صلاح رشفاني
في عام 1930 قال وزيرالعدل التركي محمود أسعد في خطاب له أثناء حملة إنتخابية:
إننا نعيش في تركيا أكثر بلدان العالم حرية… والتركي هو الحاكم الأوحد والسيد الوحيد في هذا البلد. أما أؤلئك الذين لا ينتمون إلى العنصرالتركي النقي فإن لهم عندنا حق واحد لاغير، ألا وهو حقهم في أن يكونوا خدما، حقهم في أن يكونوا عبيدا. فليفهم أصدقاؤنا وأعداؤنا سوية هذه الحقيقة، ولتفهما الجبال هي الأخرى كذلك…
وفي الخمسينيات حيث كان يحكم حزب العدالة، وفي إحدى جلسات مجلس الشيوخ التركي طرح أحدهم فكرة تحديد النسل في تركيا، وأثناء مناقشة هذا المشروع هب السيناتور المدعو: سعاد سرن بصفته مندوبا عن سبارته وهو عضو قيادي في حزب العدالة رافضا لمشروع تحديد النسل الذي طرحه زميله قائلا:
إن تطبيق تحديد النسل سيؤدي إلى نقص الولادات لدى المرأة التركية التي ستلتزم بتحديد الإنجاب، بينما ستظل النساء الكرديات لاتطبقن تحديد النسل وبالتالي سيزيد عدد أولاد الأكراد على عدد أبنائنا، وبذلك ستقوى شوكتهم – الأكراد – وهم أعداؤنا بالدرجة الأولى.
وفي فترة حكم الحزب ذاته وحيث كان عدنان مندريس رئيسا للحكومة في أواخرالخمسينيات قدم وزيرالداخلية في أنقرة أنذاك المدعو: الدكتور نامق كه ديك تقريرا مفصلا ضمنه الخطة الآتية:
إننا بحاجة إلى شئ جديد على الصعيد الداخلي، والخطة تقضي أن تقوم أجهزة الإستخبارات بوضع قائمة لستة ألاف كردي خاصة من البارزين، ونحن نعتقلهم بتهمة الشيوعية وبعدها نقتلهم جميعا. وبهذه العملية سوف نستفيد من شيئين:
أولا: نتخلص من خطر الأكراد، ونرهب بقية المعارضين في الداخل.
ثانيا: نكسب دعم أمريكا ونحصل منها على معونات مالية ضخمة.
تم إحالة هذه الخطة إلى مجلس أمن الدولة التركي الذي درس الخطة وأعادها بدوره متكاملة إلى الحكومة لإقرارها.
وأثناء جلسة مجلس الوزراء تم تقديم خطة مجلس الأمن التركي في الإجتماع حيث لقيت قبول الحاضرين وكاد المجلس أن يقرها لولا إحتجاج وزيرالخارجية آنذاك المدعو: فطين رشدو زورلو الذي إعترض بقوة قائلا:
في حال تنفيذ هذه الخطة سوف أستقيل، حيث لازلنا نتعرض في الخارج إلى إنتقادات حول مسألة الأرمن والأكراد سابقا. فكيف سأسافر بعدها إلى الخارج، إنني لا أستطيع ذلك…
فتدخل عدنان مندريس – رئيس الحكومة – في الأمر، وعرض فكرته قائلا:
لاحاجة إلى ذلك، فمادام وزير الداخلية قد هيأ التقرير، سنطلب تحديد أسماء للأكراد البارزين مع بعض الدلائل على نشاطاتهم الكردية، وثم نعتقلهم على دفعات وأقساط وبذلك سننفذ الخطة على مراحل ولا نحرج وزيرالخارجية، ولا داعي لإستقالته.
ونفذت العملية فعلا. وجرى إعتقال رجالات الأكراد على دفعات:
الدفعة الأولى: تسعة وأربعين شخصا وقع عليهم الإختيارواعتقلوا يوم 19 كانون الأول 1959 بتهمة النشاط القومي الكردي، وكان معظمهم من المحامين والمهندسين وطلبة الجامعات وجرى تعذيبهم، وأدعوا في سجن الكلية العسكرية في إستانبول وفي زانزانات إفرادية غير صحية. فأصيب معظمهم بالأمراض والأوبئة، ونتيجة لذلك توفي السيد أمين باتو من قرية تنات قضاء نصيبين وكان طالبا في السنة الرابعة من كلية الحقوق.
الدفعة الثانية: إعتقلت بعد إنقلاب أيار/ مايو 1960. وكان عدد أفرادها ثلاثماءة وثمانون شخصا. حيث جرى تجميعهم في مقر للجيش بمدينة سيفاس بأمرمن الجنرال محرم قيزل أوغلو. وقد صرح هذا الجنرال عبر الراديو مبررا إعتقالهم قائلا:
كان والدي جلادا للشرق، وأنا سأكون جلادا للأكراد.
وأصدر وزير الداخلية نامق كه ديك قراربقتلهم جميعا في المعسكر. لكن جمد الجنرال جمال غورسل قرار وزير الداخلية. وبعدها حوكموا صوريا وطبقت عليهم بحقهم المادة رقم 105 من قانون العقوبات العسكري ونفي خمسة وخمسون منهم وكان على رأسهم المحامي فائق بوجاق الذي إغتيل بعد خروجه من السجن وفق خطة إستخباراتية.
أما الدفعة الثالثة: فكانت في سنة 1963 حيث إعتقل أحد عشرشخصية كردية بتهمة تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وكان من بينهم السيد سعيد آلجي أحد مؤسسي الحزب والمحامي موسى عنتر. وإمعانا في إهانتهم تم نقلهم إلى سجن سئ الصيت – وكان آنذاك مخصص للمجرمين والمدمنين والشواذ – في أنتاليا.
أما في عهد حكم إئتلاف حزب أردوغان مع الحزب القومي العنصري التركي، ومع تسليم ملف القضية الكردية لحزب بخجلي الطوراني فقد رأينا كيف يتم الإستمرار في تطبيق السياسة العنصرية في التعامل مع جميع أجزاء كردستان وشعبها دون أي اعتبار للقيم الدينية والأعراف الدولية ولائحة حقوق الإنسان.
وما عملية تفجير إستانبول الأخيرة سوى حلقة جديدة من سلسة الخطط الإجرامية التي ترمي إلى القيام بحملة جديدة ضد الشعب الكردي ليس في سوريا وحسب وأيضا جنوب كردستان وبل في شمالها بطبيعة الحال.
ولكن مسرحية تفجيرشارع الإستقلال الأخيرة في إستانبول كانت مفضوحة لدرجة أن الرأي العام العالمي قد إستقبلها عبر وسائل الإعلام باستهجان وسخرية وفضحتها معظم الصحف في هولندا و ألمانيا و فرنسا وسويسرا …
ولكن هل سيتخلى الذئب عن غريزته لإيجاد ضحايا جدد كلما دعته طبيعته للنيل من الفريسة مسيرا بوحشيته وتعطشه للبطش والقتل؟
وهل ستتخلى الحكومات التركية عن إستخدام الشعب الكردي أداة لتنفيذ مخططاتها في تثبيت أركان حكمها وتبرر تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الجوارباستخدامها للإرهابيين الإسلاميين في واجهة توسيع نفوذها العسكري ولم تكن قنبلة شارع الإستقلال سوى واحدة من سلسلة الوسائل المعهودة عبر التاريخ االطويل في إٌضطهاد شعب كردستان هذه السياسة التي تعتبرجزء من الوسائل التوسعية للحكومات التركية المتعاقبة.
-(الأحداث التاريخية الواردة أعلاه مأخوذة من الدراسة الوثائقية التاريخية عن الأزمات الحقيقية في تركيا في مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم السياسية – لعام 1972. بقلم الطالب إبراهيم خليل محمد وبرعاية الكتورعبد الرزاق الحفار.)
بيروت 18 تشرين الثاني 2022