صلاح بدرالدين
يترقب شعب كردستان العراق، والعراقييون عموما، وأوساط الحركة القومية الكردية في الجوار والعالم، انعقاد المؤتمر الرابع عشر للحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق، لأسباب موضوعية وجيهة:
١ – كونه الحزب الجماهيري الكردستاني العراقي الأول الذي نشأ تاريخيا عقب ظهور حزب جمهورية مهاباد بعام واحد، بعد موجة قيام الأحزاب الديموقراطية القومية ابان الحرب العالمية الثانية، بتاثير مباشر من التوجهات السوفيتية بمناطق شعوب التحرر الوطني.
٢ – : كونه الحزب الذي شارك في تاسيسه، وترأسه الشخصية الكاريزمية المؤثرة الذي يحظى باحترام الكرد في كل مكان الراحل مصطفى بارزاني.
٣ – تصدر هذا الحزب وما تفرع عنه، لكفاح شعب كردستان العراق السياسي، والاجتماعي منذ بدايات النهضة القومية، وقيادة انتفاضاته، وثوراته منذ حركات بارزان، مرورا بثورة أيلول عام ١٩٦١، وثورة كولان، وابرام اتفاقية آذار للحكم الذاتي لعام ١٩٧٠، وانتفاضات التسعينات، واجراء الانتخابات البرلمانية عام ١٩٩٢ وإعلان الفيدرالية، والقيام بالدور الأبرز في كل نضالات المعارضة العراقية لاسقاط نظام صدام حسين.
٤ – انتظار ما سيتمخض عنه مؤتمره الرابع عشر من استراتيجيات جديدة متطورة بشأن قضايا المرحلة الراهنة في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين وما أكثرها من قومية، ووطنية، واقتصادية، وسياسية، وما أحوجها الى الاجابات الواضحة من هذا الحزب ذي الوزن الثقيل في الحركة الكردية.
التحديات الماثلة
هناك كم هائل من التساؤلات، التي تراكمت وتم ترحيل بعضها من مؤتمر الى آخر لم تتم الإجابة عنها في اوانها، لأسباب قد تكون موضوعية بسبب عقبات الظروف المحيطة الكردية الداخلية منها والعراقية، والإقليمية، وهي تشكل الان حزمة متكاملة من التحديات امام هذا الحزب المجرب صاحب المسيرة الكفاحية الطويلة، تقتضي المصلحة العامة توضيحها، واعتماد مهامها، وإنجاز متطلباتها النظرية، والعملية بوضوح كامل ومنها:
التحدي الأول: كيف يمكن التوفيق بين مرحلتي الثورة، وادارة السلطة، والموامأة بين جيلي الثورة، والانتفاضة من جهة، والجيل الناشئ الذي لم يعايش تلك المراحل السابقة ؟ وماهو السبيل لحل التمايزات بين القديم والجديد، هل بالاستمرار حسب التقاليد النضالية، والحزبية السابقة، ام إيجاد طريق آخر يتسم بالمرونة، والاستجابة لطموحات الجيل الجديد في الحداثة، والشفافية، والعلاقات الديموقراطية، والتحولات الاجتماعية، ومسألة مشاركة المرأة والشباب بالقيادة والقرار ؟.
التحدي الثاني: في مسألة دور الحزب، وتوفير شروط قيادة السلطة بنجاح، وهل الحزب وسيلة ام هدف ؟ ومدى قدرته على الاستمرارية من دون التجديد، والإصلاح المستمر، آخذين بعين الاعتبار تجارب تاريخية مماثلة حصلت لدى حركات تحرر لشعوب منطقتنا وفي بيئة مشابهة للبيئة الكردستانية، وبقيادة زعماء تاريخيين لهم مكانتهم المرموقة في أوساط شعوبهم، وانتقلت من مراحل الثورة التحررية الى مرحلة استلام السلطة، وأين وصلت تلك الأحزاب الان ؟ ومنها على سبيل المثال: حزب المؤتمر الهندي (غاندي – نهرو – انديرا)، وحزب جبهة التحرير الجزائرية (بن بلة)، وحزب مؤتمر جنوب افريقيا (نلسون مانديلا)، وحركة فتح الفلسطينية (ياسر عرفات).
التحدي الثالث: حول موضوع ترتيب البيت الكردستاني الداخلي بالاقليم، وخصوصا معالجة دور بعض الأحزاب السلبي التقليدي في هذا المجال كما تشهد على ذلك مراحل الاقتتال، وحروب الإلغاء، واختراق الاجماع الكردستاني في السياستين العراقية، والإقليمية، والبحث عن صيغ استراتيجية جديدة تتلاءم مع متطلبات المصالح القومية، والوطنية العليا لشعب كردستان العراق، وليست الترضيات الحزبية، والمناطقية، والمجاملات الموقتة المعتمدة على مبدأ المحاصصة القصيرة الأمد.
التحدي الرابع: مدى القدرة على ثبيت قاعدة للتوازن بين القومي والوطني في الإقليم وعلى صعيد مشاركة المكونات القومية الكردستانية – التركمان، والكلدان، والاشوريين، والارمن، والعرب، وإنجاز دستور الإقليم الذي يضمن المشاركة، ويتحول سابقة متقدمة في الشرق الأوسط يحتذى بها في مجال تعايش الاقوام، والأديان، وكذلك على مستوى العراق ككل بشأن التكامل بين مبدأ حق تقرير المصير، والعراق الأتحادي، وامكانية استنباط نظام سياسي اكثر تقدما من النظام الفيدرالي بالمستقبل.
التحدي الخامس: مدى إمكانية اعتماد صيغة مناسبة واضحة للعلاقات القومية الكردستانية، على ضوء حسم الموقف إزاء جملة من القضايا مثل: المرحلة الي تمر بها الحركة الكردية في كردستان العراق هل هي مرحلة تحرر وطني ؟ ام مرحلة السلطة وبناء أسس الدولة ؟ ولكل منهما شروطها ومسلتزماتها، وكذلك الصيغة الأمثل لتلك العلاقات : التنسيق المنظم عبر المؤسسات على أساس عدم التدخل بشؤون البعض، ومساعدة البعض الاخر، أم التبعية الأيديولوجية، والحزبية ؟ هل ستكون على غرار تجربة حزب البعث بقيادات قطرية، وقومية، أم باحترام خصوصية كل جزء واستقلاليته ؟ والعلاقات القومية كما هو معروف تندرج في صلب العلاقات السياسية، وتستحق العامل معها في الفضاء السياسي الشفاف الواسع، فهل يمكن اعادتها الى مكانها الطبيعي ؟ كل هذه الأسئلة تحتاج الى إجابات واضحة شفافة، وخطوات عملية حتى تستقيم العلاقات، وتثمر لمصلحة الجميع، ويتوافق جميع الأطراف المعنية على أسس وآليات العلاقات القومية.
التحدي السادس: ويتعلق أساسا باشكالية واقع ومسار وعلاقات كرد سوريا وحركتهم السياسية بالاقليم والحركة السياسية في المرحلة الراهنة، فهناك حاجة ماسة الى استكشاف ماهية وحقيقة تلك العلاقة، وعلى ماذا تستند من مبادئ، وقواعد، وآليات، وهل تحتاج الى تصحيح، وتطوير من اجل الفائدة العامة ؟، فلاشك من الناحية التاريخية هناك وشائج، وتأثيرات متبادلة، وتفاعل سياسي، وانساني بدءا منذ حركة – خويبون – مرورا بحركات بارزان، ومتابعة اقدام الراحل الكبير مصطفى بارزاني وصحبه لنصرة جمهورية مهاباد، ومسيرتهم الكبرى نحو الاتحاد السوفيتي السابق، والعودة الى العراق الجمهوري، واشعال ثورة أيلول، ثم دور كرد العراق وحركتهم السياسية في تشكل اول تنظيم سياسي لكرد سوريا.
لقد نمت وتوطدت علاقات حركتنا السياسية مع كردستان العراق وقائد ثورة ايلول، واتخذت طابع الدعم والاسناد من جانب حركتنا، والجمهور الوطني الكردي السوري بشكل عام وذلك من منطلق الحرص على انتصار كفاح الاشقاء، وكانت علاقات مبنية على الوفاء، والتضحية من جانب الكرد السوريين، وبعد تحقيق الفيدرالية، والاستحواذ على السلطة تبدلت اشكال، ومضامين ووسائل هذه العلاقات، واتخذت طابعا سياسيا لعبت فيها الانتماءات الحزبية وليست القومية الدور الأكبر، حيث انعكست الانقسامات الحزبية منذ عام ١٩٦٦ بين أربيل والسليمانية على واقع وطبيعة تلك العلاقات، ثم توسعت هذه الفجوة لتنعكس سلبا على علاقات البارتي الديموقراطي الكردستاني على مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية الكردية السورية، التي اقتصرت على طرف معين دون غيره والتطور هذا اضر بجوهر العلاقات القومية لمصلحة الانتماءات الحزبية الضيقة، وبالرغم من خصوصية العلاقات التاريخية بين كرد سوريا وحركتهم مع الإقليم الا ان تلك العلاقات تحتاج الى إعادة نظر، بل إعادة بناء وترسيخ، ويجب ان تخضع للقواعد العامة الي اشرنا اليها في متطلبات العلاقات الكردستانية أعلاه .
ان تدوين وجهة النظر هذه عشية التحضير لعقد المؤتمر الرابع عشر للحزب الشقيق الذي اتمنى له التوفيق، نابع من حرصي الشديد على سلامة وصيانة التجربة الرائدة في الإقليم الكردستاني، ووفائي لأواصر الصداقة المتينة مع قيادات الحزب الذي عاصرته منذ رئيسه الأول الراحل البارزاني الكبير وحتى رئاسة الأخ مسعود بارزاني الراهنة، ومن اجل ترسيخ هذه القاعدة كموقع متقدم في الحركة الكردية في العصر الحديث، لابد من المزيد من التواصل، والتشاور بين مختلف القوى، والأطراف، والتيارات الكردية المؤمنة بالحوار السلمي الديموقراطي، وبقبول الاخر المختلف.