كما لو أنني أزور بلداً بكامله، مكتبة حية تنفتح على جهات مدينتها المتعددة الألسنة، حين ألتقيك، وأنا جالس وراء كرسيك، وبالبشاشة المعهودة في وجهك، كنت ترحّب، وكنت تصفح، وكنت تسأل عن الصحة والأهل، وآخر النتاج…إلخ .
لا أدري أي مصير ستلقاه مكتبتك، كيف سترثيك بكل فئاتها العناوينية بمضامينها، وهي التي لقيت على يديك، رغم التقدم في العمر، الكثير الكثير من طراوة الروح، وبهجة الاحتفاء بالكتاب، ومن ثم تثمينه، والتشديد على أنك ستعنى به، وستقدَّم بموضوعات مختلفة، ما بقيت حياً.
لا أبالغ إن قلت ، إن مكتبتك بعنوانها الأثير” الإيثار ” كانت إيثاراً، وقد أجدتَ في اختياره عنواناً لمكتبة، وربما كان هناك من تحفظ عليه، لهوى في نفسه مباشرة، سوى أن الذي آثرت القيام به، ولسنوات تترى، لم يحد عن الاسم الجميل، بالعكس، بقي الاسم دالاً على حيوية معناه، وعلى ما يمكن للكاتب الكاتب، وللقارىء القارىء أن يتميز به، وأن يعرَف بها في علاقاته بالآخرين: إيثارياً.
نعم، أخي ملكي أفرام، أخي في المكان، وزمانه، أخي في الكثير مما هو ثقافي، وأخي في أمور كانت تروق لنا، ونحن نتجاذب أطراف الحديث في هذا الموضوع أو ذاك، فأجد نفسي، في كل مرة، كما لو أنني أكثر مما أنا عليه، وأعمق وأرحب مما أعرف نفسي به، ولست في شك أنك كنت أنت نفسك أبو إسحاق في مثل هذا الشعور القامشلوكي.
نعم، أخي ملكي، وأنا بعيد عنك، عن أهلك، عن مكتبتك، لكم كنت أتمنى أن أكون قريباً منك، وأنا أصافحك في روحك وقد انتشرت ظلاً دائاً في يوم ثقيل الوطء والمناخ كهذا، وأنا أعزي من هم قريبون منك، وأنا بينهم، وأقوم بواجب الصداقة، لأشعر أنني في المدى الفسيح الذي يتألق بروحك.
ورحلت يا العزيز ملكي أفرام، أبو إسحاق، حسبي أن أقول: نعم، رحلت، ولكن روحك وهي مشبعة بعبق الكتاب، والعمر الذي يضمنه الكتاب لما بعد رحيلك الأبدي، يبقيك حياً في ذاكرة كل صادق الكتاب حق صداقة، وانتمي، وينتمي إلى مدينتنا المشتركة بكل روعتها، رغم جرحها النازف منذ أكثر من عقد من السنين، وهي مأخوذة باسمك، ليس كأي اسم، في مفردك المعمّق جمعاً معزَّزاً.
نعم، نعم، أخي ملكي، الكبير عمراً وقدْراً، فقدتك صديقاً، وستبقى في الروح الصديقَ عينه !
دهوك الساعة الواحدة من ليل الثلاثاء، 7-2/ 2023 .