عز الدين ملا
ما يظهر لنا جميعاً أن القيم والمبادئ أصبحت بخبر كان، ووضِعَت في صندوق حديدي وقُفِلَ عليه بمئات الأقفال حتى لا يتمكن أحد من فتحه، حتى ولو تم فتح قفل يكون هناك أقفال أخرى مغلقة، وهكذا أصبح زمننا زمن التفاهة والعهر السياسي.
وما نشهده على الساحة الإقليمية والدولية من فوضى واضطرابات ليست سوى خططاً وسيناريوهات فعَّلتها دول عن سابق إصرار وترصّد ولغايات دنيئة، في وقت تعيش فيه شعوب الشرق الأوسط في مستنقع من القتل والدمار والتشرد، يظهر وسط هذه المعمعة حدث رياضي كُلِّف المليارات من الدولارات، فقط للترفيه وتلميع الأحذية، أولاً، وتبويس الأيادي، ثانياً، لستُ ضد هذا الحدث لأنني من محبي المونديال ولكن البذخ المفرط الذي يفوق الخيال ما دفعني إلى الحديث عن هذا الموضوع.
انطلقت مباريات كأس العالم في العشرين من شهر تشرين الثاني في دولة قطر، واحتفل العالم ببدء افتتاحيته، وبدء صافرة انطلاق المونديال الأضخم في التاريخ من حيث البذخ المفرط من جهة ومكان انطلاقه في وسط أكبر مآسي الإنسانية في التاريخ. وفي نفس الوقت كانت هناك هجمات عسكرية جوية عنيفة على إقليم كوردستان العراق والمناطق الكوردية في سوريا.
دعنا من هذا، بما أنني كوردي، يأتي الآخر ويقول إنه يبكي فقط على نفسه. هنا، نتحدث عن الأموال الهائلة التي صرفتها دولة قطر على تجهيزات المونديال الكروي، والتي قدَّرت حسب ما تمَّ تداوله في الوسائل الإعلامية بمئتي وعشرين مليار دولار أمريكي، في حين كان المبلغ الذي تمّ صرفه على آخر مونديال كروي حوالي ثمانية عشر مليار دولار أمريكي، يتبادر إلى أذهاننا جميعاً ضخامة هذا المبلغ وحجمه مقارنة بمحفل كروي لا يتجاوز عدد أيامه الشهر من الزمن. في وقت يعيش الشعب السوري الذي يعتبر على ذمّة من يقول إن سوريا قطر من أقطار الوطن العربي، أي إنها جزء من الشعب العربي ومنذ أكثر من أحد عشر عاماً في أسوأ مأساة إنسانية، أكثر من عشرين مليون سوري يعيشون في المخيمات في الداخل والخارج أو نازحين من مناطقهم إلى مناطق أخرى في الداخل السوري، عدا الوضع المعيشي الصعب نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات وعدم القدرة الشرائية لدى معظم السوريين، نتيجة ذلك يموت الآلاف من السوريين نساءً وأطفالاً وشيوخاً جوعاً وبرداً، في وقت يستطيع جزء من هذا المبلغ القطري إخراج السوريين من هذا العناء وتحقيق حياة كريمة ومستقرة إلى حين تستقر الأوضاع في سوريا الحبيبة.
دعنا من هذا أيضاً، بما أنني كوردي سوري، سيأتي آخر ويقول، لأنه سوري يقول ذلك.
في الدول الاسلامية بما أن قطر دولة إسلامية، هناك الآلاف لا بل الملايين من المسلمين في اليمن وليبيا والصومال وأفغانستان وفي أفريقيا وآسيا يموتون جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً، كان من الممكن لجزء من هذا المبلغ إخراج كل هؤلاء المسلمين من معاناتهم ومآسيهم، أليس الله ورسوله من دعا المسلمين إلى التكاتف والتعاضد والتكافل والمساعدة.
ودعنا من هذا أيضاً، يأتي واحد من بين هؤلاء ويقول، لأنه كوردي سوري مسلم يتحدث ذلك، هناك الآلاف أو الملايين لا بل مئات الملايين من الناس في أرجاء المعمورة يعيشون في أهوال من الفقر المدقع، بالإضافة إلى مئات الملايين من الأطفال بحاجة إلى رعاية وتربية وتعليم، هنا ألا يجب الإحساس بالإنسانية والقيم النبيلة.
بدلاً من أن يتم تقديم كل ذلك لوجه الله تعالى، هم يقدمون كل هذه الأموال وفي هكذا مناسبة لوجه أوروبا وأمريكا ويحافظون على سلطاتهم، ويخفون وجوههم البشعة وأياديهم الملطخة بدماء المسلمين.
لذلك، ما يجب أن يقال، أننا صُدمنا بما تمَّ تعليمنا في الدين الإسلامي أولاً وفي المدارس ثانياً من أن الإنسانية واحدة ومشتركة، ليس لأن المشكلة في الدين الإسلامي أو في المدارس، بل المشكلة ما هو موجود في نفوسنا وقلوبنا من الأنانية والأحقاد ضد بعضنا البعض كإنسان. فالحديث النبوي، يقول رسول الله صل الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، أين المسلمون في زماننا من هذا الحديث؟ ليس لدي ما أقول سوى، لنا الله في محنتنا ونحن نستمد قوتنا وعزيمتنا من الله وحده، وليس لكم سوى مزبلة التاريخ.