لماذا هذا العداء لشعبنا الكردي ؟؟

افتتاحية جريدة «آزادي»
رئيس التحرير

   تتوالى الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتتداخل في علاقاتها وارتباطاتها بهذا الشكل أو ذاك، وهي نتائج طبيعية لحالات الاحتقانات المزمنة ، كما أنها حصيلة طبيعية لمجمل التناقضات والصراعات القائمة على عقلية نفي الآخر وثقافة الإقصاء  سواء لجهة التخلف السائد أو لهيمنة الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على مقاليد السلطة في هذه البلدان، تلك التي لم تتآلف بعد مع جوهر ومعاني التعددية الحقيقية الإنسانية السامية وخصوصا القومية والسياسية القائمة في المجتمعات الحضارية المتقدمة على أساس من التفاهم والعيش المشترك
وفي بلدان أخرى ديمقراطية ولو أنها أقل تقدما جعلت من التعددية عامل قوة وجمال لبلدانها لأنها حققت لشعوبها شراكة حقيقية بكل معانيها و فسحت المجال واسعا لكل الإمكانيات المادية والثقافية دون تمييز لتأخذ سبيلها في المساهمة لتطوير هذه البلدان وتقدمها..
   ولعل القضية الكردية في بلدان (تركيا، إيران، سوريا- العراق) تشكل إحدى أهم المعضلات القائمة في المنطقة تاريخيا والتي عانى الشعب الكردي وما زال جراء تفاقمها نتيجة أحابيل هذه الأنظمة ومؤامراتها واتفاقاتها الأمنية ضده إلى جانب ممارساتها سياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري حياله ومحاربته بشتى وسائل القهر وسياسة الصهر والتذويب تتريكا وتفريسا وتعريبا وصولا إلى ممارسة الجينوسايد (الإبادة الجماعية) بحقه في بعض المراحل المعاصرة، هذا فضلا عن حرمانه من أبسط حقوقه القومية وحتى الإنسانية، لدرجة عدم الاعتراف الرسمي – من لدن هذه الأنظمة – بوجوده كشعب أصيل في المنطقة  يعيش على أرضه التاريخية إلى جانب الشعوب الأخرى منذ فجر التاريخ..
   وكان من أبرز ما أثار حفيظة وقلق هذه الأنظمة تلك المتغيرات الكونية التي عصفت بالعالم منذ انهيار المنظومة الاشتراكية والأنظمة الاستبدادية التي كانت تحوم في فلكها، وصولا إلى البلقان وأفغانستان وحتى سقوط الدكتاتورية في العراق، خصوصا وأن المتغيرات تلك قد حملت عناوين وسمات أساسية في مناهضة الدكتاتورية والاستبداد والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وعلى أساس إشاعة العدل والديمقراطية وحقوق الإنسان في مكانها، لتزف إلى الشعوب المغلوبة على أمرها بشائر البهجة في تحقيق تطلعاتها وأمانيها في حياة سياسية جديدة تمكنها من إدارة ذاتها وحكم نفسها بنفسها وممارسة حياتها السياسية من أجل توفير مستلزمات التنمية الاقتصادية والعمل من أجل تعزيز عوامل البناء والتقدم دون قيود أو إكراه من أحد..
   وما زاد من مخاوف الأنظمة الإقليمية ولاسيما التي تقتسم لكردستان وللشعب الكردي هو مستجدات الوضع العراقي – رغم كل الصعوبات الأمنية والاقتصادية والمعيشية- وما نتج عن هذه المستجدات من توافق سياسي ودستوري يراعي مصالح وحقوق كل مكونات المجتمع العراقي القومي والديني والسياسي، في نظام فيدرالي تعددي يعطي إقليم كردستان العراق خصوصيته ويقر بشرعية مؤسساته الرئاسية والحكومية والبرلمانية ..الخ ، وما عزز في كل ذلك هو قرار الكونغرس الأمريكي الأخير الذي يدعو إلى حماية هذا النظام الفيدرالي وضرورة ترسيخه كسبيل لفض النزاعات التي يعاني منها الوضع الأمني العراقي وتعزيزا للحياة الديمقراطية الجديدة ، الأمر الذي تخشاه هذه الأنظمة هو نقل تلك التجربة الديمقراطية إلى بلدانها كونها شبيهة في تركيبتها الاجتماعية إلى حد ما للمجتمع العراقي، وهي الأخرى تعاني من قضية كردية في بلدانها تقتضي حلولا مماثلة، ولذلك كانت الحملة الإعلامية الشعواء التي شنتها هذه الأنظمة ومن في فلكها على قرار الكونغرس الأمريكي بذريعة الخوف على وحدة العراق أرضا وشعبا متناسية أن الحياة السياسية الجديدة هي حصيلة قرارات وتوافقات المجتمع العراقي نفسه ينبغي احترامها..
   من هنا كان افتعال النظام التركي مؤخرا لأزمة مع إقليم كردستان بخصوص تركمان العراق وهوية مدينة كركوك!! واليوم يفتعل من جديد مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني ولاسيما المتمركزين منذ سنوات خلت في جبل قنديل الشهير بطبيعته الوعرة الواقع في أقاصي شمال إقليم كردستان العراق مع الحدود التركية، ليجعل من هذا الوضع ذريعة في محاولة للانقضاض على تجربة كردستان العراق الديمقراطية، وليأتي النظام السوري وعلى لسان رئيس الجمهورية بشار الأسد- إثر زيارته الأخيرة لتركيا- ليبرر له تدخله واجتياحه العسكري لأراضي دولة العراق العضو في جامعة الدول العربية (الموقف الذي جوبه بالرفض والإدانة من قبلنا وعموم الشعب الكردي) ومن الجدير ذكره أيضا ما افتعله النظام الإيراني مؤخرا وفي توقيت قريب من توتر وصل إلى مستوى  إغلاق الحدود لفترة مع إقليم كردستان العراق بدعوى درء نظامه خطر مهاجمة مقاتلي PJAK الذي وصفه بالإرهابي من أراضي كردستان العراق (هذا الحزب هو أيضا امتداد لحزب العمال الكردستاني في إيران)..
   ولنا أن نتساءل لماذا كل هذا العداء من هذه الأنظمة لشعبنا الكردي؟؟ أليس حري بها التجاوب مع المرحلة وسماتها ومتغيراتها؟ أليس من مصلحة أوطانها حل القضية الكردية في بلدانها حلا ديمقراطيا عادلا وتوفير مناخ التفاهم والتعايش بمحبة ووئام بدلا من معاداتها ودس الأحابيل في طريق تطورها؟ أليس من مصلحتها الاستفادة من حقيقة الوجود الكردي التاريخي إلى جوارها بدلا من دفعها نحو مواقع المعاداة لها؟ ثم لماذا ترى هذه الأنظمة من حقها الغيرة على أبناء جلدتها في كل مكان ومد يد العون لهم وترفض هذا الحق للآخرين؟ لماذا يرى النظام التركي من حقه التدخل لمؤازرة التركي أو التركماني أينما كان سواء في قبرص أو في العراق أو في سوريا أو في إيران أو في جمهوريات السوفييت السابقة؟ ولماذا يرى النظام السوري من حقه رفع شعار وحدة العرب من المحيط إلى الخليج وشعار تحرير كل بقعة مغتصبة من أرض العرب وعلى امتدادها؟ ولماذا يرى النظام الإيراني من حقه الحلم بإمبراطورية تمتد على أوسع بقعة جغرافية لها امتداداتها العميقة الثقافية والسياسية والدينية؟ لماذا ترى هذه الأنظمة كل ذلك من حقها؟ ولماذا تستكثر على الشعب الكردي – الذي يربو تعداده عشرات الملايين- حل قضيته على مستوى أوطانها؟ لماذا ترى في بناء الدولة القومية لهذا الشعب تمزيقا لدولها وبالتالي جريمة انفصال لا تغتفر؟ (مع أن دعوة كهذه لم تطلق بعد)، ورغم أن له كل الحق فيها بحسب القوانين الدولية وبالاستناد إلى حقائق التاريخ والجغرافية التي أقرت ذلك للعديد من الشعوب التي لا يتجاوز تعداد سكانها المليون مواطن وعلى بقع جغرافية لا تزيد مساحاتها عن مساحة محافظة من محافظات كردستان وفي أي جزء من أجزائها الربعة!!..
   إن من بواعث التفاؤل بمستقبل عموم الشعب الكردي هو تقدير هذا الشعب لتجربة كردستان العراق الديمقراطية أولا والمساهمة الممكنة في حمايتها والحرص عليها بأي ثمن لأنها تشكل حلقة مركزية في سلسلة تطورات القضية الكردية المعاصرة، كما أنه  معني باتخاذ العبر والدروس من تجارب معاناته لعقود خلت ذاق خلالها مرارة الحرمان والاضطهاد ليتعاطى بحكمة مع جيرانه من الشعوب المتعايشة الأخرى وليمد يد التآخي والتفاهم على أساس من الاتحاد الاختياري الحر ووفق قاعدة الاعتراف المتبادل بحق كل منهما بتقرير مصيره بنفسه، ومن هنا فإن النظام التركي مدعو لاحترام إرادة المجتمع العراقي في اختياره النظام الفيدرالي الديمقراطي والتعاطي الرسمي مع رئاسة وحكومة وبرلمان إقليم كردستان، لأن خلاف ذلك إنما هو بحد ذاته  مساس بعلاقات الجوار وسيادة دولة العراق، كما أن هذا النظام مدعو إلى حل قضية الشعب الكردي في بلده عبر الحوار الديمقراطي مع الحركة السياسية الكردية لأن الحلول العسكرية غير ممكنة قطعا ولا تعد حلولا وباي شكل من الأشكال، كما أن الدول الأخرى المعنية أيضا – سوريا وإيران – هي الأخرى مدعوة لفتح حوار بناء ومتكافئ  مع الحركة السياسية الكردية بغية حل القضية الكردية في أوطانها حلا ديمقراطيا عادلا في إطار وحدة هذه البلاد وبما يساهم في تطورها وتقدمها، والعمل معا دون خلفيات مسبقة للتجاوب السريع مع مستجدات المرحلة والتفاعل الصادق مع المتغيرات الكونية التي تتداخل في قيادتها الدول الصناعية العظمى والمجتمعات والقوى الديمقراطية بمساندة المجتمع الدولي ممثلا بهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، وذلك لمواكبة التطورات العالمية وتوفير عوامل التنمية والتقدم بما يحقق الرفاهية الاقتصادية ورفع السوية السياسية والثقافية والمعرفية والتكنولوجية لهذه الشعوب..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا.

العدد 391 – تشرين الثاني/ نوفمبر 2007م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…