الدكتور نورالدين زازا ، صاحب الفكر الحر والإرادة الطليقة

قهرمان مرعان آغا
هناك سؤال يجب على كل مهتم بالشأن الوطني /القومي الكوردستاني إدراك حقيقته : ما المغذى من الإحتفاء بذكرى وفاة الشهداء الأبرار و القادة العظام والشخصيات الوطنية و السياسية . إنها ليست ذكرى مجرَّدة على هامش الزمان والمكان ، بل هي ضرورة لوعي الذات الذي يتجدد من خلال سيرة هؤلاء الأبطال الروحية الملحمية و النضالية الفعَّالة ، التي تتمثل في المساهمة في سبيل الحق والعدل ومواجهة الظلم والطغيان ، حيث الهدف هو قضية الحرية و قدسية الإنسان ، الذي يأتي فما دونهما الأوطان .  
لهذا فإن سيرة هؤلاء ،القدوةالصادقة و ذكراهم الخالدة في النفوس ليست كافية ، إذا لم يتم استحضار اعمالهم و تاريخهم النضالي المشرِّف و اسقاطه على واقعنا الحاضر ، حتى يحدث تراكم نوعي ، واعي لقراءة التاريخ .
– بمناسبة مرور الذكرى ال34 على وفاة الدكتور نور الدين يوسف زازا ، أعيد نشر مساهمتي كاملةً ، بعد أن تم بتر الجزء الأخير منها ، في حينه ، من قبل القائمين على جريدةPênusa nu (بينوسا نو. القلم الجديد)  في ملف الاحتفاء بذكر وفاته ال32 ، المنشور في موقع Welatê me (ولاته مه).في 09 شباط 2021 .
شكراً جزيلاً للقائمين على موقع ولاته مه المحترمين ، على دعوتهم للمشاركة في ملف  د . نورالدين  زازا بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين لوفاته .
عندما يأتي ذكر اسم الراحل د. نورالدين زازا وسيرته الشخصية والسياسية بين أبناء الشعب الكوردي وبخاصة  في غرب كوردستان ، يصعد إلى الذاكرة فكرتين ، أولاها صورة رجل متعلم ومتنور و ليبرالي  . ثانيها ، الشخصية السياسية القيادية الأولى ، لأول تنظيم سياسي قومي ، رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني/ الكوردي في سوريا و يصاحب الفكرتين شعور وأسى وأسئلة أخرى ، لماذا لم يَكْمِل مسيرته السياسية  في إطارها الجمعي وتنحى جانباً يعمل بمفرده في بلاد الغربة .
فمن جملة الأسئلة التي تطرح بمناسبة حالة الانقسام التي طالت الجسم التنظيمي للحزب السياسي الكوردي في سوريا واستمرت على مدى أكثر من نصف قرن ، قصة اختلاف قيادة الحزب أثناء الاعتقال  في زمن الوحدة بين مصر وسوريا ، فيما يتعلق بأهداف الحزب وأسمه ( الكوردستاني/الكوردي …. تحرير وتوحيد كوردستان ) وضرورة التمسك بها من عدمها في الاستجوابات أو الدفوع  والمرافعات خلال المحاكمات التي جرت لهم آنذاك ، حيث أصبحت منصة ، لزعزعة الثقة والمصداقية بدعوى الحفاظ على المبادئ ومن ثم التشهير والاتهام  بين تكتلين وأكثر فيما بعد (حيث انقسم الحزب على نفسه يساراً و يميناً ) وعبَّرت بوضوح بين إرادتين  مختلفتين ، أحداهما تمثل الواقعية السياسية الواعية حسب ظروف تلك المرحلة والتي مثلَّها رؤية رئيس الحزب د. نور الدين زازا وإرادته الحرة الطليقة ، عن تلك الإرادة المُقيَّدة بفكرة الايديولوجيا ، التي أصرَّ عليها سكرتير الحزب (آبو) أوسمان صبري والتي تمثلت في المشاعر الثورية التي كانت سائدة تحت يافطة العناوين والشعارات الكبرى البعيدة عن الواقع  ، حيث تبدَّلت الأمور عند تأسيس الحزب في حزيران/1957في ظل الجمهورية السورية وبوجود تعددية سياسية وحياة برلمانية  وحريات مدنية  ونقابية ، منه ، عند تشكيل الجمهورية العربية المتحدة في شباط /1958 ، التي أنهت الحياة السياسية من خلال حل الأحزاب في سوريا وتسخير مقدرات الإقليم الشمالي (سوريا) لدعم الخطاب القومي وآلة الدعاية الناصرية للوحدة العربية من المحيط إلى الخليج ، في ظل تصاعد الأفكار و السياسات العنصرية المتطرفة في مواجهة  التطلعات القومية للشعب الكوردي  ، حيث باتت الدولة الأمنية تخييِّم بظلالها على المشهد السياسي و الاجتماعي في سوريا من خلال سلطة المكتب الثاني و مباحث أمن الدولة و أصبح الكورد مستهدفون بذواتهم الشخصية وفي هويتهم القومية  وتعتبر المذكرة التي قدمها الدكتور نورالدين زازا من خلال مرافعته لدى محكمة أمن الدولة العليا العسكرية في دمشق عام 1961 ، أثناء اعتقال قيادة الحزب  في آب/1960 ، وثيقة تاريخية  حول معاناة الكورد في ظل حكم الوحدة .
يتبين لنا من خلال قراءة تلك المذكرة والنظر إلى مضامينها ، مدى تحلي د. نورالدين زازا بالفكر القانوني والسياسي وبالنظرة الواعية في تناول معظم القضايا التي جابهت الشعب الكوردي وحزبه الوليد ، ويعتبر كما هي الحقيقة رائداً في الفكر الحقوقي ومدافعاً شجاعاً عن وجود الشعب الكوردي وقضيته العادلة .
ـ يأتي في مقدمة المذكرة ، صيغة الشعب الكوردي في الإقليم الشمالي (سوريا) في (….الجمهورية العربية المتحدة) ، كشعب له تمايزه القومي وخصوصيته الثقافية ، كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية  ويؤكد على حقيقة مقومات وجود الشعب الكوردي القومية ، بأنه (…. واقع ملموس وموضوعي … الذي كان ولا يزال يعيش على أرضه …وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به … ظل متمسكاً بها ومحتفظاً بنسماتها على مرَّ التاريخ  و توالي العصور …. ) ويؤكد على العيش المشترك ورخاء الإنسان وحفظ كرامته .
ـ كما يثبِّت في مذكرته مفهوم الحقوق المشروعة للشعب الكوردي ، مستنداً على الخصائص والمقومات التي يتمتع بها الشعب الكوردي وإلى حقوق الإنسان التي تؤكد عليها مواثيق الأمم المتحدة والهيئات الشعبية والمجتمعية  والمؤتمرات الدولية ويشير إلى مؤتمر عدم الانحياز و عبد الناصر أحد مؤسسي هذا الحلف ،  أنَّ (….مسألة قتل ثقافة شعب ، جرماً يعاقب عليه مؤتمر باندونغ ومؤتمر تضامن شعوب آسيا وأفريقيا في القاهرة وكذلك في أغلب المؤتمرات والاجتماعات التي حضرها ويحضرها سيادة الرئيس جمال عبد الناصر، يؤكد بإصرار على حقوق الشعوب وضرورة احترام مطاليبها ورغباتها ….) ويذكِّر ببيان عبد الناصر مع الرئيس السوداني المتضمن (.. استنكار كل سياسة ترمي لإذلال الشعوب واستعبادها وتنقص من كرامة الإنسان بسبب اللون والجنس والعقيدة .) .
ـ يشير إلى ضرورة التزام الجمهورية العربية المتحدة بتعهداتها أمام الهيئات والمؤتمرات الدولية (… باعتبارها عضواً وطرفاً فيها ، تجعل من حقوق الشعب الكوردي اللغوية وما إليها حقوقاً مشروعة وطبيعية للأكراد … لا يمكن التغاضي عنها وإنكارها…) .
ـ يبين سياسة  التعريب التي تمارسها السلطات والتي تشكِّل أساس كل عوامل التفرقة العنصرية (.. إنَّ هذا الواقع من جانب .. و إنكار وإتباع سياسة طمس هذه الحقوق وسياسة الصهر ودمج وتعريب الأكراد بشتى الوسائل من جانب آخر ، تتولد (سياسة العنصرية) بالضرورة وبشكل حتمي ..)
ـ بيان الوقائع التي تثبت سياسات الصهر والتمييز والتفرقة العنصرية التي تطال وجود الشعب الكوردي في دولة الوحدة ، حيث يؤكد للقاضي تمهيداً ، ثلاث نقاط  ، لا بد َّ أنْ يتفهمها :
* إنَّ العبرة في إقرار حقوق الشعوب ليس في مجرد الاعتراف بها بموجب قرارات و بيانات ، بل العبرة في التنفيذ و تمكين الشعوب من ممارسة حقوقها والاستمتاع بمزايا تلك الحقوق .(.. لم تعد حقوق الشعوب مجرد قرارات وبيانات تسطر على صفحات ، بل تلك الحقوق ، دخلت إلى مستواها التطبيقي العملي في بلدان عديدة من تلك التي تضم قوميات وشعوب متعددة (.. سويسرا ، بلجيكا ، كندا..إندونيسيا…)… جعلت شعوبها تتمتع بحقوقها المشروعة و بذلك حلت مشاكلها الداخلية … ) .
* يؤكد على العيش المشترك بين العرب والكورد من خلال الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي  ونبذ العنصرية التي لا تخدم الوحدة الوطنية ويشير إلى حتمية الديمقراطية في حياة الشعوب  ( إنَّ التمييز العنصري لا يؤدي إلى تفسخ رابط الأخوة العربية الكوردية  فحسب  وإنما إلى بذر بذور الشك و عدم الثقة بين الشعبين … وتضر بالمصلحة الوطنية  وعلى العكس إعطاء الأكراد حقوقهم ..، توطد أركان التضامن العربي الكوردي وتظهر البلاد بمظهر تعاوني ،  ديمقراطي صحيح . ) .
* إن عدم الاعتراف باللغة الكوردية وحرمانها في التعليم والتحدث بأساليب المنع والإرهاب ،  كونها لغة حية , سيدفع الشعب الكوردي بحكم الفطرة إلى تعلمها بوسائل شتى وطرق مختلفة وهذا ما حصل بالفعل مع الحكومات والأنظمة التي تعاقبت على حكم سوريا ويا للمفارقة ، كانت إذاعة القاهرة , افتتحت قسم اللغة الكوردية  ، تبث الأخبار والأغاني في مواجهة عبد الكريم قاسم / العراق وتمنع الشعب الكوردي في سوريا/ دولة الوحدة العربية من التحدث بلغته الأم  (ارتقاء اللغة الكوردية إلى المجال الدولي ، كونها لغة حية تردد كلماتها و أغانيها وموسيقاها في عدة إذاعات عالمية في مقدمتها إذاعة (القاهرة ، العراق ،ايران … وتدرس في مدارس وجامعات عدة بلدان ( السويد ، العراق ، باريس ….)
ـ ويضيف (بأن عدم الاعتراف رسمياً بوجود كيان للشعب الكوردي في الأقليم الشمالي …وبفتح المجال أمام بعض الموظفين التنفيذيين  …) يزيد من سياسات التمييز العنصري بطريقة فجة وعارية وهي تشمل ـ الاعتداء على الأشخاص بسبب الانتماء القومي ـ تغيير وتعريب أسماء القرى والبلدات الكوردية ـ منع تسجيل أسماء الأطفال المواليد  بأسماء كوردبة ـ منع ارتداء الزَّي الكوردي ـ إغلاق الصحف التي تتناول العلاقة الكوردية العربية على أسس وطنية ـ عدم السماح بممارسة حقوق الطبع والنشر فيما يتعلق بالحقوق اللغوية الكوردية ومصادرة الكتب ودواوين الشعر وتوقيف الأشخاص على إثر ذلك ومنع فتح نوادي وجمعيات كوردية ومنع الموسيقا الكوردية ـ حرمان الكورد من الانتفاع بأراضي الاستيلاء والإصلاح الزراعي الذي نفذه عبد الناصر في عام/ 1959 ـ الانحياز الى جانب العرب عند التحكيم في المنازعات العقارية ـ منع الكورد الغير مسجلين في دوائر النفوس من التسجيل المباشر أسوة بالعرب واعتبارهم مكتومي القيد وعرقلة الإجراءات  بالنسبة لحقوقهم المدنية وبالتالي حرمانهم من حق التعليم والانتخاب وخدمة العلم ـ طرد الطلبة الكورد من الامتحانات الثانوية دون سبب ـ عدم تناسب عدد النواب الكورد مع عددهم الفعلي بالنسبة لمجوع السكان في الجزيرة مع منح العرب نسبة تتجاوز أضعاف تمثيلهم الحقيقي ـ تسريح الموظفين الكورد من الوظائف العامة ومنع قبولهم في المعاهد التعليمية وكليات الجيش والشرطة ـ منع الكورد من حمل السلاح وحصرها بيد العرب ( المقاومة الشعبية) ـ منع النشطاء و السياسيين من الكورد من السفر ومصادرة وثائق السفر الخاصة بهم . ومن الجدير ذكره ظلت تلك السياسات العنصرية والاستثنائية من معظم الحكومات والأنظمة التي حكمت سوريا وخاصة منذ انقلاب حزب البعث /1963 وانقلاب حافظ أسد/1970 وتوريث ابنه/1999 أشد وطأة على الشعب الكوردي واستهدفته بالتآمر في وجوده وتغيير بنية وطنه الديموغرافية من خلال الاستيطان العربي ومنع التملك والاستثمار في مناطق غرب كوردستان والحرمان من الحقوق والسطوة الأمنية العنصرية وعدم الاعتراف بوجود شعب وبقضيته العادلة ، حيث ألحقت جزء من وطنه كوردستان  قسراً بالدولة السورية وينسحب الأمر خلال الثورة التي تقترب من عقد من الزمن بالنسبة لنظام الأسد والمعارضة على السواء .
ـ من خلال ملاحظة ما تضمنته هذه الوثيقة /المذكرة من توصيفات قانونية فيما يتعلق بالشعب الكوردي و أرضه التاريخية وحقوقه المشروعة وقضيته العادلة ومطالبه المحقة وما يمتلكه من مقومات وإرث ثقافي واجتماعي وإرادة مشتركة ونزوعه نحو العيش المشترك مع المختلف عرقياً في ظل دولة المواطنة وفق معايير الحق والعدالة والمساواة  في ظل الديمقراطية والتدافع السلمي  وحقه المشروع في تشكيل كيان ذاتي وفق المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان للأمم المتحدة . لم تتخطاها الحركة الوطنية الكوردية بأحزابها ومنظريها ، بل أنَّ الخطاب السياسي لأغلبية الأحزاب قبل الثورة السورية/2011 كان يشوبه الضبابية و لم تكن تتعدى الحقوق الثقافية والاجتماعية  ، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن عليها وقد صاغها صاحبها في السجن في ظروف صعبة وقُدمتْ كَدفِع ومُرافعة أمام محكمة أمنية وعسكرية من متهم يقود مجموعة من المتهمين ( حسب التهم الموجهة إليهم ) قاموا بتشكيل حزب سري يهدف إلى اقتطاع جزء من أراضي الجمهورية العربية المتحدة في إقليمها الشمالي/سوريا وبالتالي مواجهتهم بتهمة الانفصال وتشكيل كيان كوردي مستقل . إن دلَّ ، فهو لا يقبل الشك على نباهة هذا الرجل وإخلاصه وعلو أفق وعيه وإدراكه وأيمانه بقضية شعبه العادلة ، فهو يستحق كل الوفاء ويعتبر بحق مرشداً وملهماً للمخلصين من أبناء وبنات شعب كوردستان في كل مكان .
في 15/10/2020
ملاحظة :
* الكتابة بمجملها استخلاص  لمضامين الوثيقة/ المذكرة التي قدمها الدكتور نوالدين زازا  مؤسس و رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني/الكوردي في سوريا من السجن عام/1961 التي وجهها إلى رئيس محكمة أمن الدولة العليا العسكرية بدمشق .
* الكتابة الموجودة بين قوسين مقتطفات من الوثيقة/ المذكرة ، للدلالة والاستئناس .
* مرفق نص الوثيقة/ المذكرة ، وهي منسوخة من مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)صفحة أحد الأصدقاء وقد تعود بالأساس إلى صفحة  الدكتور نور الدين زازا على الـ فيسبوك  .                        
Dr. Noureddine Zaza
 
 https://mail.google.com/mail/u/0?ui=2&ik=b2698479f2&attid=0.1&permmsgid=msg-f:1680556897826114265&th=1752899837
c20ad9&view=att&disp=inline
 صورة عن النسخة المنشورة عن ملف الذكرى /32 لوفاة د.نو الدين زازا 4/4 و المبتور منها الجزء الأخير من مساهتمي .
الدكتور نورالدين زازا، صاحب الفكر الحر  و الإرادة الطليقة
قهرمان مرعان آغا
عندما يأتي ذكر اسم الراحل د. نورالدين زازا وسيرته الشخصية والسياسية بين أبناء الشعب الكوردي وبخاصة في غرب كوردستان، يصعد إلى الذاكرة فكرتين، أولاها صورة رجل متعلم ومتنور و ليبرالي. ثانيها، الشخصية السياسية القيادية الأولى، لأول تنظيم سياسي قومي، رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني/ الكردي في سوريا ويصاحب الفكرتين شعور وأسى وأسئلة أخرى، لماذا لم يكْمِل مسيرته السياسية في إطارها الجمعي وتنحى جانباً يعمل بمفرده في بلاد الغربة.
فمن جملة الأسئلة التي تطرح بمناسبة حالة الانقسام التي طالت الجسم التنظيمي للحزب السياسي الكوردي في سوريا واستمرت على مدى أكثر من نصف قرن، قصة اختلاف قيادة الحزب أثناء الاعتقال في زمن الوحدة بين مصر وسوريا، فيما يتعلق بأهداف الحزب وأسمه (الكوردستاني/الكوردي… تحرير وتوحيد كوردستان) وضرورة التمسك بها من عدمها في الاستجوابات أو الدفوع والمرافعات خلال المحاكمات التي جرت لهم آنذاك، حيث أصبحت منصة، لزعزعة الثقة والمصداقية بدعوى الحفاظ على المبادئ ومن ثم التشهير والاتهام بين تكتلين وأكثر فيما بعد (حيث انقسم الحزب على نفسه يساراً و يميناً) وعبرت بوضوح بين إرادتين مختلفتين، أحداهما تمثل الواقعية السياسية الواعية حسب ظروف تلك المرحلة والتي مثلَّها رؤية رئيس الحزب د. نور الدين زازا وإرادته الحرة الطليقة، عن تلك الإرادة المُقيَّدة بفكرة الايديولوجيا، التي أصرَّ عليها سكرتير الحزب (آبو) أوسمان صبري والتي تمثلت في المشاعر الثورية التي كانت سائدة تحت يافطة العناوين والشعارات الكبرى البعيدة عن الواقع، حيث تبدَّلت الأمور عند تأسيس الحزب في حزيران/1957في ظل الجمهورية السورية وبوجود تعددية سياسية وحياة برلمانية وحريات مدنية ونقابية، منه…
وعند تشكيل الجمهورية العربية المتحدة في شباط /1958، التي أنهت الحياة السياسية من خلال حل الأحزاب في سوريا وتسخير مقدرات الإقليم الشمالي (سوريا) لدعم الخطاب القومي وآلة الدعاية الناصرية للوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، في ظل تصاعد الأفكار و السياسات العنصرية المتطرفة في مواجهة التطلعات القومية للشعب الكوردي، حيث باتت الدولة الأمنية تخييِّم بظلالها على المشهد السياسي و الاجتماعي في سوريا من خلال سلطة المكتب الثاني و مباحث أمن الدولة و أصبح الكورد مستهدفون بذواتهم الشخصية وفي هويتهم القومية وتعتبر المذكرة التي قدمها الدكتور نورالدين زازا من خلال مرافعته لدى محكمة أمن الدولة العليا العسكرية في دمشق عام 1961، أثناء اعتقال قيادة الحزب في آب/1960، وثيقة تاريخية حول معاناة الكورد في ظل حكم الوحدة.
يتبين لنا من خلال قراءة تلك المذكرة والنظر إلى مضامينها، مدى تحلي د. نورالدين زازا بالفكر القانوني والسياسي وبالنظرة الواعية في تناول معظم القضايا التي جابهت الشعب الكوردي وحزبه الوليد، ويعتبر كما هي الحقيقة رائداً في الفكر الحقوقي ومدافعاً شجاعاً عن وجود الشعب الكوردي وقضيته العادلة.
ـ يأتي في مقدمة المذكرة، صيغة الشعب الكوردي في الإقليم الشمالي (سوريا) في (….الجمهورية العربية المتحدة)، كشعب له تمايزه القومي وخصوصيته الثقافية، كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية ويؤكد على حقيقة مقومات وجود الشعب الكوردي القومية، بأنه (…. واقع ملموس وموضوعي … الذي كان ولا يزال يعيش على أرضه… وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به… ظل متمسكاً بها ومحتفظاً بنسماتها على مرَّ التاريخ  و توالي العصور….) ويؤكد على العيش المشترك ورخاء الإنسان وحفظ كرامته.
ـ كما يثبِّت في مذكرته مفهوم الحقوق المشروعة للشعب الكوردي، مستنداً على الخصائص والمقومات التي يتمتع بها الشعب الكوردي وإلى حقوق الإنسان التي تؤكد عليها مواثيق الأمم المتحدة والهيئات الشعبية والمجتمعية والمؤتمرات الدولية ويشير إلى مؤتمر عدم الانحياز و عبد الناصر أحد مؤسسي هذا الحلف،  أنَّ (….مسألة قتل ثقافة شعب، جرماً يعاقب عليه مؤتمر باندونغ ومؤتمر تضامن شعوب آسيا وأفريقيا في القاهرة وكذلك في أغلب المؤتمرات والاجتماعات التي حضرها ويحضرها سيادة الرئيس جمال عبد الناصر، يؤكد بإصرار على حقوق الشعوب وضرورة احترام مطاليبها ورغباتها….) ويذكِّر ببيان عبد الناصر مع الرئيس السوداني المتضمن (.. استنكار كل سياسة ترمي لإذلال الشعوب واستعبادها وتنقص من كرامة الإنسان بسبب اللون والجنس والعقيدة).
ـ يشير إلى ضرورة التزام الجمهورية العربية المتحدة بتعهداتها أمام الهيئات والمؤتمرات الدولية (… باعتبارها عضواً وطرفاً فيها، تجعل من حقوق الشعب الكوردي اللغوية وما إليها حقوقاً مشروعة وطبيعية للأكراد… لا يمكن التغاضي عنها وإنكارها…) .
ـ يبين سياسة  التعريب التي تمارسها السلطات والتي تشكِّل أساس كل عوامل التفرقة العنصرية (.. إنَّ هذا الواقع من جانب.. و إنكار وإتباع سياسة طمس هذه الحقوق وسياسة الصهر ودمج وتعريب الأكراد بشتى الوسائل من جانب آخر، تتولد (سياسة العنصرية) بالضرورة وبشكل حتمي ..)
ـ بيان الوقائع التي تثبت سياسات الصهر والتمييز والتفرقة العنصرية التي تطال وجود الشعب الكوردي في دولة الوحدة ، حيث يؤكد للقاضي تمهيداً ، ثلاث نقاط  ، لا بد َّ أنْ يتفهمها :
* إنَّ العبرة في إقرار حقوق الشعوب ليس في مجرد الاعتراف بها بموجب قرارات و بيانات، بل العبرة في التنفيذ و تمكين الشعوب من ممارسة حقوقها والاستمتاع بمزايا تلك الحقوق .(.. لم تعد حقوق الشعوب مجرد قرارات وبيانات تسطر على صفحات، بل تلك الحقوق، دخلت إلى مستواها التطبيقي العملي في بلدان عديدة من تلك التي تضم قوميات وشعوب متعددة (.. سويسرا، بلجيكا، كندا..إندونيسيا…)… جعلت شعوبها تتمتع بحقوقها المشروعة و بذلك حلت مشاكلها الداخلية…) .
* يؤكد على العيش المشترك بين العرب والكورد من خلال الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي ونبذ العنصرية التي لا تخدم الوحدة الوطنية ويشير إلى حتمية الديمقراطية في حياة الشعوب (إنَّ التمييز العنصري لا يؤدي إلى تفسخ رابط الأخوة العربية الكوردية  فحسب وإنما إلى بذر بذور الشك و عدم الثقة بين الشعبين… وتضر بالمصلحة الوطنية وعلى العكس إعطاء الأكراد حقوقهم..، توطد أركان التضامن العربي الكوردي وتظهر البلاد بمظهر تعاوني، ديمقراطي صحيح).
* إن عدم الاعتراف باللغة الكوردية وحرمانها في التعليم والتحدث بأساليب المنع والإرهاب،  كونها لغة حية, سيدفع الشعب الكوردي بحكم الفطرة إلى تعلمها بوسائل شتى وطرق مختلفة وهذا ما حصل بالفعل مع الحكومات والأنظمة التي تعاقبت على حكم سوريا ويا للمفارقة، كانت إذاعة القاهرة, افتتحت قسم اللغة الكوردية، تبث الأخبار والأغاني في مواجهة عبد الكريم قاسم / العراق وتمنع الشعب الكوردي في سوريا/ دولة الوحدة العربية من التحدث بلغته الأم (ارتقاء اللغة الكوردية إلى المجال الدولي، كونها لغة حية تردد كلماتها و أغانيها وموسيقاها في عدة إذاعات عالمية في مقدمتها إذاعة (القاهرة، العراق،ايران … وتدرس في مدارس وجامعات عدة بلدان (السويد، العراق، باريس ….)
ـ ويضيف (بأن عدم الاعتراف رسمياً بوجود كيان للشعب الكوردي في الأقليم الشمالي… وبفتح المجال أمام بعض الموظفين التنفيذيين  …) يزيد من سياسات التمييز العنصري بطريقة فجة وعارية وهي تشمل ـ الاعتداء على الأشخاص بسبب الانتماء القومي ـ تغيير وتعريب أسماء القرى والبلدات الكوردية ـ منع تسجيل أسماء الأطفال المواليد  بأسماء كوردبة ـ منع ارتداء الزَّي الكوردي ـ إغلاق الصحف التي تتناول العلاقة الكوردية العربية على أسس وطنية ـ عدم السماح بممارسة حقوق الطبع والنشر فيما يتعلق بالحقوق اللغوية الكوردية ومصادرة الكتب ودواوين الشعر وتوقيف الأشخاص على إثر ذلك ومنع فتح نوادي وجمعيات كوردية ومنع الموسيقا الكوردية ـ حرمان الكورد من الانتفاع بأراضي الاستيلاء والإصلاح الزراعي الذي نفذه عبد الناصر في عام/ 1959 ـ الانحياز الى جانب العرب عند التحكيم في المنازعات العقارية ـ منع الكورد الغير مسجلين في دوائر النفوس من التسجيل المباشر أسوة بالعرب واعتبارهم مكتومي القيد وعرقلة الإجراءات بالنسبة لحقوقهم المدنية وبالتالي حرمانهم من حق التعليم والانتخاب وخدمة العلم ـ طرد الطلبة الكورد من الامتحانات الثانوية دون سبب ـ عدم تناسب عدد النواب الكورد مع عددهم الفعلي بالنسبة لمجوع السكان في الجزيرة مع منح العرب نسبة تتجاوز أضعاف تمثيلهم الحقيقي ـ تسريح الموظفين الكورد من الوظائف العامة ومنع قبولهم في المعاهد التعليمية وكليات الجيش والشرطة ـ منع الكورد من حمل السلاح وحصرها بيد العرب (المقاومة الشعبية) ـ منع النشطاء و السياسيين من الكورد من السفر ومصادرة وثائق الس
…. انتهت
في 7 اكتوبر/ ت١ 2022

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…