رئاسة اقليم كوردستان والتصدي للجبهة التركية القوية

    جان كورد

يقينا، إن أي نجاح تحققه الحكومة التركية على طريق مساعيها الجادة لتحقيق أحلامها الاستعمارية الكبرى في العراق، بعد أن فشلت فشلا ذريعا في اقتحام الاتحاد الأوربي وفي ادامة سيطرتها التامة على جزء هام من جزيرة قبرص، لن يكون بسبب حنكة وديبلوماسية هذه الحكومة التي وضعت حصانين لجرعربتها، التهديد العسكري والحراك الديبلوماسي المكثف، وانما بسبب الضعف الذي على الجانب العراقي عامة والكوردي خاصة في هذا الصراع الذي اتخذ حدة وقد يتحول إلى حرب ضروس…
الجبهة التركية في أنقره متينة، تضم الحكومة ومن ورائها البرلمان ورئاسة الجمهورية ومعظم الأحزاب والقوى والشخصيات، وجنرالات الجيش الطورانيين والشارع التركي العنصري الذي تأججت فيه نيران “الذئاب الغبراء” بصورة صارخة ومؤذية ومبتذلة حقا… ولم تعد هناك خصومة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، كما كان في عهد الرئيس السابق نجدت سيزر الذي كان مشهورا بعدم تعاطفه مع السيد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وكان يرى فيه منافسا وخصما قد يزيحه من منصبه ويستولي عليه، بلى على العكس من ذلك فإن الرئيس الحالي عبد الله غول لم يصل إلى منصبه إلا بدعم تام وشامل من صديقه ورفيق دربه الطويل أردوغان هذا.
صحيح أن السيد الرئيس مسعود بارزاني يتمتع بتأييد شامل من قبل سائر أطراف الحركة الوطنية الكوردية، في شتى أنحاء كوردستان والعالم، والأمة الكوردية تعتبره ناطقا رسميا باسمها، وهي مستعدة لأن تقدم له وللبيشمركه الغالي والنفيس، وهو يحظى بتأييد من البرلمان الكوردي في اقليم كوردستان والحكومة الكوردية وله شبكة واسعة من العلاقات الحميمة في العالم الحر الديموقراطي، تمكنه من التعامل مع المسألة وقدماه على أرض صلبة وثابتة، كما يتمتع بتأييد تام من الأستاذ مام جلال، رئيس جمهورية العراق الفيدرالي، والبرلمان العراقي وكذلك حكومة السيد نوري المالكي، إلا أننا على علم تام بأن شيئا ما ليس على مايرام ويراد له أن يكون… وهذا الشيء الذي يقلقنا جميعا هو الموقف الذي عليه حزب العمال الكوردستاني الذي اتخذت الجبهة التركية تواجده في الاقليم ذريعة أو سلاحا على رقعة الشطرنج التركية – الكوردية… على الرغم من أن القضية أكبر من حزب العمال الكوردستاني بكثي لأن تركيا تريد الاصطياد في الماء العراقي العكر لتستولي على ما تعتبره حقا لها، ألا وهو كامل لواء الموصل (كوردستان العراق) بثرواته المائية والبترولية، وتسعى للحصول على نسبة من واردات البترول العراقي في أسوأ الأحوال، حينما تفشل في تنفيذ مخططاتها العدوانية…
بعض المدافعين عن حزب العمال الكوردستاني يصورون الموضوع وكأن هذا الحزب قد قرر منذ سنين طويلة نقل ساحة معركته مع الجيش التركي إلى جنوب كوردستان ليدافع عن الشعب الكوردي هناك، فإذا كان هذا صحيحا فلينخرط كوادر هذا الحزب في عملية اعمار الاقليم وينتسبوا إلى قواته العسكرية وحرس الحدود ويحموا الشعب الكوردي هناك كما فعل بعضهم فعلا وليسحبوا الخنجر التركي من أيدي حكومة أردوغان بأن لايهاجموا القطعات العسكرية التركية في احرج الأوقات وأصعبها… طبعا هذا صعب حقا لأن تركيا المعتدية تثير الزوابع والسيناريوهات العسكرية وهي المباشرة في القتال، ولكننا نعلم بأن الأمر يحتاج إلى تضحية كبيرة من قبل حزب العمال لانقاذ رئاسة اقليم كوردستان من الاحراج الديبلوماسي الذي يجب أن لايحدث الآن مطلقا لرجل كالرئيس مسعود بارزانين حيث يقف وقفة بطولية في خندق المواجهة الأول في الدفاع عن الأمة الكوردية، ويذكرنا في وقفته هذه بشجاعة أبيه، البارزاني الخالد…
هناك نقاط ضعف في الجبهة التركية، كان بالامكان استغلالها بقوة، لولا التصرف الخاطىء لقيادة حزب العمال في هذه الظروف الحرجة والخطيرة من تاريخ حركة التحرر الوطني الكوردستانية، وأعني بالتصرف الخاطىء اصراره على التمسك بموقعه غير الهام سياسيا في جبال قنديل، هذا الموقع الذي يشكل أهم احراج لقيادة اقليم كوردستان العراق… ومن نقاط ضعف الجبهة التركية أن تركيا تحتاج للعراق وبتروله اكثر مما يحتاج العراق لقشطة وجبنة وورشات تركيا، إذ بالامكان أن يشتري العراقيون هذه المواد الغذائية من دول الجيران الأخرى، ايران وسوريا والأردن والسعودية والكويت، ولكن الأتراك لايتمكنون من شراء البترول بأسعار زهيدة من جيرانهم ، في اليونان وبلغاريا وقبرص وارمينيا وآذربايجان وسوريا، وإذا ما أردوا شراء البترول الايراني فإن عليهم تقديم خدمات سياسية كبيرة للملالي في طهران، والتنسيق معهم في مسائل تعتبر هامة لايران، مثل العراق الذي تختلف عليه تركيا مع الايرانيين في الكثير من النقاط، ومسألة امتلاك السلاح النووي ودعم حزب الله في لبنان ليضرب حليف تركيا الاسرائيلي في المنطقة…
كما نعلم بأن الاقتصاد التركي يعاني من مشاكل كبيرة، والعملة التركية تافهة القيمة، والبطالة على أشدها… وهذه نقاط ضعف كبيرة كان بامكان حزب العمال ضرب حكومة أردوغان من خلالها بقوة في المعدة والأحشاء، وبدلا عن زج مئات الألوف من المؤيدين في الشوارع ليطالبوا بتحسين الوضع الصحي والمكاني لزعيم الحزب وترديد شعار “يحيا آبو” صباح مساء، كان بالامكان تهيئة الجماهير الكوردية لمقاطعة شاملة وكاملة- في اوروبا وفي جنوب كوردستان على اقل تقدير- للبضائع التركية، والدخول مع الحكومة في معركة اقتصادية طويلة الأمد لاضعافها تمامها وشل حركتها السياسية… ويؤسفني أن أذكر بأنه في  إحدى المظاهرات الكوردية قبل سنوات في إحدى المدن الألمانية رأيت كادرا  سياسيا من شمال كوردستان يحمل بيده جريدة “حريت” التركية وباليد الأخرى سجقا تركيا يقضمه، فقلت له :” أخي، انتم تجمعون آلاف الأكراد من أجل الاستقلال عن تركيا، ولا تستطيعون الاستغناء عن السجق التركي والجريدة التركية المعروفة بعدائها للشعب الكوردي.” فأجابني بعد ابتلاع ما في فمه والخجل باد على وجهه:”لقد نسيت شيئا آخر يا رفيق!”(وهؤلاء يقولون لكل الناس: هﭭال أي رفيق)، فسألته:” وماذا نسيت؟” فابتسم وقال مؤدبا:”اللغة التركية أيضا”…  
لايهمني حقا أن يحب أعضاء ومقاتلو ومؤيدو حزب من الأحزاب زعيمهم أكثر من أي شيء آخر في الدنيا، أو يقدسوه، فهذه مسائل وقتية ترتبط بتطور المجتمعات ورقيها، وتزول في معمعة التطور الاجتماعي – الثقافي والتقدم الاقتصادي، ولكن أن تسخر كل إعلامك وطاقاتك الجماهيرية لعقود من الزمن لخدمة شعار واحد، الا وهو تقديس الزعيم، وتهمل كل المسائل الأخرى في أحرج الظروف التاريخية لأمتك، فهذا يثير لدي الشكوك أحيانا… الوفاء للزعيم شيء والقضية الوطنية الكبرى شيء آخر، ولكن مع الأسف أجد حزب العمال الكوردستاني واضعا زعيمه فوق القضية الوطنية وليس العكس… وهذا يعني أنه  لايزال يخضع لسياسة “عمرانلي” بدلا عن انتهاج سياسة “قنديل”… وكل من يحاول اقناعنا بأن سياسة زعيم معتقل لدى العدو وسياسة رجال أحرار في الجبال متطابقتان، فإنه يريد خداعنا وتضليلنا، لأن هناك اختلافا جوهريا بين عقلية السجين والمقاتل الحر…ولذا فإن المعتقل يجمد من العمل الحزبي إلى ما بعد خروجه من المعتقل لفترة طويلة في كل الأحزاب السياسية…
ما أريد قوله الان هو أن نبني جبهة كوردية متماسكة من خلال تبني موقف مشترك وصحيح يتمثل في:
– الرفض التام من كل الأطراف الكوردستانية لسياسة الحكومة التركية تجاه الأمة الكوردية ومطالبتها من خلال تعزيز الديبلوماسية الكوردستانية بالكف عن التعامل اللاأخلاقي مع الكورد وكوردستان.
– مواجهة الكورد للحصار الاقتصادي التركي لاقليم كوردستان بمقاطعة البضائع التركية في شتى انحاء العالم.


– التراجع عن فكرة “الجمهورية الديموقراطية التركية” والتغني ب”الأتاتوركية” التي طرحت لفترة طويلة في إعلام حزب العمال الكوردستاني وسياسته الرسمية، والاصطفاف تماما في خندق النضال الكوردستاني بشعار كوردستاني ديموقراطي سلمي واضح المعالم، دون تردد…
– دعم جهود رئيس اقليم كوردستان، الأخ المناضل مسعود بارزاني لابعاد الخطر التركي عن اقليم جنوب كوردستان، من خلال تعميق التحالف الشمالي – الجنوبي في كوردستان وانخراط حزب العمال الكوردستاني في هذا التحالف دون قيد أو شرط ، وليس مجرد استغلال الموقف البارزاني لأغراض تكتيكية مرحلية بهدف اثبات صحة الموقف الخاص بالحزب ثم الانقلاب على هذا الموقف مستقبلا بهدف تحقيق مكاسب حزبية ضيقة…
– بذل الغالي والرخيص، من قبل كافة أطراف حركة التحرر الكوردستاني، لهذا التحالف الذي سيكون نواة جبهة وطنية كوردستانية واسعة، قد يؤدي تطورها وتوسعها إلى تحقيق وحدة سياسية لقوى الأمة الكوردية مستقبلا…
– افساح المجال أمام الفلاحين للعودة إلى قراهم في المناطق الحدودية التي أبعدهم عنها حزب العمال الكوردستاني في أوقات سابقة…
– ضم وحدات الكريلا العمالية إلى قوات حفظ الحدود في اقليم كوردستان للقيام بواجب الدفاع عن الاقليم ، لأن على الكورد أن لايلدغوا من حجر مرتين كما حدث لهم في مهاباد في عام 1946… وإلا فعلى هذه الوحدات الكف عن استخدام جبال الاقليم وأراضيه بشكل يعرض الاقليم لأخطار تدخلات أجنبية…
هذه قد تكون مجرد أحلام وآمال، ولكن باعتقادي أن الكورد الذين تعرضوا للكثير من الويلات والمصائب في تاريخهم، وتمكنوا مع ذلك من انجاز الكثير على طريق الحرية والديموقراطية في سنوات قلائل وانتزعوا اعترافا دوليا بذلك، بامكانهم أيضا تحقيق هذه الأحلام والآمال، في أقرب وقت، والكرة الآن في مرمى حزب العمال الكوردستاني دون غيره من الأحزاب في كوردستان، وآمل أن لايخذلنا هؤلاء الذين ينشقون نسائم الحرية في جبال قنديل…

  02.11.2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…