صلاح بدرالدين
أولا – مرة أخرى في أولويات عملية التغيير :
كثيرون من الحريصين على الحركة الكردية السورية، والساعين من حيث المبدأ لاعادة بنائها، وتطويرها، يدفعهم السهو نحو الدرب الخطأ الأطول زمنا، والأكثر عناء، فيطالبون مثلا بتنحي مسؤولي الأحزاب، أو اجبارهم على ذلك، ليحل آخرون لشغل مواقعهم، او حل احزابهم، او جلب مسؤولين جدد في حال انعقاد مؤتمراتهم، وكأن طريق حل الازمة، وإعادة البناء يمر بالضرورة عبر غياب هؤلاء !، أو أن التغيير يقتصر على تبديل اشخاص ! .
ثانيا لا أيها السادة : صحيح ان معالجة العامل الذاتي هي مدخل لابد منه لحل الازمة، ولكن هذا العامل يشمل الى جانب المسؤولين الحزبيين كلا من الهيكل التنظيمي الديموقراطي المنتخب حسب الأصول، والبرنامج السياسي المتوافق عليه وهو الأهم، والسياسات الصائبة القومية، والوطنية، والكردستانية، والخارجية الأخرى على قاعدة استقلالية القرار .
ثالثا – هناك غالبية مستقلة ساحقة من معتنقي الوعي القومي الديموقراطي المنفتح من مختلف الطبقات الاجتماعية بالداخل والخارج، وبينهم مناضلون قدامى، وأكاديمييون، و،اختصاصييون، ومهنييون، وفئات الشباب من النساء والرجال، ومبدعون في الفنون، والثقافة، والاعلام، وهؤلاء معا يشكلون الكتلة التاريخية المنقذة .
رابعا – ليس جميع المنتمين الى هذه الفئات، والشرائح، المشكلة للكتلة التاريخية، من جنس ( الملائكة ) او لايخطئ، او يلتزم بمهام التغيير بحذافيرها، بل تجد هنا وهناك من هو متردد، او متلون، او رمادي، او يتحين الفرص، او يبحث عن جاه، او يطمع بمال، ومن حسن الحظة يشكل هؤلاء قلة قليلة .
خامسا – وعندما يتم تنظيم صفوف هذه الكتلة او بعبارة ادق عندما تنظم نفسها بنفسها، وتصيغ مشروعها البرنامجي السياسي الواضح ( وهما امران غير مستحيلان ) بل يمكن ان يكونا في متناول اليد اذا توفرت الإرادة، أقول الارادة وليس الموجات الموسمية اللفظية، والشعارات المجردة من العمل والممارسة، والالتزام، حينها ستقف الأغلبية الشعبية المنتجة في صف واحد، ويضطر مسؤولو الأحزاب الى المشاركة في المؤتمر الكردي الجامع من دون اجبار، او اكراه، بل خشية انعزالها، وتقوقعها على هامش الاحداث، أما اذا كان المسؤولون الحزبييون يبحثون عن السلطة، والجاه، او يرفعون آيديولوجيات مغايرة لمشروع الحركة الكردية السورية الموحدة، او يتبعون لمراكز خارجية، فهذا شأنهم، وهم وحدهم يتحملون المسؤولية التاريخية .
سادسا – وتجاوبا مع رغبة قطاعات من القوميين الديموقراطيين الكرد المستقلين في المزيد من التسهيلات في طريق المؤتمر المنشود الذين يرون صعوبة عقده بحسب الصيغة السابقة المطروحة، ومن اجل توفير الثقة، وتعزيز المسار، والانطلاق نحو استكمال خطوات عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع، وعدم تجميد المشروع بسبب أعذار، وشروط الاحزاب، وتمسك مسؤوليها با السلطة، والمنافع، والمواقع اقترح حراك ” بزاف ” التالي :
١ – ان يعقد المؤتمر بغالبية مستقلة، ومشاركة الأحزاب، باشراف لجنة تحضيرية من ثلثين من االكرد المستقلين، وثلث من الأحزاب .
٢ – يراعى في تشكيل اللجنة التحضيرية وكذلك في اختيار أعضاء المؤتمر من المستقلين تمثيل المناطق الكردية الثلاث بالتساوي ( الجزيرة – كوباني – عفرين ) وكذلك مشاركة كرد دمشق، وحلب، والساحل، وبلدان الاغتراب، على ان لاتقل نسبة مشاركة المرأة عن أربعين بالمائة، مع غلبة الاعمار الشبابية .
٣ – ان تكون المهمة الأولى للمؤتمر المنشود، وبعد صياغة البرنامج السياسي، وخارطة الطريق واقرارهما، انتخاب المجلس المسؤول عن الإدارة السياسية العامة بعيدا عن أية سلطات تنفيذية عسكرية، وأمنية، وكذلك آيديولوجيا المحاور، وتناط به في المرحلة الانتقالية ومدتها عام مسؤولية العلاقات ( الوطنية، والكردستانية، والخارجية ) فقط من اجل تقييمها من جديد، ووضع الأسس السليمة لها، وتمثيل الكرد السوريين على تلك الأصعدة في جميع الحوارات التي ستجري مستقبلا، على ان تغطى مصاريف اللجنة للفترة الانتقالية من تبرعات، ومساعدات من الأصدقاء من دون شروط، أو على شكل قروض من الأحزاب خصوصا التي تتصرف بالمال العام .
٤ – وفي هذه المرحلة الانتقالية تترك الحرية للأحزاب لادارة امورها الخاصة وبينها سلطاتها، واداراتها، وصلاتها ان ارادت هي ذلك،على ان تندمج بعد هذه المرحلة نهائيا في مؤسسات المؤتمر .
٥– بعد عام، وانتهاء المرحلة الانتقالية، يعقد مؤتمر الاندماج الكامل بنسخته الثانية، على قاعدة واضحة، وباشراف المجلس القيادي المنتخب من الجولة الأولى، وحسب دراسات، ووثائق، وتقرير سياسي تتظيمي تعد من اجل ذلك .
سادسا – من هم المستقلون في الحالة الكردية السورية الراهنة ؟
بسبب المرحلة الانتقالية المتحركة، وغير المستقرة في كل سوريا وخصوصا بالمناطق الكردية، وتوزع الكرد عمليا بين عدة احتلالات، ونفوذ وسلطات امر واقع، واستمرار عملية الهجرة والتهجير، والقمع الفكري، والسياسي، والحزبي من جانب مختلف مسؤولي، وأجهزة، ومؤسسات أحزاب طرفي الاستقطاب وبالأخص من بيده السلطة، من الصعب جدا التوصل الى نتائج دقيقة في مسألة الفرز السياسي النهائي، والانتماء الحزبي، والتوجه المستقل، فمثل هذا الفرز قد يتحقق في المجتمعات المتقدمة الديموقراطية، حيث يضمن القانون حرية الفرد، والجماعات، ولكن لاوجود لذلك في شرقنا التعيس، وفي بلدنا الاتعس ,وفي مناطقنا المنكوبة، ولم يعد سرا الاجماع العالمي لدى المراكز، والرأي العام على ان الأحزاب ليست من منظمات المجتمع المدني خصوصا التي تتعامل مع السلاح، وتمارس العنف، وتعيش على المال السياسي، ولاتمارس الديموقراطية، ولاتقبل الاخر المختلف .
لو توفرت حرية الرأي، والفكر، لوجدنا الان في ساحتنا الكردية السورية منظمات مدنية، ومراكز الحوار الفكري، والسياسي، وجمعيات ثقافية تنظم الندوات النوعية، والمناقشات الجادة حول الحاضر، والمستقبل، والمشروع القومي والوطني، ولوجدنا روابط، واتحادات مهنية، ونقابات، ونوادي، ومنتديات تنمي الابداع، وفوق كل ذلك وبقوة السلاح، والمال السياسي، تحاول الأحزاب بكل السبل بما فيها الملتوية – اصطناع – مجموعات باسم المستقلين لسببين : الأول لاظهار شعبيتها – الافتراضية الواهمة -، والثاني لقطع الطريق على الحراك المستقل الحقيقي، لذلك ليس من المستبعد ان نجد هنا وهناك ( مستقلين وحزبيين ) بآن واحد ، و ( مستقلين بشروط )، و ( مستقلين – مقنعين ) و ( مستقلين تحت الطلب ) تجدهم ليلا لدى الأحزاب، ونهارا يغردون على صفحات التواصل الاجتماعي بقدر ماهو مسموح، حتى التعبيرات الثقافية، والجمعيات في الخارج متورطة بغالبيتها في لعبة – الغميضة – هذه .
من شروط استقلالية أي حراك كردي سوري الاعتماد على الذات، وطرح البرنامج السياسي الواضح، وامتلاك المشروع النضالي بشقيه القومي، والوطني السوري في مواجهة نظام الاستبداد العدو الرئيسي لشعبنا ولكل السوريين، من اجل التغيير الديموقراطي، وإعادة البناء في المراحل المختلفة، واتخاذ المواقف الصحيحة، والشجاعة من كل الاحداث، والتطورات، خصوصا رفض عسكرة المجتمع، أو زج المرأة في القتال، مع الاعتراف بحقها بتبوؤ اعلى المناصب، والمواقع القيادية، والإدارية، والسياسية، وتوضيح الاليات المتبعة لتحقيق اهداف المشروع، والايمان بضرورة انقاذ الحركة السياسية كاولوية، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها بالطرق المدنية الديموقراطية عبر مؤتمر كردي سوري جامع، وآخيرا وليس آخرا ان تكون نواة أي حراك مستقل مبنية على الشفافية، والوضوح، والعلاقات الديموقراطية، والمشاركة الجماعية، على قاعدة انتخاب لجان متابعة من اللقاءات التشاورية، بعيدة عن – السيستيم – الحزبي الآيديولوجي .
سابعا – يجب وبالضرورة ان تكون الإيجابية عنوان المرحلة التي تجتازها حركتنا السياسية، والتصدي الفكري والثقافي، والسياسي للمهام القومية، والوطنية حتى لوتعددت الرؤى، والقراءات، ووسائل حل الازمة، صحيح ان معرفة، وتقييم، وتشخيص الازمة واسبابها تشكل المدخل الى عملية التغيير، ولكن يجب وقف التركيز فقط على هذا الجانب، ووضع حد لجلد الذات، والانتقال الى المرحلة المتقدمة وهي صياغة الحلول النظرية البرنامجية، والعملية للانقاذ، وحل أزمة الحركة السياسية، ومناقشتها بصورة نقدية صريحة .
والقضية قد تحتاج الى نقاش