القضية و الإنتهازية

مروان سليمان

من أهم الإنجازات التي يسلكها القائد في السيطرة على الجمهور و كسبهم إلى جانبه هو تقسيم الجمهور على أساس الأعداء و الأصدقاء أو الأشرار و الخيرين لكي ينسب للآخرين الخيانة العظمى و بأنهم مجموعة متسببة في معاناة الشعب و يقدم نفسه بأنه هو باني الوطن و المواطن و هو المخلص الذي يقوم بتقديم العلاج للمرض الذي يدور في عقول الناس و إزالة مخاوفهم و عجزهم.
الكثير من القضايا مثل قضايا الشعوب و آلام الفقراء و أمراض الناس  كانت و ما زالت فرصة كبيرة لكثير من المتاجرين بها، و من أهم تلك القضايا هي التي تتنافس عليها الأحزاب و التيارات منذ عقود هي قضايا الشعوب باسم القومية و الحرية و الديمقراطية و تأمين لقمة العيش و هكذا إزداد عدد المتاجرين و لكننا خسرنا القضية بسبب تحويلها إلى ما تشبه بالدعاية التجارية و ضبابية المواقف و المبالغة في الشعارات فأصبحت عملاً إستهلاكياً أكثر مما يكون عملا من أجل خدمة مجتمع يعاني من كل شئ. 
و من هنا يأتي دور الكتاب و المثقفين. الأول في فضح هذه الأنظمة و القادة و هؤلاء هم أصحاب رسالة واضحة في الدفاع عن الحرية و العدالة و المساواة و يعتبر بأنه هو صوت الحق عند من لا صوت له و هو ضمير شعبه و الثاني هو بيع الأوهام للناس و إبتكار أشكال جديدة و مبدعة في السرد من الخيال و تبني نظريات على أساس هذه الأوهام بدون التفكير بأنها صحيحة مع العلم أنها تسير في طريق خطأ و بما أن الأوهام هي خداع النفس فتظهر لدى الناس بأنها صحيحة و تنمو فيهم مقاومة عالية و قوة هائلة تغذي خزعبلاتهم في التحرر و في النهاية عندما يدركون عجزهم فإنهم يلجأون إلى الإعتماد على الآخرين مع التشبث بصنمهم الذي يمنحهم القوة في المتابعة السياسية مما يجعل المريدين عرضة لهذه الأوهام بتمسكهم بالإصرار العاطفي الذي يغلب على الحجج المنطقية و لذلك فإن المستبدين على مستوى الأنظمة و الأشخاص تتردد صدى نظرياتهم الأيديولوجية و إبراز القادة على شكل (إله) لديه القدرة على إعطاء العلم و الحكمة و لذلك يجب السير خلفه و دعمه من أجل مواجهة الأعداء الذين يحددون من قبل هذا القائد المغوار، فكيف يمكن للآخرين أن يخلقوا الأعذار لهؤلاء الذين يدعمون الطغاة في الإستبداد و الإجرام؟ و كيف يمكن تصديقهم أو حتى إحترامهم و هم يدافعون عن سفاح و طاغية ؟
و بما أن السياسة هي نسيج الحياة، فكل جهد يومي تعتبر ممارسة السياسة، مثل المطالبة بالحرية و العدالة و المساواة و بذل الجهد في سبيل الحصول على الخبز اليومي فهي جميعها ممارسات سياسية و لا يمكننا على الإطلاق أن نفصل ما بين السياسة و الثقافة و من هنا يظهر معدن الكتاب و يمكن أن نفرزهم ما بين المبدع الحقيقي الذي يتبنى قضايا شعبه و يدافع عن حقوقهم و رفع الظلم عنهم و قد يدفع حياته ثمناً لذلك و ما بين من يقف بالضد من ذلك في دعم الطغاة و الديكتاتوريات الذين يضطهدون الشعوب و هم سبب معاناة الشعب في الفقر و الظلم و الجوع، إنه مزاج الطامحين على مادة مربحة و مسلية.
إن الخروج من هذه المواقف المتناقضة المتولدة من هوس الإنتصارات يتطلب إعادة النظر في هذه المواقف المطروحة على الساحة السياسية و الميدانية مع إيجاد مواقف بديلة و مقنعة للزمان و المكان و الجمهور و معالجة القضايا المرتبطة بالظروف الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية و عدا عن ذلك تعتبر كلها شعارات مزيفة تصبح في برهة من الزمن في طي النسيان. 
يبدو أننا أمام نفق مظلم لا نهاية له بسبب كثرة المحتالين السياسيين ممن يتدافعون للدفاع عن هذا و ذاك و يلتقطون الصور معهم و ينحنون لهم و في لحظة ما سوف ينقلبون عليهم لحظة التغيير، و التجارب في هذا المجال كثيرة جداً يكفي لكي يقي الخلفاء الذين يأتون من بعدهم بعشرات الأعوام و لكن بسبب وجود الأرضية الخصبة و إزدهارها على أرض الواقع يعطي الوضع الكردي  ليسير على سكة سفر بمواصفات و مزاج القائد الفاشل كما كان في السابق.
مروان سليمان
السلك التربوي- المانيا
19.10.2022

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…