لاشك أن السعي لبناء مرجعية حاضنة للحركة الكردية باتت إحدى القضايا المركزية العالقة منذ فترة والتي يجب أن تشغل اهتمام معظم الفصائل السياسية لتعير كل الاهتمام والالتفاف حول وحدة الصف الكردي بعزيمة صادقة كون تلك القضية باتت من المستلزمات الأساسية للنضال السياسي والديمقراطي وتشكل العامل الأساسي الذي يطور واقع الحركة مانحة إياها كل القوة والتأثير في الأحداث الكردية والوطنية وقيادة الجماهير وتحديد فعالية الحركة الوطنية الكردية في سوريا وإيجاد مرتكزات الوعي والثقافة للتعددية الإيجابية مع رفض التشرذم والانشقاقات الشاذة وغير المبررة ورفض الانخراط في دوامة التجزئة والفرقة المبددة للطاقات وتحقيق التفاعل بين كل الأطروحات والوسائل النضالية وبالتالي توحيد الخطاب السياسي في الأوساط الشعبية والجماهيرية وفي المحافل الوطنية والإقليمية والدولية واحتلال موقع فاعل ومؤثرفي الساحة الوطنية وتقديم مشروع استراتيجي واضح المعالم للرأي العام
إذ لا يعقل أن تربط الحركة آمالها على التمنيات أو أن تعقدها على التغيير اللاإرادي أو أن تتواكل على الزمن المفتوح وإن عدم السعي الجاد لتبني مرجعية حاضنة لإرادة الشعب إنماهي لإشارة واضحة إلى تأويل التعددية المفرطة المعبرة عن الفوضى السياسية ورفض الوسائل الواقعية للنضال المعاصر لأن التعددية غير المبررة والمفرطة والانشقاقات الشاذة عبث بآمال وطاقات الجماهير، لا شك أن حركتنا الوطنية تتعرض باستمرار لمؤامرات ويد س في جذورها من الدسائس والتي بسببها تعاني الحركة مظاهر التجزئة وغياب مظاهر التعاون والتنسيق والوحدة بين أطرافها لقلة المؤهلات وتغليب الطابع الحزبي والشخصي على الطابع الوطني والقومي للقضية وتزايد مظاهر الانكفاء واستفراد كل فصيل بالقضية.
هذه الفوضى السياسية والعواقب الوخيمة الناجمة عنها أثرت على الجماهير وبدأت الصورة المتكاملة للنضال تتغيب بسبب عدم نجاح الفصائل الكردية من الوصول إلى مرتكزات الالتقاء والتعاون والتوافق والانضواء تحت راية واحدة, وإذا كانت الحركة تعاني الآن حالة من التشتت نتيجة لتغييب الكثير من العوامل والمرتكزات التي تشكل أساساً وقاعدة صلبة لتكامله وتفاعله , فإن ما هو قائم الآن حسب واقع الحال يعد مرحلة راهنة وعابرة في سياق التطور التاريخي مما يفرض على الجميع بالإضافة لجهود الخبرات من المثقفين ,وأصحاب النزعات الوطنية والعمل الدؤوب والجاد وبروح المسؤولية,دون مخاوف من المصالح الخاصة لتوفير الأسباب والعوامل المهيئة لإعادة ترتيب البيت الكوردي, الحاضن الذي سيمكن للحركة القدرة على الوقوف بقوة وفعالية على الحاضر وتحديد مسار المستقبل.
ولعل الجميع يدرك يقيناً أن تبني مرجعية كوسيلة نضالية شاملة وجامعة يرتبط بوعي الماضي والحاضر حيث لا توجد حتميات مفروضة خارج سياق التاريخ والإرادة البشرية ,لأن البشر هم وحدهم يصنعون ويحددون مساراتهم المفتوحة من خلال وعيهم واستخلاصهم عبر الماضي ومآسي الحاضر ومتطلبات المرحلة وطموحات المستقبل المنشود ولعل نظرة دقيقة وشاملة لواقع الحركة المتشرذم تجعلنا أن نرى أن هناك مسافة كبيرة وهوة واسعة بين الحقيقة والواقع فالجماهير تمتلك نوايا صادقة ,وهموماً جداً وطنية وإمكانات واسعة وتطلعات مستقبلية ومرتكزات حضارية ,ونخب مثقفة وشباباً واعدين , وتفهماً على التغيير الهادف والتجدد رافضين مفهوم التواكل والتغيير اللاإرادي,ومتفهمين لحقيقة ضرورة معالجة الأسباب دون النتائج ,أما في الواقع الراهن فإن هذه القدرات والإمكانات مغيبة على أرضية التجزئة وتأويل التعددية المفرطة والارتياح النسبي لحالة غياب التعاون والتضامن والتنسيق وفقدان التوجيه والتأثير والسيطرة على توجهات بعض النخب الجماهيرية أيام المحن والشدائد ,كالنخب الشبابية إزاء بعض الأحداث.
‘ن تجاوز الواقع القائم يتطلب من الجميع التعامل الواعي والمتفهم للأمور ,لتوفيرالفرص واستغلال وتهيئة الأسباب والابتعاد عن ردود الأفعال السلبية , والتصرفات اللامسؤولة , والانطلاق من قوة وعدالة القضية والسعي إلى تعزيز مكانتها في الساحة الوطنية والمجتمع الدولي من خلال مشروع قومي نهضوي متكامل يستوعب الواقع القائم وطبيعة العالم الجديد ,الذي يتكون في ظل معطيات الثورة العلمية ,ثورة المعلوماتية والاتصالات والجينات في ظل تحديات مآسي الواقع وفي سياق ذلك تصبح عملية التحدي التاريخي أمام الجميع هي كيفية تبني المرجعية التي تشكل الأساس الواقعي النضال العصري وقد أثبتت مسيرة التطور بمظاهره المتباينة من اجتماعية وغيرها عرضة للتغيير الهادف والمنسجم مع الحدث وروح العصر وتتم بواسطة الإنسان المؤهل بالوعي والثقافة وكنتيجة لسلوكه وطبيعة اختياره وتصميمه ونبذ الأنانيات والمحسوبيات وحمية الماضي الأليم ، إذ لم تعد الحركة بحاجة إلى كل من ليس لديه مؤهلات نضالية , أو الذين لا يحملون هموم شعبهم , إلا مصالحهم وهمومهم الخاصة أو الضالعين في نشر حالات الفوضى والتحريض غيرالمسؤول على التكتلات والانشقاقات غير آبهين بالمصالح العليا للشعب وتحويل اختلافات إلى خلافات, والمحاولات الرامية لجر البعض إلى مواقع الصراع الكردي الكردي , وكذلك لم تعد الأعذار المروجة لحالات الإحباط واليأس أو حوار الطرشان من أجل الحوار لتضييع الوقت بغية المراوحة في المكان أو إطلاق الصيحات في الوديان أو عرض التوافقات المشروطة بالحصانة الهيئية
ونقر بالحزم أننا لا نعيش في مناخ مغلق ومعزول حتى يبريء كل فصيل نفسه وأن يتهم الكل الكل أو أن يتربص البعض سوءاً بالحركة , بل نعيش في عالم ٍ مفتوح ومحيط مليء بوسائل الأعلام وقد أظهرت التجارب أسراراً كانت بالأمس مخفية فلا بد أن نستهدي بالآخرين, الذين أبدعوا وأن نمارس دورنا كشركاء في الحياة العامة وأي تأخر عن قطار الزمن سندفع ثمنها تقهقراً وتراجعاً إلى الوراء وآباداً طويلة ومريرة من النضال ولابد من الأخوة المعنيين أكثر من غيرهم أن يدركوا أن لا مهرب من التغيير الهادف وقبول الخيارات والأولويات المواكبة والمتوافقة مع الحدث وضرورة التعامل مع الأفعال لا مع ردود الأفعال , وامتلاك حسابات وسائلية عصرية واعية ومتفهمة لمجريات الأمور والأحداث, على مستوى سقف المرحلة وحجم المطالب وروح العصر وضرورة القيام ببعض المراجعات لعدم الانزلاق إلى مواقع المساءلة والمحاسبة من قبل الآخرين ولو بعد حين , فالإنسان المهيأ بخصوصياته القدراتية والمؤهلات النضالية الذي يبقى محافظاً على سلامتها ومصونتها وتفعيلها أياً كان موقعه.
وأخيراً فنحن جميعاً مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن نواجه من جديد سؤال الوجود في إطار التاريخ ,والتكيف مع ما تطرحه صيرورة التطورات العصرية والضرورات الحتمية.
—————–
* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) العدد (395) تشرين أول